وصل الاستعمار الأوروبي إلى السواحل الجنوبية للقارة الإفريقية في العام 1652، عندما قررت شركة الهند الشرقية، إقامة أول مستوطنة لها في رأس الرجاء الصالح، حيث انه حتى ذلك الحين مر المستعمرون البرتغاليون وآخرون على قرب من سواحل المنطقة في طريقهم إلى الهند، وجنوب شرق أسيا، دون التوقف على السواحل الإفريقية، حيث اعتقدوا أن إفريقيا لا تتمتع بخيرات كثيرة يمكن استغلالها وإدراكهم لعدوانية وخشونة السكان المحليين. وعمل المستعمرون الأوائل في تربية الماشية، والزراعة وتزويد السفن المارة بالمؤن.
ولكن سرعان ما اخذ المستعمرون البيض الأوائل الذين أتوا في المرحلة الأولى من هولندا وألمانيا بالتوسع نحو الشمال، حيث بدأوا باستغلال السكان الأصليين في مزارعهم وسرعان ولاحقا عملوا على طردهم من أراضيهم والاستيلاء على مزارعهم .
مع الانتباه إلى الاختلاف في الإقليم بين جنوب إفريقيا والدول الأوربية بسبب وقوع جنوب إفريقيا جنوبي خط الاستواء، حيث يحل الشتاء في أشهر الصيف الأوربية والمساحة الزراعية الشاسعة، اهتم المستعمرون في التقدم نحو الداخل الجنوب إفريقي بعيدا عن الشواطئ. هذه العملية تخللها بناء عدة قرى على النمط الأوروبي. وقد بلغ عدد المستوطنين الأوربيين في العام 1717 حوالي 2000 مستوطن فقط.
منذ العام 1806 استعمرت بريطانيا وبشكل دائم جنوب إفريقيا. ومع بداية الاستعمار البريطاني الذي حل محل الاستعمار الهولندي، وصل عدد المستعمرون البيض هناك إلى حوالي 25 ألف نسمة. واستطاع الهولنديين خلال فترة استعمارهم التغلغل حوالي ألف كيلو متر من رأس الرجاء الصالح إلى الداخل الإفريقي، وخلال هذه الفترة بدأت لغة أوربية حديثة تطور في جنوب إفريقيا هي الافريكانا وهي خليط من الهولندية والفرنسية.
وكان المستعمرون الأوربيون الأوائل من الرجال فتزوجوا من نساء سود حيث رأى هؤلاء في استعمارهم لجنوب إفريقيا تطورا شخصيا لهم ليس فقط على الصعيد الاقتصادي وإنما على الصعيد الاجتماعي أيضا. كان المستعمرون البيض في بلادهم الأصلية أناس عاديون أو من أبناء الطبقة الوسطى، وبانتقالهم للعيش في جنوب إفريقيا أصبحوا الطبقة العالية في المجتمع الجديد. أما الموجة الثانية من المستعمرين البيض فقد جاءت من فرنسا ورافقتها عائلات ونساء من البيض.
العلاقة بين السود مع المستعمرين البيض الأوائل كانت علاقات تجارة متبادلة منها: لحوم, حليب والألبان، مقابل ذلك حصل السود على أدوات أولية وأقمشة. وخلال نصف قرن تعود السكان الأصليين السود على الأمور التي بادلوا وتاجروا بها مع البيض، وحاولوا تطوير صناعات خفيفة. في المقابل قلت كميات اللحوم والحليب. وهكذا أصبح السكان الأصليين يعتمدون على متوجات المستعمرين البيض. وقد استطاع المستعمرين الأوائل عن طريق زراعة الذرة الإفرنجية مرتين في السنة مقابل مرة واحدة للذرة الإفريقية القضاء على الذرة المحلية. مع بداية القرن التاسع عشر أصبحت العلاقة بين الطرفين غير متساوية، حيث غيرت التجارة ميزان القوى بينهم. كل هذا حدث في فترة الثورة الصناعية في أوروبا والتصنيع السريع للحديد ومشتقاته.
من جهة أخرى فقد تم اكتشاف الماس والذهب في ترانسفال في جنوب أفريقيا في العام 1867 وطالب المستعمرين البيض بعدم السماح لغير البيض بالتنقيب عنه، مما أدى لاحقا إلى الاهتمام الدولي بجنوب إفريقيا ووسع التجارة بين أوروبا وجنوب إفريقيا، وساهم اكتشاف الماس والذهب إلى تغيير الاقتصاد المحلي بعد فتح مناجم الماس والذهب وبعد أن أصبح المستعمرون البيض الملاكين فقط لهذه المناجم.
ولكي يهيمن النظام الاستعماري الأبيض لجنوب إفريقيا تحول العمال السود للعمل في هذه المناجم لساعات طوال، وتم فرض ضرائب خاصة وكبيرة على الفلاحين السود ومزارعهم وماشيتهم مما أدى إلى ترك مزارعهم.
وهكذا أصبح السكان الأصليين الأفارقة جزا من الاقتصاد الأوربي الحديث، ومن الممكن رؤية جذور نظام الابرتهايد في التقسيم الطبقي واضح المعالم في نهاية القرن الثامن عشر حيث امتلك البيض المناجم وعمل السود على استخراج معادنها.
ورويدا رويدا تحول السود إلى عمال مستغلين عند المستعمرين البيض مما قادهم إلى انتفاضتهم الأولى في العام 1789 ومنذ ذلك التاريخ وعلى مدار 100 عام قامت هناك حروب كبرى بين المستعمرين البيض والسكان الأصليين، على أثرها تقسمت البلاد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى 9 ممالك محتلة، فيما اندلعت الحروب بين البريطانيين والمستعمرين الهولنديين الأوائل (الافريكانارس) الذين مر على وجودهم حوالي 150 عاما في جنوب إفريقيا.
وأقام البريطانيون جيشا من السكان الأصليين من بين الذين تضرروا من المستعمرين الأوائل، وانتهت هذه الحروب المعروفة بحروب البويرز عام 1902، وفتحت الطريق أمام وحدة المستعمرين البيض في جنوب إفريقيا
في فترة الاستعمار البريطاني لم تكن جنوب إفريقيا هدفا استعماريا عند البريطانيين موازيا لنيوزلندا، الولايات المتحدة الأمريكية, كندا اواستراليا، حيث لم يتعدى عدد المهاجرين البريطانيين بين 1815- 1914 إلى جنوب إفريقيا ال 4% من مجموع المهاجرين البريطانيين. ورغم قله عددهم فقد استطاع البريطانيون حكم جنوب إفريقيا واستغلال شواطئها عسكريا بسهولة، هذا الأمر أدى إلى صدام بين السكان المحليين والمستعمرين البيض من أصل بريطاني، والافريكانارس البيض حول الحكم السياسي. وكذلك يعد إقامة الاتحاد الجنوب إفريقي نقطة تحول في علاقات المستعمرين البيض وحل وسط بينهم فقد وحدهم في دولة واحدة بعد حروب استمرت سنوات طويلة. والاتحاد الجنوب إفريقي، هو تجمع بين 4 مستعمرات بريطانية مختلفة في المنطقة وهي الكيب، وترانسفال وناتال واورينج ريفير.
في العام 1906 انتهى النضال المسلح للسود في جنوب إفريقيا وكان واضحا تفوق البريطانيون والمستعمرين البيض الآخرين بسب حصولهم على الأسلحة المتطورة في أوروبا آنذاك.
ومن الجدير بالذكر أن البريطانيون جلبوا وشجعوا هجرة أبناء شعوب أخرى وخاصة الهنود إلى جنوب إفريقيا خلال القرن التاسع عشر. والمهاجرين الجدد إلى جنوب إفريقيا جزء منهم تجار وآخرون مزارعون لعبوا دورا في حياة مجتمعهم الجديد وخاصة في المجال السياسي والاقتصادي.
مع بداية القرن العشرين تأثر النشطاء السياسيين السود والهنود، الذين عرفوا بعد ذلك بالملونين بتعاليم المهاتما غاندي وبفكره. مهاتما غاندي كان قد زار جنوب إفريقيا وسجن فيها في بداية القرن العشرين، وتعود جذور النضال السلمي non violent passive resistance إلى جنوب إفريقيا حيث تم استعماله هناك قبل أن يتبناه الهنود في شبه القارة الهندية.
لا شك في أن المبنى الاجتماعي للسود الأفارقة لم يساعدهم بالوقوف أمام المستعمرين البيض خلال مقاومتهم الدامية للاستعمار والتي استمرت حوالي 100 عام طوال القرن التاسع عشر بأكمله. حيث كان السود مقسمين عشائريا واثنيا، وتعود محاولات توحيد السكان الأفارقة السود إلى بداية القرن الـ20، حيث تم تأسيس المؤتمر الوطني الإفريقي للسكان الأصليين في جنوب إفريقيا،South African Native National Congress على يد مثقفين سود في العام 1912. وقد ضمت القيادات العشائرية السوداء لهذا الإطار والذي يعد الحاضنة التي انطلق منها المؤتمر الوطني الإفريقي، African National Congress(ANC) في العام 1923. وقد تبنى هذا الإطار أسلوب النضال السلمي في مقاومته للاستعمار.
وقد لعب الحزب الشيوعي الجنوب إفريقي الذي تأسس في العام 1921 على يد الطبقة العاملة البيضاء دورا مميزا في النضال ضد الاستعمار الأوروبي، وضد استغلال السود سكان البلاد الأصليين، وتأثر بالثورة البلشفية وإقامة الاتحاد السوفيتي سنوات قليله قبل ذلك. ويعد الحزب الشيوعي الجنوب إفريقي أقدم الأحزاب الشيوعية في القارة الإفريقية ومن أكثرها تأثيرا، وقاد الحزب الشيوعي نضال إضراب عمال المناجم البيض في العام 1921، والذي يعد بداية مقاومة رأس المال في جنوب أفريقيا. وقد تطور الحزب في سنوات العشرين والثلاثين من القرن المنصرم، نشط في صفوف الحزب رفاق من السود والبيض وعمل على بناء حركة عمالية نشطة من خلال إقامة اتحادات العمال قي المناجم والمصانع.
بين الأعوام 1910- 1948 حكم جنوب أفريقيا 3 زعماء من البيض هم بوتا، جان سميث، وهرتسوغ وكلهم جنرالات سابقين في الجيش. وقد عمل هؤلاء على تطوير قومية جنوب أفريقية جديدة تحت شعار جنوب أفريقيا أولا. وقد اهتم الزعماء الثلاثة بالعلاقة بين الأعراق لكن الدولة حكمت على يد حكومة بيضاء وفق نظام حكم عنصري عرقي واضح المعالم.
وتعود التفرقة الرسمية بين السود والبيض إلى قانون الأراضي الخاص من العام 1913 والذي منح السود، سكان البلاد الأصليين حوالي 13% من مساحة البلاد فقط هي المحميات الخاصة فيهم. ومنع السود من شراء أي أراضي خارج المحميات. من جهة أخرى فقد تم سن قانون سكان المدن الأصليين في العام 1923 والذي يمنح السلطات المحلية حق الفصل في السكن بين السود والبيض داخل المدن.
وقد انضم نلسون مانديلا إلى المؤتمر الوطني الإفريقي في العام 1942. والذي تبنى منذ البداية سبل المقاومة غير المسلحة. ونشط منديلا ورفاقه في تنظيم وقيادة المظاهرات السلمية ضد سياسة التمييز العرقي في البلاد.
في العام 1948 فاز الحزب القومي الأبيض الذي شرع في إدخال ومأسسة التفرقة العنصرية وجعلها أكثر تطورا وشدة في البلاد. وهكذا دخلت جنوب إفريقيا إلى المرحلة الأصعب في تاريخها الحديث.
(يتبع)