رجلان شابان في منتصف الثلاثينيات من عمرهما زارا إسرائيل، هذا الأسبوع. كلاهما ولد مع ملعقة ذهب في فمه، وكلاهما تربى مع صدمة عائلية على رؤوس الأشهاد، فيما العالم كله يشاركهم مشاعرهم؛ الأمير وليام بعد موت أمه في حادثة طرق، وجارد كوشنير بعد حبس أبيه بسبب الغش. واحد يأتي من أوروبا، والثاني من أميركا، وكلاهما رسولان.
كوشنير مثّل "صفقة القرن" مثلما تسمي مهزلة ترامب حل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. أما وليام فمثّل موقف الأسرة المالكة البريطانية في النزاع. الأسرة المالكة هي الأخرى مهزلة بحد ذاتها، ولكن عندما تنال المهزلة الزخم فإن الجمهور يعانق، ويكون لها وجود سياسي. لقد قام وليام بجولة لا سياسية مزعومة، في الشرق الأوسط، ولكنه عملياً فعل لا يوجد أكثر منه سياسة. وادعى كوشنير الانشغال بالقرص السياسي الصلب، فيما ليس له أي فكرة عما يعنى به. فقد قال لصحيفة "القدس": "وفقاً لتحليلي توجد هنا فرصة لاتفاق جيد"، وكان الحديث يدور عن صفقة أخرى، بينما الأرض والواقع مفعمان بالنوازع، بالدم، بالعنف، بالتزمت الديني وبالأساس بتطلع غير قابل للشراء أو البيع إلى الحرية وإلى رموز الهوية الشخصية والوطنية، سواء في الجانب الفلسطيني أم في الجانب اليهودي.
يحاول كوشنير إغراء الفلسطينيين بالتحسينات الاقتصادية، وكأن المال ليس الأمر المهم في العالم، بل الأمر الوحيد في العالم: "كل شيء متعلق بقيادة الطرفين للحلول الوسط مقابل المكاسب الكبرى التي سيحصلون عليها".
وبخلاف نتنياهو، الذي لا هو ولا المؤمنون به أو المعارضون له يصدقون كلمة واحدة تخرج من فمه، لديّ إحساس بأن كوشنير وشركاءه، خريجي الرأسمالية الخنزيرية الأميركية، يصدقون ما يقولونه، وهذه مصيبة غير قليلة بحد ذاتها. فإلى الشعب الفلسطيني يتوجه كوشنير من فوق رأس أبو مازن فيقول: "لست واثقاً من أن الرئيس عباس قادر على عمل هذا".
أما وليام فقد التقى أبو مازن بمكتبه في رام الله، فيما التقى كوشنير نتنياهو بمنزله في بلفور، وهكذا يتبين أن من يدير العرض هو أبو مازن، الذي أغلق الباب في وجه كوشنير، أي ترامب. منذ سنين يدفنون هنا أبو مازن. كل مرة بحجة مختلفة. ذات مرة كان "صوصاً" ومرة أخرى كان "إرهابياً"، تارة هو ناكر للكارثة وبالأساس رافض للحديث مع دولة إسرائيل. وحسب منطق حكومة اليمين، فإنه يريد استمرار الاحتلال كي يواصل "الإرهاب". ويوجد هنا ما يكفي من الأغبياء الذين يشترون هذا الهراء.
والأمير وليام؟ هو يتجول في القدس الشرقية وفي جبل الزيتون، اللذين هما "منطقتان محتلتان" على حد تعريف الأسرة المالكة والحكومة البريطانية. ونتنياهو يبتلع. فلا هو ولا زوجته يفوتان تصويراً مع ملك المستقبل، ولكن سموتريتش يتحدث: "زيارة وليام مهمة، ولكن ليس في ظل سحق كرامتنا الوطنية، وأنا أميل لأن أمنع هذا بجسدي إذا لم يمنع بأسلوب دبلوماسي".
كوشنير يتحدث بجدية عميقة مع "مسؤولين في مصر" عن مصير غزة؛ وليام، الذي يتدفق في عروقه دم أزرق، ينزل إلى الشعب ويلعب كرة القدم مع فرق الشباب اليهودي والعربي، أولئك الذين دمهم أحمر ومع فتيان دماؤهم مباحة. باختصار، لو كان لأحد ما ذرة أمل في أن تؤدي "صفقة القرن" إلى حوار إسرائيلي -فلسطيني، فقد انطفأ هذا نهائياً مع زيارة الوفد الغريب الذي كله يهود مؤيدون للمستوطنات، فضمن نتنياهو في أن يبقى رئيس وزراء إلى أبد الآبدين.
في القدس يفهمون لماذا كانت زيارة كوشنير زيارة عزاء بمناسبة وفاة مبادرة صفقة القرن. فقد قال شمعون بيرس دوماً: "أبقوا القدس في كل مفاوضات إلى النهاية". فتكليف هذا الثلاثي، كوشنير – فريدمان – غرينبلات، بأن يدير اليوم المفاوضات حول القدس هو كتكليف الثلاثي المرح إدارة المفاوضات مع كوسوفو، وليس مؤكداً من يضحك أكثر.
صحيح أن كوشنير اعترف بأن "كل الزعماء العرب في المنطقة عادوا وقالوا: إنهم معنيون بأن يروا دولة فلسطينية عاصمتها شرقي القدس"، ولكن حقيقة أنه قال هذا بعد زيارة نتنياهو المفاجئة لدى عبد الله ملك الأردن تقول: إن الرجل لم يفهم على الإطلاق كم هي هذه القصة كبيرة عليه. فقد شرح أن "الزعماء العرب" أشاروا إلى أنهم معنيون بأن يبقى المسجد الأقصى مفتوحاً أمام المسلمين في إطار الاتفاق".
لا يوجد قول بائس أكثر من هذا في سياق موقف العالم العربي من القدس. "معنيون"؟ غرينبلات، فريدمان، وكوشنير كلهم نيويوركيون، أي سماسرة عقارات دوماً. من ناحيتهم الأقصى هو موضوع لـ "معنيين" عرب؛ خلافاً لـ "المبكى" والبلدة القديمة بالطبع، فهناك تسود روح فاضلة. والآن اذهب وحاول التسوية بين الفاضلة التي تقع وفقاً لمصادرنا في "جبل البيت" وبين البراق، الذي اندفع كل الطريق من الصخرة التي في "جبل البيت" حتى السماء السابعة، حيث التقى النبي محمد الله الذي أعطاه خمس صلوات يومياً فرضت على المسلمين، بمثابة إعادة صياغة لألواح العهد (الكلمات العشرة التي أعطاها ألوهيم لموشيه. ليس لديّ أي فكرة ما الذي يتآمرون عليه هناك في رباعية قمار نتنياهو، كوشنير، عبد الله، وولي العهد السعودي في موضوع القدس، ولكني مقتنع بأنه ليس لدى أي منهم فرصة للفوز، وكلهم يكذبون على الجميع. والمناورة الأخيرة هي الضغط على كيس المرارة الاقتصادية والأمنية لعبد الله كي "يعرب عن موافقة" لفكرة أن تكون عاصمة فلسطين هي أبو ديس، وأغلب الظن أيضاً تواجد سعودي في "جبل البيت" (فكرة قديمة)، التي هي هدية بن سلمان للتيار المتزمت في السعودية.
في ظل مثل كل الأفكار والمحاولات لتربيع الدائرة المقدسية فإنه حتى أولئك الذين يبدؤون في الظلام سينتهون هناك. في "كامب ديفيد" طرح بيغن على الرئيس جيمي كارتر فكرة علم سعودي على "جبل البيت" لإرضاء العالم العربي، وشلومو بن عامي في أيام "كامب ديفيد" البهيجة لأيهود باراك عني بتدويل الحوض المقدس – فكرة ممتازة ولكن ليس لها أمل في حكومة نتنياهو. وحتى كوشنير كانت لديه فكرة ممتازة، بعد أن فهم أنه لن يكون ممكناً خياطة صفقة منفصلة في الضفة دون غزة، ولا يمكن التقدم عندما تكون غزة تغلي.
( "معاريف")