news-details

مروان البرغوثي مرشحا لمنصب الرئيس|د. حسين علي شعبان

 

هل يحق لمروان البرغوثي الترشح لمنصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية؟ ما حقيقة معارضة اللجنة المركزية لحركة فتح ترشحه وما مدى صحة "التهديدات" التي نقلها إليه الوزير حسين الشيخ وقبله جبريل الرجوب لثنيه عن الترشح؟ هل يحق للجنة المركزية لحركة فتح منع ترشيح أبي القسام لمنصب الرئاسة؟ أوليست الانتخابات منصة سباق أشخاص وممثلي أحزاب تتنافس ببرامجها الانتخابية على خدمة الوطن والمواطن؟ ماذا يبقى من فضائل الديمقراطية إن توافقت قيادتا حركة حماس وحركة فتح على خوض الانتخابات في لائحة واحدة؟ ماذا لو قبلت حركة حماس بالرئيس محمود عباس مرشحا وحيدا لمنصب الرئيس؟ هل لدى مروان البرغوثي الإمكانية والقدرة على تحدي مرشح فتح وحماس لمنصب الرئاسة؟ هل سيسمح جيش الاحتلال بإجراء انتخابات ديمقراطية حرة في الضفة والقدس؟ ما فائدة انتخاب البرغوثي رئيسا وهو سجين محكوم بخمسة مؤبدات؟ سيل أسئلة حال صاحبها كمن يحاول ابتلاع خنجر، الحقيقة الثابتة أن لا مكان هنا للتأجيل أو الاجتهاد ودعاة الانتخابات يقرعون على طناجر مصالحهم لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة التى هي حلم كل معتاش على بصيص أمل.

في زمن استفحال فيروس كورونا 19 الذي تحور متخفيا برداء الخبث "الإنجليزي"، بمصاحبة تفشي عنصرية نتنياهو في الأغوار والقدس وهضاب الضفة ومرتفعات الجولان؛ فاجأ الرئيس محمود عباس في 15 كانون الثاني/يناير 2021، الفلسطينيين بمرسومه إجراء الانتخابات الفلسطينية الثلاث (التشريعية والرئاسية وللمجلس الوطني(، في الضفة الغربية وغزة. كان الرئيس قد أقر في 11 كانون الثاني/ يناير2021 تعديلات طالت العملية الانتخابية والجسم القضائي الفلسطيني، واتبعهما في تاريخ السابع عشر من الشهر نفسه باستقبال رئيسي جهاز المخابرات العامة المصرية الوزير عباس كامل، ونظيره الأردني اللواء أحمد حسني، في مقره في رام الله. السيدان جبريل الرجوب وصالح العاروري كثفا منذ مطلع أيلول/سبتمبر 2020 اجتماعاتهما المكوكية، وكأنهم في سباق ماراثوني مع دونالد ترامب، فكانا يحرقان أعصابهما ويحرقان الوقت لحقن المواطن واللاجئ الفلسطيني بجرعات من لقاح أمل شارفت شمسه على المغيب.

"برعاية" وزير المخابرات المصرية عباس كامل، و"إشراف" اللواء عمرو نظمي، المسؤول عن الملف الفلسطيني في المخابرات المصرية، وفي وقت قياسي، "اتفق" ممثلو الأربعة عشر فصيلا فلسطينيا )اختلفت المصادر بشأن العدد(، على بيان ختامي جاء من خمسة عشر بندا تناولت جميعها سبل ضمان إجراء انتخابات فلسطينية حرة ونزيهة بإشراف هيئة قضاة، يجري التوافق على اختيارهم، "أربعة أو خمسة قضاة لكل من الضفة وغزة، وواحد من القدس"، حسبما نقلت جريدة "الاتحاد" يوم 12 شباط/فبراير 2021.

ما إن انفض اجتماع القاهرة، حتى أعلن الناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين مقاطعة حركته للانتخابات، معللا السبب "إجراءها تحت مظلة أوسلو". الناطق باسم الجبهة الشعبية لتحرير فسطين تحفظ حول إجراء الانتخابات والمشاركة فيها، المثقفون الفلسطينيون في غزة والضفة، وخاصة المستقلون منهم، فضلوا التروي والانتظار قبل إعلان موقفهم خوفا من بطش شرطتي "المقاومة" و"التنسيق الامني"، في حال فشلت الصفقات... أما في الخارج، وخاصة جموع شتات المثقفين في الولايات المتحدة؛ كندا والاتحاد الاوروبي وبريطانيا، فيخيم في أوساطهم حال من الخيبة وعدم الثقة وتراجع الامل.

فضائية "الميادين" لعبت دور الناقل الرسمي لحوارات الداخلية والخارجية، فخصصت الكثير من أوقات بثها للسيدين جبريل الرجوب وصالح العاروري، ففي لقاء مطول استقبل السيد كمال خلف عرابَي المصالحة والانتخابات، حيث اهتم مقدم البرانامج بكيمياء "الانسجام" بين الرجوب والعاروري ودورهما الشخصي في جسر الهوة بين حماس وفتح، وطي صفحة 13 عاما ونيف من الاتهامات والاعتقالات المتبادلة. اللافت هو فائض ثقة الرجوب بإجراء الانتخابات في الضفة والقدس، والتي حسب تعبيره ستجري "غصب عن رأس أبو نتنياهو"، حيث حضرتني الواقعة التالية: غضب لاجىء فلسطيني من تباطؤ موظف الشؤون الاجتماعية في السويد في إنجاز معاملة له صباحا، فباغت اللاجئ الموظف وشتمه قائلا: "اليوم بدي أفعل وأترك بأمك!"، وبهدوء، اصطحب الموظف الشاب الغاضب إلى مكتبه، حيث اتصل بوالدته قائلا: "أماه، لدي شاب يريد إمتاعك: ما رأيك؟!"، وضع الموظف سماعة الهاتف والتفت إلى الشاب قائلا: "لقد قدمت فكرتك لوالدتي، لكنها للأسف رفضتها".

أظهرت الأيام الأخيرة أن اللجنة المركزية لحركة فتح لم تكتف بحسم خيارها لصالح ترشيح محمود عباس لمنصب الرئيس، ومنع أي منافس داخلي أو خارجي له. نشرت جريدة "القدس العربي" الصادرة في لندن يوم 12 شباط/فبراير 2021، نقلا عن مصادر إسرائيلية، خبر زيارة الوزير حسين الشيخ للأسير مروان البرغوثي في سجنه، حيث كتبت: "حصل الشيخ على ترخيص خاص للقاء البرغوثي"، وإثر الزيارة تضيف جريدة "القدس العربي"، صرح الشيخ للصحافة: "قمت بزيارة الأخ القائد مروان البرغوثي، حاملا رسالة وتحية من الرئيس محمود عباس، واللجنة المركزية لحركة فتح... جرت دراسة عميقة وشاملة للوضع الفلسطيني، وأكد الأخ مروان على ترحيبه بالقرار التاريخي في إجراء الانتخابات ونجاح الحوار الوطني في القاهرة". هنا يسأل البعض عن أهداف الزيارات المتتالية لمروان البرغوثي في سجنه، هل حقا فشل جبريل الرجوب في إقناع أبي القسام البرغوثي في عدم الترشح للانتخابات الرئاسية؟ هل حقا قررت اللجنة المركزية للحركة تكريس تجربة انتخابات 2006، التي حظرت بموجبها ترشح أعضاء الحركة بشكل مستقل بذريعة "من استقل فقد استقال؟".

بعيدا عن الخطوات الاستباقية للانتخابات القادمة، وقبل الغوص في التفاصيل الشيطانية ورواج الشائعات في الساحات العامة، إثر صدمة عودة مفاوضات المصالحة التي فاجأت بها قيادتا حماس وفتح القريب قبل البعيد، تبقى الإجابة على السؤال "المغلق": أيذهب الفلسطينيون للانتخابات أم يقاطعونها؟ الإجابة بلا هي الأسهل، "وكفى الله المؤمنين شر القتال"؛ أما الإجابة بنعم فتتطلب همما عالية وإعداد الخطط والاستعداد لخوض الانتخابات والمشاركة فيها بفعالية، وهنا محاولة فك طلاسم بعض سحرة الزاوية، أو الطريقة السلبية المتشائمة.

 أولا؛ ليس الفساد حكرا على بنيامين نتنياهو والأحزاب الصهيونية، ففي المجتمع الفلسطيني في الضفة والقطاع يعم الفساد في ثنايا بعض العمامات في غزة وبعض ربطات العنق في رام الله، ولعله من الطبيعي أن يسعى المتخفون بجلباب الديمقراطية إلى تضليل الناخب الفلسطيني وتزوير أي عملية انتخابية؛ مثلا، لم تكشف النقطة السادسة في بيان اتفاق القاهرة الأخير عن وجود معتقلين سياسيين (معتقلي الضمير( في كل من سجون رام الله وغزة.

ثانيا؛ من باب الاحتكار ليس من مصلحة بنيامين وجنرالات الاحتلال أن تجري انتخابات حرة ديمقراطية، فكيف لنتنياهو وأحزاب العنصريين الصهاينة أن يتباهوا ويتفاخروا بجزيرة حريتهم في بحر الظلام العربي؟ صحيح أن مصالح أفراد فلسطينيين تتقاطع وتلتقي مع استراتيجية نتنياهو؛ إلا أن تناقض مزاعم وادعاءات هذا النفر تنفيها أفعالهم، ما يضعف هيبتهم ومكانتهم في الانتخابات القادمة. إن إحالة قضاة في عز شبابهم وعطائهم إلى التقاعد المبكر، وتعيين آخرين انتهت صلاحيتهم العمرية، هذا الأمر قد أثار سخرية وغضب المواطن واللاجئ على السواء.

ثالثا؛ الاتفاق بين قيادتي فتح وحماس على لوائح مشتركة للتشريعي، وعلى اسم مرشح واحد للرئاسة، في حال حدوثها، سيزيد من زعزعة مكانة الحليفين الخصمين، وهما اللذان لم يقدما حتى اللحظة تبريرا او تقييما لخيباتهما السابقة، كما لأسباب تناحرهما وقتل وسجن معارضيهما خلال عقد ونصف من الزمن. مواطن عاقل أو مجنون قادر على إحراج قيادة الحركتين بسؤال بسيط: بعلامة ماذا علينا أن نصدقكم وأنتم من أطعمتمونا براحاتكم وألسنتكم جوزا فارغا وخيباتا تلو الخيبات؟

رابعا؛ اتخاذ ضعف وتراجع دور ومكانة المعارضة التقليدية وقدرتها على التغيير سببا للمقاطعة، فيه الكثير من التماهي والاستسلام لواقع سيكون الشعب وحده كبش محرقته. ماذا قدمت "جبهة الرفض الفلسطينية" التي تشكلت في أواسط سبعينات القرن الماضي للفلسطينيين؟ ألم يتسابق أبطالها على مناصب السلطة وطأطأة الرؤوس بحثا عن حياة باذخة؟

الانتخابات الفلسطينية هي دون أدنى شك خطوة استباقية نحو إدارة البيت الابيض والاتحاد الاوروبي، ومعهم الحكومة البريطانية، لاستعادة شرعية الرئيس محمود عباس التي دمرها عن سبق الإصرار والترصد الثلاثي: باراك أوباما ودونالد ترامب وبنيامين نتنياهو. الرئيس الديمقراطي باراك أوباما أهان في كتابه "الأرض الموعودة" الرئيس عباس، وجعل من شخصيته مادة للتندر والسخرية. الرئيس الجمهوري دونالد ترامب تجاهل الرئيس عباس وأهانه يوم داس القانون الدولي، فنقل سفارة بلاده إلى القدس وتبنى خطط بنيامين نتنياهو بالحرف. نتنياهو بدوره وضع الخطط الميدانية لمصادرة الأغوار، وبناء آلاف الوحدات الاستيطانية، وتهويد الأراضي في الضفة الغربية.

الرئيس جوزيف بايدن، القادم بفضيحة صدعت النموذج الامريكي للديمقراطية، يدخل البيت الأبيض بسيف مكسور لاسترداد الدور الأمريكي المتضعضع بفعل تسونامي الاقتصاد الصيني والتحدي الروسي والردع الايراني. الرئيس بايدن بحاجة إلى ضعف المنطقة العربية للاستحواذ على الورقة الفلسطينية لاحتكارها بعد تبريدها. بقدر من الحكمة والرصانة والحزم، ردعت كل من الصين وروسيا الخطابات العدوانية للرئيس جوزيف بايدن، في حين تجاهلت حكومة كوريا الشمالية خطاباته التوعدية وركلت غطرسة دونالد ترامب في فيتنام. الحكام العرب بضعفهم وتشتتهم، هم وحدهم من يستجدي عطف جوزيف بايدن ووزير خارجيته.  

حكومة إيران بدورها تشبثت بشروطها من أجل العودة إلى الاتفاق النووي، وهي التي ردت بالصواريخ على استخفاف إدارة دونالد ترامب بقدراتها، لعل هزيمة الجيشين السعودي والإماراتي و"حلفائهما" في اليمن، مضافا إليها كابوس صواريخ حزب الله، الذي يقض مضاجع حكومة بنيامين نتنياهو وجنرالاته في الشمال، هي الأشياء التي دفعت إدارة جو بايدن إلى العودة إلى ربابتها القديمة؛ الديمقراطية والانتخابات وحقوق الانسان.

إن من تجاوزوا الشعب الفلسطيني وصادروا حقوقه، التى ليس آخرها حقه في التعبير عن الرأي، وحرموه حق الترشيح والانتخاب، هم نفسهم وبأقدامهم يعودون إلى بيت طاعة الشعب. والانخراط والانشغال بالانتخابات الفلسطينية القادمة هو امتحان لكل مواطن ومواطنة. إن مروان البرغوثي هو الشخص المؤهل والأكثر تمثيلا لمعاناة الفلسطينيين، فهو الحامل الأمين لراية ورسالة المرحوم ياسر عرفات. والإدارة الأمريكية كما الحكومة الصهيونية لا يوقف غطرستها إلا مفاوض بحجم حيدر عبد الشافي؛ والأكيد أن الشعب الفلسطيني لم يخذل يوما قيادته والناطقين باسمه، كما يفعل حفنة مرعوبين من المثقفين والإعلاميين والمحزبين.

تؤكد المشاركة الشعبية الحاشدة التي يتقدمها المنتصر ماهر الأخرس مراسم تشييع المرحوم عبد الستار قاسم، الذي عرف بمواقفه الجريئة، وتجزم بما لا يدع مجالا للشك أن الشعب الفلسطيني لا زال بخير. ألم يهزم ماهر الأخرس بيديه العاريتين نتنياهو وحكومته؟ أوليس هذا درسا كافيا لجميع المرعوبين من نتنياهو؟ ليتجرأ نتنياهو على منع الانتخابات، وحينها سيكون الفلسطينيون هم الرابح بلا منازع. إذا فاز مروان البرغوثي بمنصب الرئيس، هل سيجرؤ نتنياهو على إبقائه أسيرا خلف القضبان؟ أوليس هو وجنرالاته مرتعبين من قرار المحكمة الجنائية الدولية مطلع شباط/فبراير الجاري؟ ولماذا يلتوي بعد القرار كالثعبان المطوع رأسه؟

الأكيد أن الأسير مروان البرغوثي أمام امتحان وتحد صعبين، فهو اليوم حصان الشعب الوحيد، فهل يخذل الحصان الأصيل شعبه؟ الشعب بانتظار ماء أبي القسام، لتكذّب غطاسين غارقين في "فِتر" ماءٍ أمريكي.

*لندن، المملكة المتحدة، 13.2.2021

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب