news-details

صورة مقاتل الكونغ فو بين السينما الصينية والسينما الأمريكية التجارية | سمير زعبي

عند مشاهدتنا للأفلام الصينية نرى ان البطل يبدا بحركات بيديه ورجليه قبل النزال. هذه الحركات لا نفهمها ولا نعرف لماذا يقوم بها البطل ولكن هذه الحركات تأتي استنادا لخمس مدارس في قتال الكونغ فو. وهذه المدارس تتبع خمس طرق تابعة لكائنات حية. التنين والنمر وطائر الكركي والثعبان والفهد. اذ ان كل مدرسة لها اسلوب في طريقة هجومها ودفاعها، مستندة على الحيوان او الكائن الذي اختارته. فعندما يبدأ المقاتل بعرض قدراته أمام المقاتل الاخر ويبدأ بهذه الحركات فهذا بمثابة اعلان على اي نوع قتال سوف يستند واي حيوان او كائن سيقلد حركاته. إضافة لذلك، فإن هذه المدارس تعتبر نهج حياة ليس في القتال انما بكل شيء، فالالتحاق بهذه المدارس يبدا بسنوات مبكرة ويستمر لسنوات عدة، وذلك كي يصل المقاتل الى رتبة محترف ويخوض النزالات، اذ ان رتبة المقاتل يدل عليها الحزام الذي يرتديه.

هناك العديد من انواع القتال التي تتبع نوعيات اخرى من القتال موجودة بالصين، وتتبع ايضا لمناطق مختلفة. فأحيانا نرى محاربين او مقاتلين مع ادوات بأيديهم حادة او غير حادة يهاجمون ويدافعون عن انفسهم. القصة تبدا عندما حاصر احد الملوك منطقة مأهولة بالفلاحين العزل والذين لا يملكون اسلحة دفاعية فاضطر هؤلاء الفلاحون أن يحولوا الادوات الزراعية لأسلحة هجومية ليدافعوا عن انفسهم. فمعظم الاسلحة التي نراها هي عبارة عن ادوات زراعية طورت لتصبح ادوات هجومية. مدارس الكونغ فو متنوعة وكثيرة تحتاج مجلدات لشرحها بالتفصيل. لأن هنالك الكثير من الاشخاص والمدربين الذي قاموا بإحياء هذه الرياضة وتصديرها الى جميع انحاء العالم. وللإنصاف يجب علي علينا ان نذهب الى المكتبات ونقرأ عن 35 شخصية اساسية طورت رياضة الكونغ فو.

ما يثير اهتمامي في السينما الصينية هو قربها الدائم للأسطورة المتوارثة من خلال القصص ومن خلال الموروث المكتوب وغير المكتوب، وكأنها قصص تسردها لك جدتك وتتحول الى فيلم رائع. هنا لن احكم اذا كانت السينما الصينية في حالة تقوقع او بحالة من المحافظة على العادات والتقاليد. فنحن نرى في الافلام الصينية القديمة والحديثة وجود دائم للتنين الوهمي والرقص معه من خلال مسيرات في اعيادهم. ونرى ان الابطال يطيرون في السماء ويقضون على الالاف. ونفس هذا البطل الطائر يستطيع بجرة سيف ان يقتل عشرات من الاعداء، او يستعمل قوة العقل وبدون سلاح ومن بعيد ان يهزم 20 مقاتلا من الاعداء دفعة واحدة. اما المرأة الصينية فتأتي دائما تحضن البطل في نهاية كل معركة باكية مؤدبة ولا تقول غير كلمة احبك.

اما من نظرة سينمائية بسيطة، فالبطل الصيني يأتينا مع حمل قبل بداية الفيلم اذ انه خلافا لقسم بارز من افلامنا العربية، حيث يبدأ غالبا من درجات اجتماعية متدنية، يكون عادة فقيرا يعمل عند أحد الاغنياء ومن ثم يتطور الى ان يصبح قويا او شيئا ما في هذا العالم. اما في الافلام الصينية فنرى أن البطل عادة يكون بملابس بسيطة على راسه قبعة والكاميرا تظهر لنا وجهه ومن ثم يرفع القبعة لنرى اعينه. عادة يلتقي بمجموعة من الاشرار الذين يستعرضون قواتهم امامة مانعين اياه من دخول حي او منطقة ما، وفجأة نرى البطل البسيط يطرح ارضا العشرات منهم لنكتشف لاحقا انه واحد من الابطال الذين تعلموا الكونغ فو. وبصراحة لم اقتنع بمدى هذه القوة الخارقة التي يمتلكها مقاتلو الكونغ فو والتي نشاهدها بالأفلام الصينية فذهبت للناشيونال جيوغرافيك والتي بدورها عملت مقارنة داخل الاستديوهات لعدة فنون قتالية، منها الغربية والاسيوية، مثل ضربة الملاكم مقابل مقاتل الكونغ فو، او مع مصارعين من المصارعة الحرة وغيرها من انواع القتال. النتائج كانت مذهلة جدا فالنتائج في قوة التركيز وخفة الحركة وسرعتها رجحت كفة الكونغ فو مقابل القوة المباشرة التي حسمت لصالح الملاكمين والمصارعين. ولكن دائما يجب علينا ان ننظر الى من يحسم النزال في الحلبة فنرى ان التدريبات الشاقة التي يقوم بها مقاتلو الكونغ فو على مدار سنوات انتجت مقاتلين مع انهم اصغر حجما من الملاكمين، من الصعب هزيمتهم لان قوة تركيزهم وارادتهم والسرعة بالضرب والسرعة في تفادي ضربات العدو مكّنتهم من ارهاق من امامهم مهما كان والفوز بالمبارزة. واليوم نرى نزلات بين مقاتلي مصارعة الحرة وبين مصراع الكونغ فو ونرى الفرق الشاسع بينهم. الامريكي والاوروبي يسقط عادة امامهم لان الغرب يبني عضلات خارجية قوية نوعا ما ولكن الصينيين يبنون قوة نفسية عميقة تبدأ بنظرات وفي اعماق النفس وفي المخ والتفكير بالأساس.

ختامًا، لتبسيط الموضوع، انصح بمشاهدة افلام جيت لي او الايب مان. وهما ممثلان رائعان، لانهما ينتميان لبلدهما بشكل يليق بهذا البلد العريق، افلامهما توصل فكرة عميقة وغير تجارية وحقيقية عن كيفية تعليم الكونغ فو، مقارنة بذلك فان اغلب الافلام الصينية تأتي عبر الممثل جاكي شان والتي عرفتنا بثقافة الصين وبيعها للغرب بحيث ان افلام جاكي شان لم تُظهر الشعب الصيني بشكل لائق، فهي افلام تجارية رخيصة هدفها البيع وليس المعرفة. عند مشاهدتي أحد اللقاءات لجاكي شان لم يتحدث سوى عن العلامات التجارية والمطاعم والماركات التي يلبسها. اما جيت لي والايب مان فهما ممثلان رائعان لديهما لياقة بدنية رائعة وطرح ممتاز ويظهران صدقهما من خلال افلام لا تقل روعة عن شخصياتهم.

لا يمكن ان ننصف الصين من خلال مقالة بسيطة ولا حتى الكونغ فو والفنون القتالية لهذا الشعب العريق ولكن انصح بمشاهدة فيلم House of Flying Daggers "رقص السكاكين" اذ ان هذا الفيلم يربط الماضي والحاضر بالسينما الصينية ونستطيع ان نتعلم منه الكثير عن الحضارة الصينية التقنيات التي وصل اليها هذا الشعب العظيم.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب