ولد حمزة شحاتة عام 1908في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية، نشأ وتربى في مدينة جدّة، ودرس في مدارس الفلاح النظامية، سافر إلى الهند لمدة سنتين حيث درس اللغة الإنجليزية واطـّـلع على الأدب البريطاني، الأمر الذي جعله ينفتح على الثقافة الأوروبية. ثم عاد إلى السعودية ومكث فيها مدة من الزمن، ورحل بعدها إلى القاهرة عام 1944 واعتكف عن المشاركة في الحياة الأدبية المصرية هناك.
كان حمزة شحاتة ملحناً وعازف عود، وشكلت الموسيقى والشعر ملجأ يهرب إليه من غربته التي شعر بها في العالم العربي، كان يلتجئ إليهما، ويهيم بهما. ويُظَنُّ أنه أتلف وأحرق الكثير من أشعاره. توفي في القاهرة عام 1972، ونقل جثمانه ليدفن في مكة المكرمة.
يعتبر حمزة شحاتة مع محمّد حسن عواد من رواد الشعر الحداثي في الحجاز، ومن رواد الفكر الحديث، الذي استمر مع عبد الله القصيمي فيما بعد في كتابه "هذه هي الأغلال". ذاع صيته بعد محاضرة ألقاها في جمعية الإسعاف الخيري بمكة المكرمة عام 1938، بعنوان: "الرجولة عماد الخلق الفاضل" بدلاً من "الخلق الفاضل عماد الرجولة"، وهو الموضوع الذي اختارته له الجمعية مسبقاً. وأمضى خمس ساعات متواصلة في محاضرته التي بدّل عنوانها ليعبّر عن موقف فكري مميز.
يرى مِعْجِب الزهراني أن نثر حمزة شحاتة أهم من شعره، فقد تجاوز من خلاله الشائع في أوساط النخب الإصلاحية في عصره. إذ وضع أحد شروط التأسيس للفكر العربي الحديث، الذي يتمثل في ضرورة الوعي العميق بالأهمية التاريخيّة لرفض البيئة الاجتماعية – الوطنية السائدة للفكر، وخلع رداء المعاناة المتمثل في الأساس الوهمي لوطأة "الخطيئة الأصلية" التي تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل، وترزح تحت وطأتها، فتعيق نمو الفكر وتكبح جماح الإبداع. ويؤدي اعتناق هذا الإرث إلى ستر الحقائق الموضوعية المتمثلة في فهم الواقع المعيش والتعامل معه. إذ يعتقد حمزة شحاتة أنه لا يوجد فكر حديث في معزل عن تعرية "الحقيقة" و"الأوهام المسبقة"، وفي معزل عن الإيمان بحقيقة التطور في الطبيعة التي تستلزم التغير المطَّرد للأفكار العقلية والقيم الأخلاقية معاً.
ونقد حمزة شحاتة أسلوب الكتابة التقليدي من جهة تعلـّـق الأدب المعاصر بظاهرة البيان وشعارات البلاغة، فينساق الكاتب وراء قوة النص وجماله، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان النص لمعناه الذي هو جوهره وغايته.
كما حارب حمزة شحاتة الإسهاب في النص، واعتبر أنّ الإيجاز في عرض الأفكار فن رفيع. وتشكل هذه الإشارات في مجملها دعوة صريحة إلى التجديد في الأدب، ربما تكون استمراراً للمدارس التي دعت إلى حركات أدبية تجديدية متمردة على محاكاة القديم، كما حدث في حركة الشعر المهجري، التي مثلها جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وإيليا أبو ماضي، وغيرهم، كما دعت إليها مدرسة الديوان، التي مثلها عبّاس محمود العقــّاد، وإبراهيم المازني، وعبد الرّحمن شكري. ولا شك في أنها تعتبر استمراراً لما دعا إليه جميل صدقي الزهاوي، من حيث الاهتمام بالمعنى في الشعرالذي جردته أحكام القافية من مضامينه.
تتمثل نقطة الانطلاق في مشروع حمزة شحاتة الفكري بالتأسيس لخطاب فكري نقدي تجريدي شجاع، بهدف تفكيك منظومة القيم السائدة وما يرتبط بها من أفكار، ومن ثم التأسيس لمشروع تربوي تعليمي، لإعادة تربية الإنسان، وفق مبادئ عقلانية تحطـّم القيم الموروثة، على نحو ما فعل أبو نصر الفارابي، وأبو العلاء المعرّي، وعبّاس محمود العقــّاد، وسلامة موسى في تراثنا، وعلى نحو ما كتب الفلاسفة الغربيون من أمثال فرويد، وداروين، وماركس، ونيتشه، وغيرهم. فنحن في حاجة إلى "إرادة القوة" التي تؤسس بشجاعة وقوة تأسيساً حديثاً للمعارف البشرية النظرية والعملية. وانتهي بالدعوة إلى خطاب عروبي قومي محدث؛ يراجع القيم السائدة، ويسعى إلى إزالة أسباب الضعف في الواقع العربي والثقافة السائدة بصورة عامّة.
ففي محاضرته "الرجولة عماد الخلق الفاضل" التي استبدل عنوانها بالعنوان الأصلي المقترح "الخلق الفاضل عماد الرجولة" الذي وضعته جمعية الإسعاف الخيري بمكة المكرمة، يتضح بعضاً من مشروعه الفكري، فالرجولة من أعمدتها القوة، وهي قيمة ينبع منها الخلق الفاضل بوصفه صفة لها. والرجولة أهم من الخلق الفاضل، لأن الأخير لا يزيد الناس معرفة، فالمعرفة بالفضيلة خير من سلوك سبيلها على غير معرفة، كما قال الفارابي.
ويربط حمزة شحاتة الأخلاق بالواقع، كما في قوله: «فالكذب يقل عندما يقل التزاحم على أسباب العيش»، أمّا فضيلة "التواضع" فهي توكيد للذات وإيمان عميق بها. وبما أن المجتمع يقاوم الأشخاص الصادقين والصريحين والأمناء، فإنه يتساءَل: أليس ذلك دليلاً على فساد المجتمع؟".
وتعامل حمزة شحاتة مع مفاهيم مثل "الصالح العام" و"العدالة" و"الحق"، وناقش أضدادها، "الأنانية" و"الظلم" و"الباطل". ونفذ من خلالها إلى طبيعة المجتمع، حيث يصنع الفقراء الثراء، فيما يتمتع الأغنياء به وتنفقه الدولة على نحو غير عادل.
أمّا القوانين فهي زواجر ولا تربي الأخلاق، فيما تردع العقوبات الناس عن الرذائل ظاهرياً لا باطنياً فالتربية تبدأ من البيت فالمدرسة فالزقاق. والذي يسهم في سمو الأخلاق ويرتقي بها إلى مستويات رفيعة هو الحياء، لأنه قانون الفطرة الإنسانية، "وهو القوة والرحمة والعدالة". ويقول حمزة شحاتة: « لكل دين خلق، وخلق الإسلام الحياء». وينتهي إلى أن الفضائل فيها جمال فقط، أمّا الرجولة فتتضمن مجموعة من الصفات الرائعة، كالقوة والجمال والحق. ورأى حمزة شحاتة أن القوة تقابل الحياء، أمّا الجمال فيقابل الرحمة، فيما يقابل الحق مفهوم العدالة.
إضافة تعقيب