news

الخرائط الفلسطينية في يوم التضامن

بريطانيا، صاحبة مشروع تقسيم فلسطين، وفكرة إقامة الدولتين، بعد أن تبرعت لخدمة اليهود والصهيونية في إقامة الوطن القومي لليهود على أرض فلسطين، كان اليهود جزءاً من الشعب العربي سواء في فلسطين أو سوريا أو اليمن والعراق، أو في مصر وتونس والمغرب، وكان التعايش سمة الحياة والمعاملة في هذه البلدان وبين طوائف شعوبها من المسلمين والمسيحيين واليهود، ولم تكن هناك أفضلية لطرف على أطراف، أو تمييز لأطراف وخاصة في فلسطين المقدسة للديانات الثلاثة وشعبها يؤمن بقدسية هذه الديانات، وأنبياؤها لهم حضور وتقدير واحترام متساوٍ في فلسطين.
     بعد الحرب العالمية الأولى وهزيمة تركيا والدولة العثمانية الإسلامية الموحدة، وفرض الإستعمار والإنتداب البريطاني على فلسطين وإصدار وعد بلفور، عملت على تحقيق التمييز والهيمنة لليهود في فلسطين وفتحها لهجرتهم بعد أن لاقوا الإضطهاد والقتل وأفران الغاز في أوروبا، فجاؤا إلى فلسطين متطرفين مستعمرين أعداء وأجانب عن الجو والإخوة والتسامح الذي كان سائداً بين أهل فلسطين، مما فجر الإحتكاك والإشتباك وزرع العنف وأعلن الكراهية بين أبناء الشعب الواحد.
     لم تستطع بريطانيا فرض اليهود على كل فلسطين، ولم تتمكن الأقلية اليهودية ابتلاع الأغلبية من العرب المسلمين والمسيحيين والدروز، فقدمت توصيتها إلى الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلىدولتين، وصدر قرار التقسيم 181 يوم 29/11/1947، بإقامة دولتين عربية ويهودية، وكانت مجحفة في تقسيمها حيث أعطت اليهود 55 بالمائة من مساحة فلسطين، وأبقت 43 بالمائة لأهلها الأصليين و2 بالمائة مشتركة في القدس وما حولها.
     في 15/5/1948، انسحبت بريطانيا من فلسطين، وتم إعلان إقامة الدولة العبرية إسرائيل ولكنها لم تحصل على 55 بالمائة من مساحة فلسطين كما أقر قرار التقسيم 181، بل استولت على ما مساحته 78 بالمائة من فلسطين، وبقي فقط 22 بالمائة، وساد الإنطباع والوعي الإسرائيلي بمقولتين لقادة إسرائيل المتفوقة، الأولى قالتها جولدا مائير " لا يوجد شعب يدعى الشعب الفلسطيني " والثانية قالها موشيه دايان "حدود إسرائيل يفرضها جيش الدفاع وأينما تصل بساطير جنوده ودباباته ".
     الوقائع على الأرض، كانت أقوى من رؤية جولدا مائير ومن تطلعات موشيه دايان، فوجود شعب فلسطيني يناهز الأربعة ملايين نسمة في الضفة والقدس والقطاع، يمتلكون العدالة في مطالبهم وحقوقهم مجسدة في قرارات الأمم المتحدة 181 و 194 و 242، لم تستطع الولايات المتحدة شطبها أو إلغائها، بل أضافت عليها قرارين هما 1397 و 1515، هذه الوقائع المترابطة المتماسكة والممزوجة بالنضال وتضحيات الفلسطينيين وواقعية سياساتهم وحكمة قيادتهم، أدت إلى تطور الموقف الرسمي الإسرائيلي المعلن من موقف جولدا مائيير بعدم الإعتراف بحقيقة وجود الشعب الفلسطيني إلى اعتراف اسحق رابين ومعه شمعون بيريس باتفاق أوسلو الذي أقر بثلاثة حقائق هي: 1 ـ الشعب الفلسطيني 2 ـ منظمة التحرير الفلسطينية 3ـ الحقوق السياسية المشروعة للفلسطينيين، وعلى أرضية هذه الحقائق عاد الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى فلسطين ومعه حوالي ثلاثمائة ألف فلسطيني، وجرى الإنسحاب الإسرائيلي المتدرج المتعدد المراحل من المدن الفلسطينية بدءاً من غزة وأريحا أولاً، وولدت السلطة الوطنية باعتبارها مشروع الدولة المستقلة.
     أصحاب أوسلو الإسرائيليين دفعوا الثمن، فقتل اسحق رابين وفشل شمعون بيريس، وبات اليمين والليكود أصحاب القرار، فعملوا على إلغاء أوسلو وتداعياته وآثاره على الأرض، ولكن الوقائع والحقائق كانت أقوى من نتنياهو وشارون، فكان التطور الثاني الذي قاده شارون ومعه أولمرت، بعد أن فتح اسحق رابين بوابة الإعتراف والقبول الإسرائيلي بالوجود الفلسطيني.
     التطور الثاني عبر عنه شارون بضرورة التخلص من الفلسطينيين ومن أرضهم طالما يستحيل التعايش معهم وحكم شعب آخر، فتخلى شارون عن قطاع غزة عام 2005، وانسحب عنها وأزال مستوطناتها، وكاد يفعل ذلك عن جزء من الضفة وتولى أولمرت المهمة وقدم برنامجه الإنتخابي على أساس برنامج الإنسحاب والإنطواء أحادي الجانب.
     أنابوليس في 27/11/2007 وباريس في 17/12/2007، فتحا بوابات التفاوض مع الإسرائيليين التي اغلقها شارون بعد نجاحه في 7/2/2001، وقد قطعت أنابوليس شوطاً ولكنها لم تستكمل، ذلك أن الإنقسام الفلسطيني ومساومات حماس أضعفت دور المفاوض الفلسطيني، فالتهدئة التي وصلت لها حماس مع الإسرائيليين في 19/6/2008، وطرحها فكرة الدولة المؤقتة والهدنة طويلة الأجل عززت من التصلب الإسرائيلي وأضعفت فكرة الحل النهائي المقدم من منظمة التحرير الفلسطينية.
     المفاوض الفلسطيني يواجه ثلاثة خرائط إسرائيلية، الأولى خارطة التقسيم وفق القرار 181 والثانية خارطة حزيران 1967 وفق قرار الإنسحاب 242 والثالثة حسب الجدار العازل الذي بني على أساس سياسي وحدوداً دولية وليس وفق اعتبارات أمنية وحسب.
     الإنتقال من خارطة إلى خارطة، كما تم الإنتقال من موقف إلى موقف، فالإنتقال من جولدا مائير إلى اسحق رابين إلى شارون يحتاج إلى عوامل ذاتية فلسطينية أولاً وإلى دعم دولي ثانياً، وبدون تماسك فلسطيني وسياسة واقعية ودعم وإسناد عربي وإسلامي وأوروبي وأميركي لن يكون للفلسطينيين أمانيهم ولن تتحقق تطلعاتهم.
     الحل الفلسطيني يكمن في عقد مؤتمر فتح وفي إجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية، وفي عقد المجلس الوطني، هذه هي بوابات الحل والمفاتيح الذهبية لتغيير الخرائط والمواقف لدى الإسرائيليين فهل نفهم ذلك؟

 

hamadehfaraneh@yahoo.com