news-details

مزحة حب عابرة | مارون سامي عزّام

 

تفكيري الحُر يُتيح لي أن أحبّ من أشاء وكيفما أشاء، دون أن أكيل أي اعتبارات لأحد، لذلك اخترتُ صديقتي التي نسجنا سويًّا شبكة تفاعل خاصّة جدًّا لتكُون خياري، ولا يحق لها أن تضع أمامي حواجز الأعذار... تلك المساحة الواسعة الموجودة في عالم الخيال، تدع الأفكار تُحَلِّق فيه بحريَّة، رغم أنّها ارتبطت دومًا بحَبل الواقع الذي كان يُبْطِل مفعول جرأتي.

رهان خطير لا أستطيع تكهُّن عواقبه! شرر توقّعاتي تطاير أمامي دون توقُّف من احتكاك حماسي مع نيَّتي، إنَّما هذه المرَّة تحمَّست جدًّا، وأزحتُ عثرات التكلّف السخيفة، ومازحتها عفويّتي المعهودة قائلًا لها أنّي أحبّها، مجرّد لفتة رومانسيَّة لأستدرج ردَّها، هنا تغيَّرت حالًا ملامح ابتسامتها النضرة، شعرتْ أن استفزازي لها كان متعمَّدًا، لذا هجَرَتَ المكان الاجتماعي الذي جَمَعَنا لسنوات طويلة، وبقي كرسيّ استمتاعها فارغًا، وشحَّت سيول المودة التي كانت تجري بالأحاديث اليوميَّة، جراء مزحة حب عابرة..

أظْهَرَتْ صديقتي وجه معاملتها الحقيقي أمامي دون خجل، لكنّي لم أرتدع أبدًا، بل حاولتُ أن أفَهِّمها أنّ أنامل مشاعري هي التي عزفت تلقائيًّا على أوتار الاستلطاف معزوفة حب رومانسيَّة، تُسمِعها أروع نغمات اعتباراتي اللطيفة التي لم تستدعِ منها كل هذا الانزعاج، على الأقل كان عليها أن تراعي قليلًا وجود طفل الوفاء الذي ترعرع بيننا، وغدا بعُمر الوعي، لا يحق لها التخلّي عنه.

شعرتُ بوعكة ذنب موجعة، ولكن أي ذنب اقترفتُ؟!، تساءلتُ: "هل بات المزاح في هذا الزمن غير متاح؟!... هل صُنِّفَت الدُّعابة ضمن المحظورات الأدبيَّة؟!، يبدو إنه زمن تلاشت فيه معالم الأُلفة والمودة بين الناس؟! فقط أردتُ امتحان قدرتها على استيعاب العلاقة القديمة المتراكمة فوق العديد والعديد من الأزمات التي مررنا بها، وكنّا نتخطّاها، لأنّ صداقتنا ظلَّت صمّام أماننا التي حَـمَتنا من الزَّعل، لذلك لم أُصدِّق أنها انصَدَمَت من مزاحي بشكل كبير، سبَّب لها تراجُعًا تجاهي، أخَذَها لموقع إنكار وجودي!!

لغبائها رسمت حولها هالة من الهواجس الوهمية الموجودة فقط في لقطات ذاكرتها، فهي للأسف لم تُقدّر قيمة الصداقة! بل أوصَلَتها إلى درجة الوصوليَّة... خَرَجَت من مدار علاقتنا كالعاصية، وغدت تَبَعِيَّة لتفكيرها الضَّيِّق الذي أيقظ أفكارها المُسبَقَة من سبات عقيدتها!، لأنّي كنتُ واهمًا أنّها تؤمن بالصّداقة، وكل حديثها عنّي في السّابق كان تسويقًا لعلاقاتها العامّة.

كنتُ غطاءً اجتماعيًّا سهلًا لحياتها الأخرى على سطح موقع التّواصل المُقفَر من الحقيقة، والمليء بنتوءات الزّيف الاجتماعي، لتُجَمِّل مبادئها الإنسانيَّة، فوضَعَتني في موضع الإنسان الانتهازي الذي استغلَّ فرصة التقرُّب منها... توقَّف عقرب ضابط إيقاع نظام لقاءاتنا عن العمل، وانتهت موسيقى التناغم الفكري التي رقصنا عليها.

بعد لسعة المزاح الخفيفة، صرتُ غريبًا بنظرها. لا بُدّ أنّها نادمة على تصرّفها الغبي، وصارت المفاجأة تُطل من عينيها المشدوهَتَين، تلمع فيهما عبرات الندم، لأنها لن تقوى على إخفائها جراء مزحة حب بريئة، بادر لها قلبي الجريء الذي أصر على إطلاقها، مع أنّ مزحتي لن تترك ندبة في حياتها الشخصيّة، ولم يكُن فيها أي مَسٍّ بمشاعرها النّبيلة!

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب