ينطلق يوم الأربعاء القادم، 20 آذار/ مارس 2019، مهرجان حيفا المستقلّ للأفلام بدورته الرابعة، بداية من مؤتمر صحفي يُقام في مسرح خشبة عند الساعة الخامسة عصرًا، ويُفتتح مع الفيلم الفلسطينيّ "مفك" (2018) للمخرج بسام جرباوي، وذلك عند الثامنة مساءً في مسرح الميدان، بحضور الممثلين/ات الفلسطينيّين عرين عمري، محمد بكري، زياد بكري، رياض سليمان وحنّا شمعون.
على مدار سبعة أيام، وحتى 26 من الشهر الجاري، سيعيد مهرجان حيفا المستقلّ للأفلام اكتشاف التاريخ الفلسطينيّ من خلال الأرشيف السينمائيّ، عبر عرض أفلام عن الثورة الفلسطينيّة والأرشيف الفلسطينيّ، كما ورش عمل، دروس الخبراء ومعرض فنّي، كأهمية لربط حيفا والحاضر بتاريخ المكان، وإعادة تشبيك الجمهور مع تاريخه الجمعيّ ومواصلة النضال ضد محاولات طمس هذا التاريخ وهويّة ناسه الذي يمارسه الاستعمار منذ نكبة العام 1948.
وفي علاقة المهرجان المستمرة مع العالم العربي، صنّاع أفلامه وقصصه، وهي علاقة أساسيّة بُنيّ عليها المهرجان منذ تأسيسه، بهدف إعادة بناء الجسر ما بين حيفا والعالم العربي من خلال السينما، يوفّر المهرجان لجمهور حيفا ومن يستطع الوصول إليها، أفلامًا عربيّة لما كانت لتُعرض في فضاءات حيفا الثقافيّة، لولا وجود مهرجان سينمائيّ فلسطينيّ مستقلّ.
سوريا والجزائر ولبنان في الواجهة
وفي دورة هذا العام، يُسلط المهرجان الضوء على سوريا والجزائر، من خلال عروض أفلام عديدة، روائيّة وتسجيليّة، منها؛ فيلم "عن الآباء والأبناء" للمخرج طلال دركي، الذي كان مرشحًا للأوسكار 2019، فيلم "العبور" لجورج كوريان، فيلم "لكل جرح عالم" لدالية كوري، "حصار" لوسيم صفدي. وهي أفلام تُسلط الضوء على الواقع السوري في هذه المرحلة، سواء تحت حكم النظام و/أو الحركات الجهادية، اللجوء وكذلك الحياة في الجولان السوري المحتّل.
وفي الأيام التي تمرّ الجزائر بحراك شعبي، اختار المهرجان عرض أفلامًا تحكي السردية الجزائرية التاريخيّة والمعاصرة أيضًا. من الأفلام المشاركة هي "في رأسي رون بوا" لحسين فرهاني، فيلم "vote off" لفيصل هامون، وغيرها من الأفلام التي جميعها توفّر مساحة معلوماتيّة، مسليّة، مؤثرة ومضحكة وتعبّر عن الجيل الجديد من السينمائيّين/ات الجزائريّين/ات.
ومن لبنان، ستُعرض مجموعة من الأفلام المليئة بحسّ الفكاهة المعدي، التي تعرض بأساليبها الخاصّة، فيها من التهكميّة والسخريّة، واقع لبنان اليوم، تُدمج بنظرة ثاقبة ونقديّة على ماضي لبنان وحاضره. من هذه الأفلام؛ "إحساس أعظم من الحبّ" لماري جيرمانوس سابا، وفيلم "آخر أيام رجل الغد" لفادي باقي.
في حديث مع حنان واكيم، عضو لجنة اختيار الأفلام، قالت بأن الأفلام تم اختيارها من ضمن مئات الأفلام التي تقدّمت للمهرجان، بالإضافة إلى تلك التي تم اختيارها من قبل اللجنة بناء على متابعة أعضائها من ناشطين/ات في الحقل السينمائي للمشهد السينمائيّ الفلسطينيّ، العربيّ والعالميّ. وتتابع حنان: "هنالك أيضًا تركيز على السينما الفلسطينيّة لهذه الدورة، حيث حاولنا أن نضم قدر الإمكان مساحة للإنتاج الفلسطينيّ، سواء من الداخل، الضفة الغربية، غزّة والشتات. كمحاولة لتشكيل صورة عما تضم السينما الفلسطينية اليوم، إلى جانب العربية، خاصة بتنوع مواضيعها السياسية والاجتماعية. كما لدينا أفلام غير عربيّة، وهي تحاكي بقضاياها واقعنا إلى حدّ ما، مما شعرنا أن الجمهور سوف يتواصل معها. بالإضافة إلى أفلام طلبة من كلية دار الكلمة في بيت لحم، حيث يرى المهرجان نفسه أيضًا مساحة لاحتضان إبداعات شبابية"، وتضيف حنان: "تكمن أهمية المهرجان بخلق جسر بين أجزاء فلسطين من خلال السينما، وبين فلسطينيّي الداخل مع امتدادهم الطبيعي الفلسطيني والعربي، هذا كله في ظروف سياسيّة معقّدة، مع الحاجة أحيانًا لتوضيح الواقع السياسي الذي نعيشه في الداخل الفلسطينيّ من جهة، والتأكيد على استقلالية المهرجان من جهة أخرى".
إعادة بناء الجسور بطرق عديدة
إن الامتداد الطبيعي الذي يجسّده المهرجان، لم يرتكز هذا العام فقط على عرض أفلام من العالم العربي، إنما أيضًا بأن يتكوّن طاقمه من أعضاء غير فلسطينيّين/ات. فهذا العام، انضمت سامية لعبيدي، منسّقة لبرنامج المهرجان، حيث تعمل معه من تونس عبر وسائل التكنولوجيا المتاحة. وفي حديث معها، قالت: "بناءً على الدورات الثلاثة الأولى من مهرجان حيفا المستقل للأفلام والعمل المتميز الذي قاموا به زملائي في تحفيز ثقافة السينما محليًا وفي إقامة هذا المهرجان كحدث لا يمكن تفويته في المشهد الثقافي وفي هويته العربيّة الفلسطينيّة، أردت استخدام موقفي كمواطنة تونسية لبناء مزيد من الجسور بين حيفا والدول العربية، وإعادة تقديم سرديات جميلة وقوية، ممن تم إساءة تمثيلهم، إلى فلسطين"، وتتابع: "بصفتي تونسية، مرتبطة جداً بفلسطين وسينما فلسطين، من الضروري بالنسبة لي أن أتمكن من المساهمة في إعادة بناء هذه الروابط: على الرغم من التفتت والعقبات التي يضعها الاحتلال المستمر، تستمر السينما الفلسطينية في النمو".
الأرشيف الفلسطينيّ في السينما والوثائق
إلى جانب الأفلام، ينظّم مهرجان حيفا المستقلّ للأفلام ورش عمل، دروس خبراء ومعرضًا فنيًا بعنوان "نافذة على العالم" لعبد الله غسّان، وهو معرض عن دور السينما في نابلس، الذي يعرض التاريخ الاجتماعي للمدينة من خلال وثائق متعلّقة بالسينما، كملصقات الأفلام التي كانت موجودة بداية العشرينات، وعرائض موقّعة من قبل المجتمع النابلسي. وبالتالي، يرصد المعرض التغييرات التي طرأت على دور السينما ومن خلالها تُعكس التغييرات التي طرأت على حياة الفلسطينيّين عبر مراحل تاريخيّة عديدة؛ قبل النكبة، بعدها، بعد حرب الـ 67 مرورًا بالانتفاضة الأولى وأوسلو.
في حديث مع صالح ذباح، منسق ورشات العمل ودروس الخبراء في مهرجان حيفا المستقلّ للأفلام، قال: "أهمية منح مساحة لورشات العمل هي تأمين منصة إضافيّة لخلق ثقافة سينمائيّة، حيث أن الأفلام نفسها لا تكفي لذلك. كما أن دروس الخبراء هي مساحة لتطوير أفكار عن معنى السينما والسرديات التي نتناولها في أفلام، كما وفحص جماليات السينما وتمرير مهارات تقنيّة. يسعى الأفلام لتطوير الثقافة السينمائيّة وإلى خلق جمهور ينتظر المهرجان من عام إلى آخر، كي يكون مشاركًا في العمليّة الإنتاجيّة السينمائيّة وبالفعل الثقافي السينمائي. هذه السنة يضيء المهرجان على الأرشيف، كيفية التعامل معه، لدينا ورشة عمل تحمل الاسم "العمل على الأرشيف"، بحضور ثلاثة صانعات أفلام، وهن؛ مونيكا ماور، والتي عملت مع سينما الثورة الفلسطينيّة في لبنان، وكذلك هند شوفاني التي تعمل في حقل الوثائقي مع الأرشيف بشكل جديد وتجريبي ويمنح إعادة إنتاج للأرشيف وفهمه بطريقة جديدة، والمخرجة آن ماري جاسر التي تعمل في حقل السينما الروائيّة، لكنها تتعامل مع الأرشيف في أفلامها مثل "ملح هذا البحر" و"لما شفتك"، والتي هي أفلام روائيّة لكن مع الزمن تُصبح نوعًا من الأرشيف".
من بين ورش العمل أيضًا سيضم المهرجان ورشة تصميم ملابس الأفلام مع حمادة عطالله لطلاب السينما والجمهور المهتم بهذا الشأن وبعلاقة تصميم الملابس بالأفلام والسردية السينمائيّة، وكيف أن عمل المصمم هو عبارة عن فتح نافذة أكبر لفهم شخصيات الفيلم من خلال التصميم. بالإضافة إلى ورشة مؤثرات بصريّة مع إيلي رزق، التي تهدف إلى فتح نافذة على الجانب التقنيّ المعاصر والتكنولوجيا للسينما. فيحاول المهرجان أن يخلق مساحة للربط بين الماضي/ الأرشيف وبين مواكبة التطورات التقنيّة.
أكثر من خمسين فيلم في حيفا
سيضم مهرجان هذا العام 59 فيلما (11 فيلمًا روائيًا، 18 فيلمًا تسجيليًا، 30 فيلمًا قصيرًا)، مما يدّل على ازدياد في عدد الأفلام المشاركة لهذا العام. عن هذا تقول حنان واكيم: "كمية الإنتاج السينمائيّة الفلسطينيّة والعربيّة، تدعو للفخر. كان علينا أن نختار عددًا محددًا منها لضيق المساحة. كما أن ما يميّز هذه الدورة هو عدد صانعات الأفلام النساء الفلسطينيّات والعربيّات، بالإضافة إلى التنوّع بالمواضيع والقصص المطروحة، السياسيّة والاجتماعيّة منها، وتسليط الضوء على فئات مجتمعيّة لا تحظى بتغطيّة كافيّة في السينما، مثل الكويريّين ومن لديه توحّد".
من الجدير بالذكر أن مهرجان حيفا المستقلّ للأفلام يُقام بمبادرة مجموعة من عاملين وعاملات في القطاع السّينمائيّ والثقافيّ الفلسطينيّ، وسيُقام هذا العام في مساحات ثقافيّة وفنيّة فلسطينيّة عديدة ومستقلّة في المدينة، وهي؛ مسرح خشبة، كباريت، منجم، مساحة، بار غاليري فتّوش ومسرح الميدان. كما وأنّه يعمل جاهدًا ليحتضن شرائح متنوعة من المجتمع الفلسطينيّ، من أجيال متعددة، مما يجعل المهرجان فضاءً ثقافيًا يجمع شرائح مختلفة من الجمهور تحت سقف واحد، وبشكل مستقلّ.