news-details

ليست زلّة ولا زلات، هذا هو نهج منصور عباس

الاتحاد

تتكاثر في الآونة الأخيرة، ما يحلو لجماعة منصور عباس، تسميتها "زلة لسان"، أو "تفسيرا خاطئا لقصده. وفي ذات الوقت، فإن منصور عباس، يعرف مدى غضب الجماهير على انشقاقه عن القائمة المشتركة، إلا أنه يحاول القاء التهمة على الأغلبية التي بقيت في القائمة.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل بالفعل هذه زلات لسان عن شخص "متمرّس"، أم أن هذا نهج مترسخ فيه، يرتكز على أمرين أساسيين: تفكيك الشراكة الكفاحية للجماهير العربية، وثانيا تمييع نضالها بتغليب المدني على القضية الأساس، قضية شعبنا الفلسطيني، ليجد نفسه في أحضان اليمين الاستيطاني، ويبرر خطاب الأحزاب الصهيونية، التي تريد سلخنا عن هويتنا وانتمائنا، وقضية شعبنا، وتذنيبنا بجرائم الصهيونية.

منذ أن انتخب منصور عباس لرئاسة قائمة الحركة الإسلامية الجنوبية للانتخابات البرلمانية، في أوائل العام 2019، بادر لاتصالات في محاولة لتعكير أجواء القائمة المشتركة، التي كانت تشهد تجاذبات داخلية، ليست سياسية. توجه عباس بدايةً للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، داعيا إياها لإبرام اتفاق ثنائي لتتم مواجهة التجمع الوطني الديمقراطي والحركة العربية للتغيير، وفرض املاءات عليهما، وقد رفضت الجبهة، وطلبت استمرار القائمة المشتركة.

ثم طلبت جماعة عباس تحييد الحركة العربية للتغيير من القائمة المشتركة، ورفضت الجبهة.

بعد أن غرّر عباس بالتجمع في انتخابات نيسان 2019، وتم شق القائمة، تحالفت الجبهة مع الحركة العربية للتغيير. ومن المثير للسخرية، أنهم هاجموا الجبهة بسبب هذا التحالف، بمعنى أن منصور عباس كان يريد تفتيتا أكثر وأعمق.

نتائج انتخابات نيسان 2019، أوضحت لمنصور عباس حجمه، فاضطر للعودة الى القائمة المشتركة، ومرّت انتخابات أيلول 2019، وجاءت انتخابات آذار 2020، فما كان من منصور عباس أن عاد لمخططه الأول، وبدأ يبث مجددا إشارات لتفكيك القائمة المشتركة.

 

وهذا غيض من فيض عن عمق مواقف منصور عباس وارتباطه بالليكود:

 

1

**بعد انتخابات نيسان 2019، اتضح أن منصور عباس كان ينسق مع مستشار نتنياهو، المدعو نتان ايشيل، دون علم شركائه في الكتلة في حينه، حزب التجمع الوطني الديمقراطي. ويومها قالت تقارير إخبارية إسرائيلية، إنه وفقا لتقديراتها، فإن منصور وزميله عبد الحكيم حاج يحيى دعما مرشح نتنياهو لتولي منصب مراقب الدولة العام، الذي أراده نتنياهو شخصيا، لضرب جهاز الرقابة العامة.

 

 

2

** بعد انتخابات نيسان 2019، أيضا، وقع عضو الكنيست السابق من حزب منصور عباس، عبد الحكيم حاج يحيى في مقلب إذاعي مع احدى الإذاعات العبرية، إذْ قلّد أحدهم صوت نتنياهو، وتحادث مع الحاج يحيى، بشأن الحصول على دعم حزبه لنتنياهو، وكان أحد ردود الحاج يحيى، أن من يقرر هو منصور عباس، ودَعْ نتان إيشيل يتواصل معه، فبينهما علاقة انسجام، إذا صحت ترجمة "بينهما كيمياء".

نتان ايشيل للتوضيح، كان مستشارا ومدير طاقم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من العام 2009 وحتى 2012، واضطر للاستقالة بسبب شبهة فعلة جنسية، اعترف بها، ولكنه واصل علاقته بنتنياهو.

 

3

**تمهيدا لانتخابات أيلول 2019، أحرج منصور عباس القائمة المشتركة، حينما قال في أحد الاجتماعات الشعبية، إن من لا يريد التصويت، ويقاطع التصويت، فليسلّم الهوّية، بمعنى أن يتنازل عن مواطنته في وطنه ويرحل. حتى الصهاينة، لم يتجرأوا على قول كهذا.

 

4

**بعد انتخابات آذار 2020، كانت ترشح معلومات عن استئناف الاتصالات بين منصور عباس والليكود ومَراسيل نتنياهو، دون علم الشركاء في القائمة المشتركة. ولكن هذه الاتصالات تكشفت بمسرحية سخيفة جدا، حينما وقف منصور عباس، على منصة الكنيست، بعد اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والإمارات، والقى "خطابه التاريخي"، حسب تعريفه، أو حسب تسميته، "خطاب النقاط الأربع"، التي طرح فيها أربع قضايا منها استفحال العنف، وقضايا أخرى.

في تلك الجلسة، كان يجلس "بطل المسرحية الثاني" نتنياهو، الذي اهتمّ بالظهور كمن يصغي باهتمام، وما ان أنهى عباس خطابه، حتى دعاه نتنياهو لأن يرسل له تلك النقاط خطيًا ليهتم بها، وكأن عباس اكتشف المياه الساخنة، التي فاجأت نتنياهو، وقرر برحابة صدره أن يحل القضايا الأربعة.

 

5

**الفصل الثاني من المسرحية، كان في عقد جلسة خاصة للجنة مكافحة العنف التي يرأسها منصور عباس، بحضور نتنياهو شخصيا (عبر الفيديو)، وهو الذي لا يشارك في اجتماعات اللجان البرلمانية، باستثناء لجنة الخارجية والأمن، ومعه شارك أيضا، وزير البوليس أمير أوحانا.

في تلك الجلسة كشف منصور عباس طابقه كليا، حينما امتدح الخطة الحكومية لمكافحة العنف، والتي تبين لاحقا أنها ليست سوى فتح مراكز بوليس ودعوة العرب للانخراط في سلك بوليس نتنياهو.

كما أن منصور عباس اندفع في تلك الجلسة مدافعا عن البوليس، مدّعيا أنه يبذل جهدا كبيرا ويمنع جرائم قتل، وامتدح وزير البوليس بعينه. وكل هذا موثق بشريط فيديو عن تلك الجلسة، التي أوضحت للجميع، في أحضان من يجلس منصور عباس.

 

6

**حينما تكشف عمق العلاقات بين منصور عباس والليكود برئاسة نتنياهو، شرع عباس بالدفاع عن هذه العلاقات بمقولة: "نحن لسنا في جيب أحد"، "نحن لسنا في جيب اليسار الصهيوني"، ليبرر غرقه في جيب نتنياهو.

وفي إحدى المقابلات مع إحدى القنوات التلفزيونية العبرية، قال إنه يعرف أن نتنياهو يستغله، وقال، "هو يستغلني وأنا استغله". والنتيجة يعرفها الجميع، وهي أن عباس أضعف بما لا يقاس من أن يكون قادرا على استغلال نتنياهو، الذي استغل كل توجهات عباس، ليندفع بوقاحة مطالبا العرب بدعمه، طالما القضية قضية تحقيق مطالب، بعيدة كل البعد عن القضية الأساس: قضية شعبنا الفلسطيني، وتجاهل حقيقة أن التمييز ضدنا نابع من كوننا أبناء الشعب الفلسطيني.

 

7

**كي يبرر منصور عباس هدفه بشق القائمة المشتركة، زيّف بشكل خطير جوهر قانون يتعلق بما يُعرف بـ "العلاجات النفسية للمتحولين جنسيا"، وادعى باللغة العربية أن القانون يشجع المثلية، بينما أعلن عن تأييده لجوهر القانون، وأكد تأييده حرية كل شخص بأن يختار ميوله الجنسية، ولكن باللغة العبرية. أول مرّة في مقابلة مع الإعلامية لوسي هريش، ومرة ثانية في ندوة موثقة، مع جمعية "شحاريت". واعترف عباس بأن القانون جاء لمنع تعذيب الناس.

 

8

**في واحدة من المقابلات مع إذاعة عربية محلية، وصف منصور عباس مقولة "نتنياهو عنصري" بأنها مقولة شعبوية، لا تحقق شيئا، فما يهمه كما يدعي هو تحقيق إنجازات للجماهير العربية.

 

9

**في اجتماع انتخابي عقد قبل أيام، تم تسجيل منصور عباس، بشريط موثّق يقول ما يلي: "إحنا دائما العرب فش إشي أسهل علينا من أنه نتهم الآخرين، كل شيء عندنا مؤامرة، نتنياهو فكّك المشتركة، نتنياهو قضى على القضية الفلسطينية، نتنياهو عمل كذا. يا عمي، اللي قضى على القضية الفلسطينية الانقسام الفلسطيني، اللي فكك القائمة المشتركة أعضاء القائمة المشتركة، بكفي نتهم غيرنا، هذا ضعف، يجب أن نتحمل المسؤولية".

وهذا كلام لا يحتاج لشرح، فهو يتبنى عمليا، نهج الحركة الصهيونية، لتبرئة ذاتها من جرائمها، وتذنيب الضحية، بمعنى نحن الشعب الفلسطيني، بما ارتكبته الصهيونية ضدنا.

 

10

**ما سبق يؤكد أنه حينما وصم منصور عباس الاسرى في سجون الاحتلال بـ "المخربين" و"إرهاب"، فتلك لم تكن زلّة لسان، لأن من يشاهد ذلك الشريط الموثق، ويتابع حركة جسد منصور عباس، يعرف أنه كان يقصد ما يقول، لأنه طلب من محاوره، في تلك المقابلة باللغة العبرية، عميت سيغل، أن لا يتم زجه بخانة دعم الإرهاب. وقال إنه لم يزر السجون ولم يعانق "المخربين".

وقال في تلك المقابلة، إن لقاءه بالقيادي من حركة حماس، خالد مشعل، تم في اطار "السلام بين الأديان" وأضاف أن ، "من كان عليه أن يعرف فقد عرف"، في إشارة واضحة للمخابرات، وهذا يأتي في سياق دفاع منصور عباس عن نفسه أمام الصهاينة، بأنه "ليس في خانة دعم الإرهاب" حسب تعبيره.

لم تكن تلك زلّة لسان، بل هذا تعبير عن نهج مترسخ بشخص منصور عباس، واعتذاره عما ورد على لسانه، جاء فقط بعد أن ثارت ضجة عامة لدى الشعب الفلسطيني وفصائله ومؤسساته الوطنية، ما اضطر الحركة الإسلامية الشق الجنوبي، لإصدار بيان ينتقد تصريحات عباس، واضطر لاحقا أن يصدر بيان اعتذار خجول.

 

**

الحقائق كلها موثقة، ولا مجال للتلاعب فيها، ولكن أمام هذا المشهد الخطير، يجب التأكيد على حقيقة أن كل ما نعانيه من تمييز عنصري، هو ليس خللا في الحكم الإسرائيلي، بل هذا هو برنامج الصهيونية، كي نبقى شريحة ضعيفة مستضعفة تلهث وراء قوت يومها، تكافح ضد الحواجز التي تفرضها المؤسسة الحاكمة لمنع تطور مجتمعنا.

وكل ما حققناه من تطور، وهو ليس كافيا وما زالت الفجوات هائلة بيننا وبين الجمهور الإسرائيلي، حققناه على الرغم من الصهيونية وليس بطيب نواياها، حققناه بالنضال الذي انطلق منذ ما بعد النكبة ولم يتوقف، نضال كلف جماهيرنا الدماء والشهداء وعذابات السجون، حققناها بدحر الأحزاب الصهيونية من مجتمعنا، بقوة القائمة المشتركة الوحدوية، التي لم يرُق لمنصور عباس وحدتها، فحاول تنفيذ المهمة التي ألقيت عليه بتفكيكها، الا انه لم ينجح سوى بمغادرة حزبه..  

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب