news-details

ابو مضر: الصديق الصدوق والجبهوي الخلوق | مصطفى ابو ريا

كلمة بحق الأخ والصديق الراحل مصطفى ابوصالح ابو مضر

 بسم الله الرحمن الرحيم "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا" صدق الله العظيم.

 في زمن سيولة الموت لأهلنا في غزة والضفة ولبنان منذ أكثر من عشرة أشهر، والضحايا بعشرات الشهداء يوميا نتحسر نغضب ننتقد ونلوم ونبتلع حزننا وقهرنا حتى الاختناق.

في هذا الخضم القاسي واللئيم نفجع بوفاة أخ وصديق.. كأنه فرض علينا ملامسة الحسرة والحزن في الصميم ليخترق فكرنا وعاطفتنا وكل جوارحنا.

نعم الموت حق وموعده مجهول ومفاجئ، نحاول متابعة برنامج حياة عادية کي لا نلفت انتباه الموت نحونا، نفر من الموت خشية استفزازه. نشارك بتشييع الجنازة، ونردد الدعاء، ونلوذ بصمت الحيرة وقلة الحيلة.

أما وفاة الصديق والصاحب وزميل الدراسة الابتدائية والثانوية، والعلاقات الأسرية المتشعبة، والعمل السياسي والوطني والبلدي، فتترك غصة في القلب وفي الوجدان وكل انهار الدموع لا تطفئ نار الحسرة ولن تمسح الحزب والأسى.

تزاملنا في المدرسة الابتدائية في صف واحد، وعشنا ظروفا متشابهة من الفقر والقلة، استمرت زمالتنا حتى المدرسة الزراعية الثانوية في الرامة. درسنا لامتحانات البجروت كمجموعة طلاب من سخنين على ضوء مصباح الكاز (لوكس) بشكل دوري على شرفات منازلنا حتى ساعات الصباح.

أكمل أبو مضر دراسة الهندسة وفتح مكتبا في سخنين، وبعد عودتي كأول صيدلي في سخنين، وسكني في غرفة في بيت أهلي، استصدر لي أخي أبو مضر رخصة لبناء بيتي في أوائل الثمانين من القرن الماضي، وحينها كان لدي 4 أبناء. ولا زلت اسكن فيه.

بدأنا انا ورفيقي ابو مضر مشوارنا السياسي معا، وكان ابو مضر الجبهوي الأصيل الذي لم يطلب أي منصب وانما يسعى لانتخاب قيادة وطنية شابة لتحمل أعباء البلد.

نشطنا معا في كل انتخابات عامة او محلية، منذ 1978، وحتى أخر انتخابات محلية هذا العام.

رفيقي ابا مضر.. خدمت بلدك بمنصب عضو بلدية سخنين ضمن قائمة جبهة سخنين الديمقراطية، وعشنا معا انتصارات وإخفاقات في الانتخابات العامة والمحلية، ومع كل نتيجة لم يتوقف نشاطنا السياسي.

لم نسمح يوما بالتهاون بإحياء المناسبات الوطنية، من ذكرى يوم الأرض إلى ذكرى هبة القدس والأقصى، وما كانت لهذه النشاطات أن تنجح لولا تفاني ابو مضر وأمثاله من الغيورين والمسؤولين.. كنا دائما ننهض كطائر الفينيق من تحت الرماد، بعد أن ظنوا أنه احترق.

نكتب بدمنا وبدموعنا سيرة الراحلين عنا، لنزود الجيل القادم بتجارب وعبر العمل السياسي والجماهيري، والتأكيد على أن الحقوق تؤخذ بالقامة المنتصبة والهامات المرفوعة، وليس بالخنوع والتذلل للسلطة.

أخي أبا مضر، اقترنت برفيقة دربك أم مضر وهي من عائلة وطنية، ابوها كان معلما قبل النكبة، وفصلته السلطات بسبب مواقفه الوطنية وعدم خنوعه، وعمها كان أسيرا تحرر في صفقة أحمد جبريل، وهُجّر إلى لبنان.

أبا مضر.. أيها الحاج ايها الامام لمجموعة اعرف وطنك، حيث كنا نقتدي بك بالصلاة على أراضي القرى المهجرة. أديت الأمانة وضمنت المستقبل، نفتخر بأبنائك فأربعتهم أكاديميون.

يصعب علينا التعود على غيابك، فأنت حاضر سيرة وذكرى طيبة، كنت لنا قدوة وسندا. ولم تبخل علينا بالمشورة والحكمة، وأقرنتها بالعمل والنشاط.

نم قرير العين، سيرتك وارثك سيبقى بوصلة ترشد للطريق القويم، ولك خلف يحافظ على هذه القيم والمبادئ.

لم تتعصب وفسحت المجال للنقاش، نقدك كان لطيفا بناءً ومحبا، آمنت بمبدأ وحدة العقائد والمحبة بين البشر. كنت كقول الشاعر الصوفي محيي الدين بن عربي: "أدين بدين الحب أنَّى توجهتْ * ركائبه، فالحب ديني وإيماني".

صورتك لا تفارق مخيلتي، نذكرك في كل محفل ونشاط، لن ننساك ابدا، وستبقى سيرتك ومزاياك، وخلفك الصالح خير من يكمل دربك.

إلى جنات الخلد أبا مضر، مع الانبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب