من منا لا يحلم بقيام الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة اسرائيل؟! من منا لا يحلم بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم والبغيض للضفة والقطاع؟! من منا لا يحلم بالسلام بين اليهود والعرب وبين إسرائيل والفلسطينيين؟! من منا لا يحلم بحلول السلام في الشرق الأوسط خاصة وفي العالم عامة؟! من منا لا يتمنى أن يتذوّت السلام في كل نفس وأن تسود "ثقافة السلام" عند الناس أجمع. السلام في هذه الأيام أمنية كل إنسان عاقل وهو الهدف الأسمى عنده. وهو الحلم الذي يسعى إلى تحقيقه، لأنه حلم سامٍ يبعث الطمأنينة وراحة النفس عند كل شخص على وجه الكرة الأرضية. انه الحلم الذي يراود كل فرد محب للناس ومحب لشعوب العالم قاطبةً. لقد دلّلت جميع الأديان السماوية على أهمية السلام وكثرت الآيات القرآنية التي تتكلم عنه، مثال ذلك الآية الكريمة "وان جنحوا للسّلم فاجنح لها" والآية: "ونادوا أهل الجنة ان سلامٌ عليكم" والآية: "يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم" والآية: "سلام قولًا من ربٍّ رحيم". هكذا ورد موضوع السلام في الحديث النبوي الشريف وفي الكتب المقدسة الأخرى. كثيرون هم الذين يداعبهم الحلم الفلسطيني، وكثيرون هم الذين يحلمون ليل نهار بإقامة الدولة الفلسطينية، وكثيرون هم الذين يتمنون أن تقوم هذه الدولة وهم لا يزالون على قيد الحياة وقبل ان يداهمهم الموت ويذهبون من الدنيا وفي نفسهم غصّة وحسرة ولَوعة لأن دولة فلسطين لم تقم بعد. لقد تحول هذا الحلم إلى كابوس يلازم الناس كل يوم وكل ساعة. لقد ارتبط هذا الحلم عند كاتب هذه السطور بعيد ميلاده السنوي الذي يحل في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني. لقد اكتشفت قبل مدة مصادفة جعلتني أعيش هذا الحلم مرة تلو مرة وسنة بعد سنة، ذلك أن هذا التاريخ ارتبط بتاريخ إعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر يوم 1988/11/15 حين أعلن السيد ياسر عرفات من على منصّة اجتمع يومها فيها جميع أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية حيث كتب وقرأ محمود درويش وثيقة الاستقلال وعلى مسمع من المجتمعين ومسمعٍ من العالم. لقد سعدت بهذه المصادفة التي وافت تاريخ ميلادي وصارت ترتبط في ذهني كل سنة عند احتفالي. وصرت أتمنى ان يأتي العيد القادم والدولة الفلسطينية قد قامت. صرت احلم بذلك دائمًا. لكن هذا الواقع المؤلم كان يحل دون أن يتحقق هذا الحلم. لقد وصلت بسبب ذلك الى درجة كبيرة من اليأس والإحباط وسلّمت بالأمر بأن قيام الدولة سيبقى في عداد الحلم الذي لن يتحقق في حياتي. وهذا الأمر دعاني قبل ثلاث سنوات الى كتابة قصيدة تحت هذا العنوان: "حلم" فكانت حولية 2016 قصيدةٌ عبّرت فيها عن هذا الواقع. لقد ضمّنتُ هذه القصيدة في ديواني الشعري الذي صدر لي قبل سنة بطبعته الثانية تحت عنوان "أنا والعمر سائران صحابا" وقد وضعتها في "باب الحوليات" حيث كنت اكتب كل حول (سنة) قصيدة بمناسبة تاريخ ميلادي اقرأها للعائلة. يجدر بالذكر ان اختيار هذا الاسم "حولية" جاء بإيحاءٍ من الحوليات التي كان يكتبها الشاعر "زهير ابن ابي سلمى" حيث كان يكتب قصيدة كل "حول" وقد أطلق فيما بعد على هذه القصائد اسم "الحوليات". وعودة إلى الحلم الفلسطيني وقصيدة "حلم" (حولية 2016) فهذه القصيدة جاءت طويلة وتألفت من (60) بيتًا من الشعر عبرت فيها عن مشاعري تجاه هذا الواقع المر الذي أعيشه كل سنة. تخيلت في بداية القصيدة ان الحلم قد تحقق بمجرد الإعلان عنه في الجزائر وان الدولة ستقوم قريبًا، فوصفت هذه الدولة ثم صحوت من غفوتي وسلمت بالأمر الواقع وتيقّنتُ انني سأدفن في المقابر قبل قيامها. واستعرضت بعدها الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون تحت الاحتلال مشيرا الى "أطفال الحجارة" وإلى تعنّت إسرائيل في استمرار احتلالها وتمسكها بالضفة والقطاع واستمرارها ببناء المستوطنات التي يبلغ عدد سكانها اليوم ما يقارب النصف مليون مستوطن. وأكدت فيها ان وجهة إسرائيل بقيادتها الحالية وسيطرة اليمين المتطرف ليست نحو السلام. ولكن إيماني بالشرعية الدولية جعلني آمل ان تقوم هذه الدولة إن عاجلًا او آجلًا وحينها سأقوم من القبر واعيش عمرًا جديدًا وأشارك باحتفالات قيام الدولة وبرفع العلم الفلسطيني مرفرفًا على قبة الصخرة ومسجد الأقصى. فيما يلي بعض المقاطع من هذه القصيدة، قلت في بدايتها: عيد ميلادي وافَى يوم اعلان الجزائر لفلسطينَ كيان مستقل غير قاصر دولة في الشرق تعلو رغم انف كل قاصر شعبها شعبٌ قويٌّ كاسرٌ للقيدِ قاهر فيه أطفال الحجارة يا لهُ ناهٍ وآمر ثم قلت مناديًا: يا فلَسطين تعالَيْ قبل عمري ان يغادر قبل ان اُدفنَ في التّرب وأعماق المقابر ثم قلت مشيرا إلى الظلم الواقع على الفلسطينيين تحت الاحتلال: لكن الواقع مرٌّ ما به شيء مُؤكد فيه أطماع كيانٍ وشعوبُ العُرْبِ رُقّد لا سلام لا حلول في سما الشرق المعقّد ثم قلت متمنّيًا ان يتحقق الحلم: هل تُرى أحظى بيومٍ وغدٍ حُلوٍ مُمجّد تُبعثُ الرّوحُ من القبر حياةً تتجدّد فأعيش العمرَ عمرين طليقًا لا مُقيّد ثم قلت في آخر القصيدة بعد أن سمعت أن الدولة قد قامت: قُمْتُ من قَبرِيَ حيًّا لأرى فجرًا مؤكّد وكيانًا ووجودًا ومنى نفسٍ مجسّد وسلامًا وغناءً ونشيدًا يتردد لفلسطينَ اُغنّي لسنا قُدْسِكِ أُنشِد لفلسطينَ عروسًا حرّةً في الشرق تَصْعد