news-details

عتيدنا ليست جمعية "أسرلة" أخرى باسم الـ"تعايش" بل حركة صهيونية يمينية| حسن مصاروة

ليست أموال قليلة ابدًا تلك التي تصرف، هذا واضح من كمية الاعلانات الممولة على الفيسبوك والشبكة وعلى لافتات الشوارع والتوسع السريع نسبيًا لفترة الانطلاق بشكل مريب على الارض في عدة بلدان عربية للحركة التي تسمى "جمعية عتيدنا". وهي حركة مسجلة كجمعية تهدف لـ"تعزيز اندماج العرب في اسرائيل في المجتمع الاسرائيلي وفي الدولة والمؤسسات الاسرائيلية كمواطنين يعترفون بدولة إسرائيل بأنها دولة يهودية وديمقراطية" كما تُعرف نفسها.

وهي تنشط في عدة بلدات عربية مثل طمرة، شعب، شفاعمرو، الطيبة، كفر مندا، عرعرة النقب، نحف، ترشيحا، دير الأسد. وكتب عنها عدة تقارير ومنشورات كشفت عن بعض جوانب مشروع "الأسرلة" القابع ورائها وارتباطتها العميقة بمشاريع الخدمة المدنية والخدمة العسكرية والكشف عن الخلفيات المشبوهة لمؤسسيها اليهود وخلفيتهم الأيدلوجية والعسكرية، وبعض مؤسسيها العرب وتاريخهم في تشجيع الخدمة المدنية وخاصة في تقرير الصحفي عمر دلاشة الذي نُشر في شهر تموز في موقع "عرب 48"، وما تلاه من بيان اصدرته لجنة المتابعة تدين فيه محاولات الجمعية التغلغل في أوساط الشبان العرب، "تحت لافتات براقة تسعى من خلالها إلى تذويبهم في مشروع الأسرلة الصهيوني، الذي جاء ليكرّس مفهوم الدولة اليهودية، تحقيقًا لقانون القومية" ودعت السلطات المحلية العربية لعدم التعامل مع جمعية "عتيدنا" وغلق كافة الأبواب أمامها.

لست بصدد كشف المكشوف اصلاً والواضح للجميع في عمل استقصائي آخر وراء خلفيات مؤسسي الجمعية وارتباطات الجمعية بجهات صهيونية، بل ربما اضافة بعض المعلومات القليلة او ربط المعلومات السابقة بسياق اوسع اضافي لم يكن واضحًا بشكل كاف حينما نشر دلاشة التقرير في شهر تموز. لكن هدفي الاساسي هو توضيح أن جمعية عتيدنا ليست مجرد جمعية أخرى تسعى للـ"اسرلة" والاندماج وتدجين الجماهير العربية والشباب العرب بالتحديد تحت مسميات "التعايش" والتقدم في سوق العمل والتطور مستوى التعليم تلك التي نمت مثل الفطر على ساحتنا منذ اكتوبر 2000، وليست هي مبادرة حكومية أخرى عبر القطاعات الشبابية والثقافية في سعي حكومي متكرر نحو التدجين بأشكال مختلفة. بل هي بجوهرها وماهيتها ورؤيتها وتصور مؤسسييها وفي صلب مشروعها واهدافها وفي سياقها الذي تنمو من خلاله ونشأت في صلبه، مشروع وحركة صهيونية يمينية.

واريد أن أوضح حقيقة ذلك والخطورة التي تنطوي عليه، وأن ابينه من خلال طبيعة الجمعية ومؤسسيها وتوجهات مدرائها ومن ثم من خلال اللغة الايديولوجية، والايديولوجيا خلف اللغة التي تعبر عنها في تعريفها لنفسها، تلك التي تلفظها وتلك التي تُغيبها، ونقاش سياق التطور الاقتصادي الاجتماعي والسياسي على ساحة الجماهير العربية الذي تفعل من خلاله هذه المؤسسة وتعول عليه في توسعها ومحاولة هيمنتها على قطاع من جيل الشباب وفي المقابل التطور في داخل معسكر اليمين الحاكم ومحاولة صياغته لمشروع توجه جديد نحو المواطنين العرب وكيف يتمثل ذلك في برنامج ومشروع جمعية عتيدنا الصهيونية اليمينة بالتحديد.

 كما هو واضح وغير مخفي في تعريفه على موقع الجمعية، عميت ديري، أحد المؤسسين والمدير المشارك الى جانب العربية داليا فضيلي، هو مدير عام منظمة "جنود احتياط على الجبهة" التي تضع كهدف اساسي لها، مناهضة حركة المقاطعة العالمية ضد اسرائيل وضد جرائم الاحتلال من خلال الدفاع عن جرائم جيش الاحتلال حول العالم وتبييض صورة الاحتلال في الجامعات الغربية والمحافل الدولية. ولديها نشاط خاص ايضا في صفوف المواطنين العرب في اسرائيل يتمركز وفق اعلان المنظمة على "إعداد مجموعات عربية للاندماج ضمن فرق للدفاع عن دولة إسرائيل أمام حركة مقاطعة إسرائيل BDS، وتشجيع الخدمة العسكرية بين الشباب العرب عبر نشر ومشاركة قصصهم". وبرز ديري مع رفيقه في تأسيس الجمعية عميحاي شيكلي في محاربة منظمة "نكسر الصمت" المكونة من جنود اسرائيليين في جيش الاحتلال يكشفون "انتهاكات" وجرائم الجيش للمجتمع الاسرائيلي، بل والتحريض عليها من كل منبر ومطالبة منعها من الدخول الى المدارس والجامعات ومواجهتا بكل الطرق. كما أن عميحاي شيكلي المؤسس الذي لا يرد اسمه في قائمة الطاقم هو عضو مجلس منظمة "إم ترتسو" اليمينية الفاشية. اما المؤسس الثالث ايريز ايشيل والذي يرد اسمه في موقع الجمعية على انه عضو ادارة، والذي تقلّد منصب مدير إدارة المجتمع والشباب في وزارة والتعليم سابقًا، كان قد ارتبط اسمه مع شريكيه المذكورين بتأسيس الكلية لتحضير المجندين لجيش الاحتلال "تبور". وكان من مؤسسي جمعية "هشومير هحداش" التي تعنى بـ"المحافظة على ارض اسرائيل" بواسطة دعم "المزارعين وقوات تطبيق القانون" إلى جانب ربط المواطنين والشباب بـ"أرض اسرائيل" من منطلق "حب الوطن والهوية الصهيونية" ومحاربة ما تسميه "استيلاء المجرمين"-العرب طبعًا- على أراضي زراعية اسرائيلية، في داخل الحدود وفي المستوطنات، وكذلك مواجهة ما تطلق عليه "الارهاب الزراعي" من قبل الفلسطينيين. ماذا تريد اذاً هذه التركيبة من خريجي جيش الاحتلال ذوي التوجهات والمناشئ والنشاطات الصهيونية اليمينية الواضحة المرتبطة بحركات فاشية واستيطانية من الشباب العرب ؟

اما بالنسبة للمؤسسين والمدراء العرب للجمعية، فالى جانب المديرة العامة المشاركة داليا فضيلي، التي صرحت في مقابلة سابقة لها في عام 2016 مع مجلة "ذا ماركر" انها تسعى الى بناء جيل عربي "بوست نكبة" أي جيل ما بعد النكبة، لا بمعنى نفض غبار النكبة ونفسية الهزيمة والخوف والانتقال الى المواجهة مع المؤسسة وتحدي منطقها وبنيتها التي صنعت النكبة وصنعتها وكونتها النكبة بالمقابل في بنية مرسخة في صلب تكون المؤسسة الصهيونية الحاكمة في الدولة وتكوّن بنيتها التشريعية والقانونية والمؤسساتية والايدلوجية في التعامل مع بقاء ووجود العرب في اسرائيل على أنهم الخطأ الأكبر المتمثل في أنه لم يكتمل تهجيرهم خلال النكبة، بل، كما يتوضح ايضًا من خلال نشاطها في جمعية "عتيدنا"، تريد "بوست نكبة" بمعنى نسيان النكبة كحدث مؤسس جامع يربط العرب في اسرائيل في مأساة مشتركة مع الشعب الفلسطيني، وبمعنى هدم الجدران السيكلوجية الجمعية الفاصلة بين العرب في اسرائيل وبين "الاندماج" في الدولة التي ترفض هي ذاتها في بنيتها المؤسسة "اندماجهم" الا بمعنى استسلامهم وخضوعهم وخنوعهم وتدجينهم وتقبلهم للفتات التي ترميها عليهم الدولة، دون حتى منحهم امكانية اي شكل من اشكال المواطنة المتساوية، هي هي مشكلة بنية دولة العلوية العرقية اليهودية وأزمتها التي تخلق أزمتنا لا مشكلة و"ذنب" "العرب العالقين في الماضي وفي عقلية النكبة" كما تحاول أن تصور فضيلي.

 كذلك يشغل منصب أمين عام شبيبة "عتيدنا" محمد ابو الهيجا خريج الشبيبة العاملة والمتعلمة والناشط في ترويج الخدمة المدنية في المجتمع العربي، وعضو طاقم الادارة الآخر هو طوني نصر مؤسس ومدير القسم العربي بحركة الشبيبة العاملة والمتعلّمة منذ 1983 في المجتمع العربي. وله تاريخ في "تطوير نشاطات تطوعية لشباب عرب في إطار الخدمة المدنية" كما يذكر موقع الجمعية. وعضو ثالث في الجمعية هو المحامي أيمن ابو ريا الذي روج سابقًا لضرورة دخول الاحزاب العربية الى ائتلاف حكومي حتى مع اليمين، ولا يخفي طموحاته السياسية في تأسيس حزب جديد يترشح للكنيست لتطبيق هذا التوجه ربما، ويهاجم القيادات العربية التي تحمل الى جانب الهم اليومي للجماهير العربية هموم شعبها الفلسطيني وقضيته الوطنية على أنهم "قراصنة النكبة"، ينشغلون عن القضايا اليومية للمجتمع العربي باسم الـ"شعارات البراقة"، في ترويج لفرية اليمين ضد القيادات العربية ويروج للتطبيع مع االامارات ويرحب به، وهو مهاجم مزمن لما يسميه "اليسار الاسرائيلي"، لا من منطلقات وطنية، بل كما يتضح للترويج للتحالف مع اليمين الاسرائيلي الفاشي والاستيطاني كما يفعل الآن في جمعية عتيدنا مع "جنود احتياط على الجبهة".

وكما أن المساواة والاندماج الذي تروج له هذه الجمعية هي مساواة "الراكب والمركوب" فكذلك هي الشراكة في داخلها. فتلك الحركة التي تصور نفسها على انها يهودية-عربية لا تفعل ولا تنشط الا في داخل المجتمع العربي ولا يوجد لها أي فرع في المجتمع اليهودي، وهذه الحركة التي تدعي انها تريد "بناء قيادة عربيّة-يهوديّة شجاعة" لا تتوجه في مشروعها لبناء القيادات الجديدة هذه الا الى المجتمع العربي والشباب العرب، اي انها تعمل حصرًا لبناء "قيادة عربية" فقط بواسطة أجندات مؤسسين يهود من المعسكر الصهيوني اليميني، مما يجعل المدراء العرب للجمعية وكلاء لأجندات هؤلاء فقط، لا يُسمح لهم هم في اطار هذه "الشراكة"، بالتأثير على المجتمع اليهودي في اسرائيل بل يقتصر دورهم على فتح الباب لمؤسسي الكليات التحضيرية للانضمام الى جيش الاحتلال لبناء "ٌقيادة عربية جديدة" على "ذوقهم" ووفق تصوراتهم الصهيونية اليمينية.
 

في تعريفها الرسمي لنفسها تقول الجمعية أن هدفها الاساسي "هو دمج العرب في المجتمع الاسرائيلي" وهذا الدمج الذي لم يحصل الى الآن لا بسبب "شح المخططات والتوجهات لتحقيق هذا الهدف" بل بسبب عدم وجود حركة تتوجه بـ"شجاعة" الى المجتمع الاسرائيلي. وأن مؤسسي الجمعية من العرب مواطني اسرائيل يعتقدون أن هذا الاندماج يبدأ فقط في اللحظة "التي يرى فيها الجمهور العربي في اسرائيل نفسه كشريك متساوي الحقوق في دولية يهودية-ديمقراطية"، فحتى اللحظة المشكلة ليست في الدولة التي تقصي مواطنيها العرب في تعريفها وتشريعها وممارستها بل في ذلك الجمهور الذي لم يبادر هو لأن يرى نفسه شريكًا متساويًا. وكيف بالضبط تتحقق هذه المبادرة من قبل العرب؟ بأن "نقبل ونعزز مواطنتنا في إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية" وان "هذا التقبل كفيل بان يخفض جدران العداء والخوف لدى المجتمع اليهودي تجاهنا ويشق الطريق نحو شراكة حقيقية". اذا العائق الوحيد الذي منعنا من أن نكون "متساوين" في الدولة هو عدم تقبلنا واعترافنا وتسليمنا باسرائيل كـ"دولة يهودية-ديمقراطية"، بمنطق مقلوب يقول أنه فقط بتلسيمنا المُطلق بتعريف للدولة يقصينا في جوهره من المواطنة، قائم على دونيتنا وعلى العلوية الاثتية اليهودية في استسلام لمنطق ومشروع وأهداف قانون القومية العنصري، فقط بذلك يمكننا أن نحقق "المساواة" و"الشراكة"، وهي وفق هذا المنطق قبول مساواة سقفها المواطنة لا المنقوصة فقط بل المسلوبة والمحاصرة والمهددة والمفرغة من مضمونها السياسي.

مخطط العمل لتحقيق هذه المساواة في بنده الأول وفق تعريف الجمعية هو خلق "توجه فعال" لدى العرب في اسرائيل لأن "ما ينقص مواطني إسرائيل العرب هو توجه فعّال وناجع للوصول إلى مراكز التأثير واتخاذ القرارات في المجتمع المدني وفي القطاع العام." وفق ما يقول اعلان الجمعية، اذا الدولة لا تقصي العرب من مراكز التأثير والقرار بل هم من يقصون أنفسهم ويحملون الذنب الأكبر لأنهم لم يجدوا حتى الآن هذا "التوجه الفعال" للدولة وللمجتمع الاسرائيلي، حتى جاءت جمعية عتيدنا بقيادتها اليمينية الصهوينية ووكلائها العرب لتصوغ لهم هذا التوجه الذي يتمثل بالاعتراف بيهودية الدولة والانفصال عن الانتماء الهوياتي والسياسي للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية والتخلي عن كل الحقوق القومية باسم الحقوق "المدنية" التي يتكرر ذكرها في منشورات الجمعية دون الأولى، والتخلي عن مطالب المساواة القومية والمواطنة الكاملة بالمعنى الحقيقي مقابل التطور والاندماج الـ"الاقتصادي"، هو هو الاستسلام والخضوع لمنطق قانون القومية والعلوية الاثنية اليهودية التي يرسخها.
 

اما "الشركاء" اليهود في هذا المشروع، وهم المؤسسون والقادة وواضعو الأجندات الحقيقين للحركة، فيعبرون باسمهم وبصفتهم ينتمون الى "المعسكر القومي الصهويني" كما كتب في موقع الجمعية بالحرف، أي معسكر اليمين الفاشي والاستيطاني من الليكود والبيت اليهودي والصهيونية الدينية ومجرمي الاستيطان، عن "ترحيبهم ودعمهم لهذه المبادرة الشجاعة" من وكلائهم العرب، بالاستسلام لمنطق علويتهم الاثنية اليهودية بالطبع. ويعترفون "نحن ندرك حقيقة أن هناك عددًا غير قليل في المعسكر القومي الصهويني يرفضون رؤية العرب في إسرائيل كمواطنين متساوين، لذلك تعهدنا بإيجاد طريق في المعسكر القومي الصهيوني والعمل من أجل الشراكة والاندماج." طبعًا هم أنفسهم يرفضون رؤية العرب في اسرائيل "كمواطنين متساويين" بل كمواطنين مخضعين، انما يشيرون هنا الى رفاقهم وشركائهم في المعكسر القومي الصهيوني، معسكر اليمين، الذي يرفضون حتى شراكة الاخضاع والاستسلام، بل يروجون للتهجير والترانسفير من كهانيين وفاشست معلَنين بدون خجل. ولكن طبعًا هذا خلاف بسيط بين رفاق المعسكر الواحد يمكن حله حينما يُعلن العرب الخضوع والخنوع الكامل وتقبل منطق العلوية اليهودية والانفصال عن قضية الشعب الفلسطيني حتى يتسنى لليمين الاخضاعي "ايجاد طريق في المعسكر القومي الصهيوني" واقناع اليمين الترانسفيري بعدم خطورة العرب، وعدم تهديدهم لبنية العلوية الاثنية وتخليهم عن النضال ضد الاحتلال وتحدي منظومة الهيمنة الكولونيالية على الشعب الفلسطيني وامكانية ترويضهم والاستفادة من وجودهم اقتصاديًا ربما والترويج لـ"ديمقراطية الدولة" أمام دعوات المقاطعة الدولية.

يأتي نشاط هذه الحركة ومشروعها ضمن مشروع أكبر لليمين الحاكم فيما يخص الجماهير العربية في إسرائيل، فاسرائيل بقيادة نتنياهو واليمين الفاشي التي لا تريد أن تدفع ثمنًا "للسلام" بالعملة الفلسطينية الصعبة، لا تفكيك مستوطنة واحدة ولا اخراج جندي واحد من الأراضي المُحتلة ولا عودة لاجئ واحد، فهي وفق ما تروج قيادتها اليوم ليست بحاجة لأيّ من هذا من أجل تحقيق "السلام" وتطبيع وجودها في العالم العربي. فها هي أنظمة بعض الدول العربية تتسابق في السر والعلن نحو التطبيع مع إسرائيل، فحل القضية الفلسطينية بالنسبة لهذه الأنظمة لم يعد مطلبًا مسبقًا للسلام مع إسرائيل، والاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية ليس شرطًا بعد اليوم للتطبيع مع إسرائيل فهذا عصر "السلام الاقتصادي". وآخر تجليات ذلك هو الاتفاق التطبيعي المعلن مع الامارات والبحرين-وهو الاتفاق الذي احتفت ورحبت به جمعية عتيدنا على صفحتها. وذات العقلية التي تسعى لمقايضة الحقوق الجماعية بحقوق "فردية" جوفاء ورخاء اقتصادي مُعين، عقلية السلام الاقتصادي تحكم علاقة اليمين الإسرائيلي ومخططاته فيما يتعلق بالمواطنين العرب الفلسطينيون في إسرائيل. ويأتي ذلك في ظل تحولات اقتصادية واجتماعية في ظل سياسة نيو-ليبرالية في إسرائيل، وتحولات سياسية إقليمية ألقت بظلها الثقيل على هذه الجماهير العربية ووعيها الجمعي:

انسحاب جارف عن التعاطي في الشأن السياسي والشأن العام نحو التعاطي مع الهم الفردي واليومي. رواج ايدلوجيا إيجاد الحلول الفردية للمشاكل الجماعية. التفتيش عن سُبل الهروب الشخصي من الآفات المجتمعية -التي تفرزها سياسية موجهة نحو مجموعة قومية بأكملها لا نحو أفراد-. الانسحاب من مفهوم الجماعة والمجتمع الى مفهوم الانا والذاتية. طبقة مسحوقة تنشغل بالسعي المضني وراء لقمة العيش في ظل ظروف اقتصادية تفرضها سياسة الاضطهاد القومي والطبقي، والبحث الفردي عن الأمن الشخصي في ظل تفشي آفة العُنف والقتل والجريمة المنظمة التي تنهش في جسد المجتمع العربي، واليأس من حلها في ظل التجاهل المؤسساتي السافر. وطبقات أخرى ينهشها التنافس الفردي على مراكمة المال والمكانة والتأثير في ظل غياب المكانة الجماعية في دولة تعتبرك مواطنًا من درجة دنيا. وليتحول مجتمعنا بهذا الى مجتمع يُقدس الامتياز والتفوق الفردي على المستوى الاكاديمي والوظيفي ومراكمة الأموال بكل الطرق. مجتمع كامل يتغذى على الإنجازات الفردية في ظل غياب للمنجزات الجماعية، السياسية والاجتماعية، فيهلل لعربي وصل لمنصب مدير بنك او مدير مستشفى او مكانة اكاديمية عالية، ويحوّل إنجازه الفردي الى مكسب جماعي في ظل ايدلوجيا ترسخ مفهوم التميز الفردي كحل وحيد لواقع عدم المساواة الاجتماعية والاضطهاد القومي.
 

في مثل هذا الواقع بالذات تستطيع حركة "عتيدنا" أن تنمو وتتوسع باسم اعطاء مخارج فردية للشباب العرب ودمجهم في سوق العمل وتوزيع منح جامعية تحل ضائقات مالية ووعود بمستقبل ناجح في السوق الإسرائيلية، ومهارب فردية لمشاكل جماعية لا تُقدمها فقط بل تُأدلج لها وترسح منطقها ووعود فارغة بمساواة اقتصادية، تتماشى مع خطة اليمين الحاكم الذي من جانبه فإن دولة اسرائيل هي دولة الشعب اليهودي و"دولته فقط" كما أعلن نتنياهو، اما للمواطنين العرب فتقدم الحكومة استثمارات حكومية او بواسطة جمعيات خيرية لتعزز الإنتاجية لديهم، وتغطي على جزء من الفجوات في البنى التحتية، أي تطوير بواسطة السوق بدلًا من تطوير بمبادرة الدولة. وهو بالذات ما تطرحه حركة عتيدنا على العرب، التسليم بمقولة اليمين الفاشي الحاكم والمؤسسة الصهيونية بشكل أعم بأن الدولة هي دولة الشعب اليهودي ودولته فقط كطريق وحيدة للحصول على التطوير الاقتصادي بواسطة السوق. مثلما تصور ذلك الباحثة الاسرائيلية في علم الاجتماع عماليا ساعر،"حيث تستمر حكومة اليمين بإقصاء العرب في كل ما يتعلق بالانتماء والهوية والمشاركة السياسية، وتستمر بإهمال أمنهم الاجتماعي والجسدي تحت وطأة آفة العنف المهمَلة وتفتح الأبواب للتحريض ضدهم. لكن في المقابل توفر لهم مسارًا بديلًا ليصلحوا أوضاعهم بأنفسهم". وهذا "المسار البديل" توفره وتأدلج له حركات وجمعيات مثل عتيدنا، أو بلغة الجمعية نفسها بواسطة صياغة "توجه فعال" من قبل العرب في اسرائيل لتحصيل حقوقهم الاقتصادية المدنية مقابل التخلي عن حقوقهم القومية.

خطر جمعية عتيدنا ومثيلاتها التي قد تتكاثر في الفترة القادمة وربما تجد لها ظهيرا بحزب او تيار سياسي جديد هو خطر حقيقي وداهم، في ظل الظروف الاقتصادية الاجتماعية والتطورات الاقليمية وعلى مستوى القضية الفلسطينية وأثرها على ساحة الجماهير العربية فقد تجد لها ارضية خصبة بين الشباب العرب، ويبدو أنها توفر لذلك كمية مهولة من التمويل. وهذا يستدعي ردًا حقيقيًا ومباشرًا ومنظمًا وحراكيًا عى الأرض من الأحزاب السياسية والحراكات الشبابية واللجان الشعبية والمؤسسات الجامعة على ساحتنا يتعدى اصدار البيانات وخلق استراتيجية شاملة تعيد بناء الاطر الشبابية التطوعية والمبادرات السياسية الموجهة وتعيد الحياة للحراك الشبابي الحزبي، ليستطيع أن يحتوي هموم وتحديات هذا الجيل الذي يراد له أن يكون جيل "بوست نكبة" بالمعنى الصهيوني. لنستطيع أن نواجه المرحلة الخطيرة القادمة على ساحتنا السياسية اذ تعتبر حركة عتيدنا اليمينية الصهوينية مجرد أول "بشائرها".

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب