مقدّمة
الملف الذي يحمل عنوان "علاقات إسرائيل جنوب أفريقيا – يوميات" في أرشيف الدولة الإسرائيلي الرسمي (1) ويتناول العامين 1961 و 1962، يتألف من 224 صفحة. وهو يضم رسائل مختلفة والكثير من القطع الصحفية، لكنه يضم أيضًا ملفّات فارغة وصفحات كتب عليها بخط كبير: "سرّي". الفحص الأخير الذي أجريته في أواسط تشرين الثاني/نوفمبر، أظهر أنها ما زالت "سريّة"، على الرغم من مرور نحو 60 عامًا على تأليفها، مما يدلّ على "حساسيّتها" (2).
مسألة تغييب صفحات تاريخية من العلاقات بين الدولتين حين كانت الدولة الأفريقيّة الجنوبية تحت حكم الأبرتهايد، أشغلت دارسين كثرًا. ويجد من يبحث عن أدبيات سياسية حول هذه المسألة عناوين كتب ومقالات تتراوح ما بين الأكاديمية والبحثية والصحفية، تنشغل بجانب السرية التي لفّت الأمر.
هذه الرواية الرسمية تتأسّس على مجموعة من الفرضيات أو الادعاءات، التي أثبت الواقع السياسي أنها هشّة إن لم تكن زائفة. ويشير عدد من الباحثين وحتى الدبلوماسيين الإسرائيليين السابقين، الى أن معيار قوة العلاقة التي أرادتها إسرائيل مع جنوب أفريقيا تحت حكم الأبرتهايد، لم يكن الموقف القيمي والأخلاقي الرافض للتمييز العنصري، بل حسابات المنفعة الباردة في حلبة السياسات الدولية وصراعاتها، ومنافعها الاقتصادية (والدبلوماسية) ذات الصلة. وهم يدّعون، مثلما سيورَد هذا بالتفصيل لاحقًا، أن الدليل على ذلك هو مسارعة إسرائيل الى تعزيز العلاقات بدرجات سريعة وصلت حتى "ذُرى نوويّة"، حين لم تعد علاقاتها مع دول أفريقيّة كثيرة ممكنة الاستمرار ولا مجدية نفعيًا، بل أن هذا التحوّل في العلاقات جاء تحديدًا حين اشتدّت عدوانية ووحشيّة نظام الأبرتهايد في جنوب افريقيا، وحين ازداد نفور واشمئزاز الغالبية الساحقة من دول العالم منه، وفرض عليه عقوبات وصلت حد المقاطعة.
// 1948 - "الحزب القومي" في جنوب أفريقيا: "وحدة مصير" مع إسرائيل
ألون ليئيل هو باحث ودبلوماسي إسرائيلي سابق، عمل في مجالات ارتبطت بعلاقات إسرائيل وجنوب أفريقيا. من بين وظائفه في وزارة الخارجية كان عام 1986 رئيسًا لشُعبة جنوب أفريقيا ثم سفير إسرائيلي في جنوب أفريقيا عام 1992. ألّف كتابًا (3) بعد إنهاء عمله أفرد فيه أجزاء واسعة لتطور العلاقات بين إسرائيل وجنوب أفريقيا، ضمّنه معطيات ومعلومات وتفاصيل قاتمة في هذا السياق، وخصوصًا أشكال "التعاون" العسكري بين دولتين جمعتهما خصائص ومميزات من النوع السيء بموازين العنصرية والعدوانية نحو الجيران.
يعود الكتاب الى العام 1948 مع إقامة دولة إسرائيل، حين اعتلى الحكم في جنوب أفريقيا، مجددًا، "الحزب القومي". ويقول إن رؤساء هذا الحزب وأنصاره رأوا "وحدة مصير" بينهم وبين دولة إسرائيل منذ تأسيسيها. أولاً بوصفهم أقلية بيضاء محاطة بغالبية سوداء كبيرة، فيما يشبه "الوضع الموازي" لأقلية يهودية مقابل الأغلبية العربية؛ ولاحقا أيضا "كأقلية رأسمالية غربية محاطة بغالبية شيوعية"، على حد وصف ليئيل. فكل "انتصار في ساحة المعارك لإسرائيل عزز شعور البيض في جنوب أفريقيا أن صمودهم أمام الأغلبية السوداء ممكن وهم قادرون على الانتصار في نهاية المطاف في صراعهم الذي رأوا فيه صراعا عادلا"، يضيف.
يصحّ القول إن هناك بنية تحتية سابقة، قوامها الصورة الذاتية للمجموعتين المهيمنتين في الدولتين، وإن النظرة الاستشراقية الاستعلائية على المحيط، قد شكلت المتكأ والشرعنة لما سيُقام لاحقًا من علاقات بينهما. وحتى لو كانت الرواية الرسمية، وبعض الرؤى الأكاديمية، تنسب للمؤسسة الإسرائيلية الحاكمة مواقف قيمية منعتها من إقامة علاقات مع دولة الأبرتهايد الأفريقيّة، حتى مطلع سبعينيّات القرن العشرين، فإن تلك الصورة الذاتية (للمحاصَر الذي يواجه أعداء أقلّ منه قيمة) (4) كانت حاضرة دائمًا، وربما هي عنصر مركزي في مجموعة العناصر التي أطلقت العنان لعلاقات وطيدة تعجّ بالسلاح بين الدولتين. مسألة السلاح هامة، لأن العقيدة التي وقفت خلفه كانت زعم "الشعور بخطر وجودي" وضرورة مواجهة "محيط معادٍ يهدد وجود الدولة".
// "جزر الحداثة"، "العدوّ المتخلّف"، و"عقدة مسادا"
النقطة الأخيرة تلاقي تدعيمًا حتى في كتاب الدبلوماسي الإسرائيلي المذكور "عدالة سوداء – الانقلاب الجنوب افريقي"، إذ يصف كيف كانت أجزاء من القوى السياسية المهيمنة من البيض في جنوب أفريقيا قد رسمت لنفسها "متوازيات بين تاريخها والتاريخ اليهودي وبين مصيرها في جنوب أفريقيا ومصير إسرائيل". فقد نظرت الى نفسها كـ"جزيرة من الحداثة" التي تحارب على البقاء "أمام عدوّ متخلف يدعمه عدو إضافي يتمثل بالعالم الشيوعي". بالنسبة لأولئك السياسيّين كانت هذه الخلاصة، يقول المؤلّف، "بمثابة استراتيجية الحصار التي كانت موازية لـ"عقدة مسادا" في إسرائيل والتي راحت تتطور حتى أصبحت في مقام دِين، وشكلت مدماكًا هامًا في التوجه العام لدى تلك القوى البيضاء المهيمنة".
"كانت المسافة من هنا حتى رؤية إسرائيل نفسها الجسم الموازي لدولة البيض مسافة قريبة جدا، إسرائيل صُوّرت أيضا وارتسمت كجزيرة صغيرة من الحداثة والتقدم التي تحارب بشجاعة كبيرة مئات ملايين المسلمين الأعداء. لقد أحبونا في جنوب أفريقيا البيضاء ليس للأسباب الصحيحة"، يقول ليئيل ملمّحا الى الجوانب الإشكالية الصارخة. كذلك، فقد تطور في صفوف زعماء الأبرتهايد تقدير وحتى تبجيل للإنجازات التكنولوجية الإسرائيلية، وخصوصا أو بالأساس العسكرية منها.
كإحدى النوادر ذات الصّلة: خلال محاضرة القاها ويلهيلم فريدرك دكلارك الرئيس السابق في جنوب أفريقيا، عام 1999 في جامعة تل ابيب، وصف مشاعره "نحو الشعب اليهودي" على حد تعبيره كالتالي: "حين آتي الى إسرائيل كأنما آتي الى بيتي، الأرض المقدسة كانت الأولى التي تعرفت عليها خارج بلادي. سمعت عن بيت لحم والناصرة قبل أن اسمع عن لندن وباريس. وكنت أعرف التاريخ اليهودي قبل أن تعرفت على تاريخي والتاريخ البريطاني والفرنسي".
قلّما كاشفت حكومات إسرائيل الجمهور بحقيقة مذهلة، تخصّ إعجاب زعماء الأبرتهايد في جنوب أفريقيا بالنازيين. المؤسسة التي عرفت كيف تحقق المكاسب من جرائم النازيين وفظائعهم، لديها اعتبارات خاصة متعلقة بمدى التركيز المطلوب على من بجّلوا هذا الإرث الوحشي. الخلفية المؤيدة للنازية لدى قسم من زعماء "الحزب القومي" الذي اعتلى الحكم في جنوب أفريقيا تلك الفترة، لم تمنع المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية من نسج علاقات كثيفة جدا، كما سيتبيّن فيما يلي. كانت لدى "الحزب القومي" فترات من اللاسامية والتأييد للنازيين خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها. هناك زعماء اتهموا بنزعاتهم اللاسامية والتواطؤ والتعاون مع الألمان النازيين، بينهم جون فورستر وأريك لاو، ود. برفرت.
// الخمسينيّات والستينيّات: علاقات باردة بغطاء خارجي أخلاقي
تصف الوثائق الرسمية الإسرائيلية (5) علاقات إسرائيل مع جنوب أفريقيا في الستينيّات على أنها توتر متزايد. اتبعت إسرائيل تلك السياسة لأسباب سياسية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى رغبتها في العمل بشكل وثيق مع دول أفريقيا السوداء من أجل الحصول على دعم سياسي منها، الأمر الذي تضمن حتمًا الابتعاد عن جنوب أفريقيا.
ومع ذلك، كان للعلاقات بين إسرائيل وجنوب أفريقيا أيضًا عامل مخفِّف، وهو وجود جالية يهودية كبيرة وقوية في جنوب أفريقيا، لها علاقات وثيقة مع إسرائيل. الرواية الإسرائيلية تتحدث عن أن "الخوف من إيذاء الجالية اليهودية والرغبة في الحفاظ على علاقات جيدة معها دفع إسرائيل إلى السير على حبل مشدود في علاقاتها مع جنوب أفريقيا في الأعوام 1966-1965". وبنظر واضعي السياسات، اتبعت إسرائيل "سياسة حكيمة ذات شقين: تجنبت قطع العلاقات مع جنوب أفريقيا، لكنها عملت ضدها في المحافل الدولية. صوتت باستمرار في الأمم المتحدة ضد سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، لكنها امتنعت عن التصويت على مسألة طرد جنوب أفريقيا من الأمم المتحدة" (6).
يقدّم الأرشيف الرسمي رواية مفصلة عن العلاقات بين الدولتين، فيصفها كالتالي:
"في سياق علاقات إسرائيل مع الدول الأفريقيّة، حظيت العلاقات مع جنوب أفريقيا باهتمام خاص، وليس بالضرورة اهتمامًا إيجابيًا. فعلاقات إسرائيل بدولة تدعو رسمياً لسياسة التمييز العنصري أعطتها صورة سلبية، وشكّلت أداة في أيدي الدول العربية في حربها الدعائية ضدها (إسرائيل)". ويتابع تقرير الأرشيف: "لقد اتسمت علاقات إسرائيل مع جنوب أفريقيا في الأعوام 1964-1961 بتوتر متزايد بمبادرة إسرائيلية لذلك. واتبعت إسرائيل هذه السياسة لأسباب سياسية، ويعود ذلك جزئيًا إلى رغبتها في العمل بشكل وثيق مع دول أفريقيا السوداء من أجل الحصول على دعم سياسي منها، الأمر الذي تضمّن حتمًا الابتعاد عن جنوب أفريقيا وحتى مناهضتها. كما تأثرت سياسة إسرائيل تجاه جنوب أفريقيا بارتداعها من سياسة الفصل العنصري ومعارضتها لها، ولم تكن هذه شعارات. ففي الأعوام 1964-1963، بمبادرة من وزيرة الخارجية حينذاك غولدا مئير، كثفت إسرائيل من سياستها ضد جنوب أفريقيا وتدهورت العلاقات بين البلدين".
أما في حزيران 1967، حين وقعت حرب الخامس من حزيران التي انتهت باحتلال إسرائيلي واسع، فقد كانت تلك "علامة فارقة" في العلاقة بين الدولتين. وذلك بعد الدعم الذي تلقته إسرائيل من جنوب أفريقيا في فترة ما قبل الحرب، التي قررت خلالها إسرائيل تحسين العلاقات معها. فخففت من انتقادها لجنوب أفريقيا وتجنبت النقد العلني لها قدر الإمكان. الوثيقة المذكورة تصف كيف تحركت السياسة الإسرائيلية وتبدّلت: ومع ذلك، فبعد الحرب حين بدأت تظهر الاتهامات لإسرائيل بإقامة نظام فصل عنصري في الأراضي العربية التي احتلتها، سارع الزعماء الإسرائيليون الى الخروج مرة أخرى ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وهكذا فقد "تأرجح البندول ثانية" وحدثت أزمة حادة في العلاقات مع حكومة جنوب أفريقيا.
// 1973 عام التحوّل: "اجتياح إسرائيلي لأفريقيا"
بروفيسور بنيامين نويبرغر، المتخصص في العلوم السياسية والاجتماعية والباحث في موضوعات: القومية الأفريقيّة، الصراعات العرقية، الأنظمة والسياسة، أفريقيا في العلاقات الدولية، والعلاقات الإسرائيلية الأفريقيّة، كما يعرَّف على صفحته الجامعية الرسمية، استعرض في كتاب بعنوان "أفريقيا في العلاقات الدولية" (7)، فصولا واسعة من علاقات إسرائيل وجنوب أفريقيا. وهو يرى أن أهمية أفريقيا في علاقات إسرائيل الخارجية تجسدت، من بين أمور أخرى، في "العلاقة المتحفظة" نحو أفريقيا الجنوبية البيضاء. ويصف كيف شهدت وزارة الخارجية صراعًا بين أنصار السياسة التي تحرّكها المصالح والواقعية السياسية الذين رفعوا لواء إقامة علاقات قريبة مع أفريقيا الجنوبية حتى لو تهدّدت العلاقات مع سائر دول أفريقيا، وبين "الأفريقانيين" الذين رفضوا أية علاقات قريبة مع جنوب أفريقيا. وهو يدّعي أن التيار الأخير كان الأقوى، لفترة معينة على الأقل.
يشير الكتاب الى أنه لم تكن في الستينيات في بريتوريا سفارة إسرائيلية، ولا في تل ابيب سفارة جنوب-أفريقيّة. بل كانت إسرائيل تصوت في الأمم المتحدة بشكل منهجي ضد سياسيات الأبرتهايد في جنوب أفريقيا. استمرّ هذا الوضع حتى حرب 1973 المعروفة في المعجم الإسرائيلي بـ"حرب يوم الغفران"، التي أحدثت "انقلاباً" في العلاقات الإسرائيلية أفريقيّة. وقد سبق هذه الحرب مؤشرات على تدهور العلاقات: بين اذار 1972 وأيلول 1973 قطعت سبع دول أفريقيّة علاقاتها مع إسرائيل. لكن الانهيار حدث في فترة الحرب وفور انتهائها اذ قطعت 21 دولة أفريقيّة علاقاتها مع إسرائيل كإعلان تضامن مع مصر، "الشقيقة المصرية" كما تسمى في هذا الخطاب، واحتجاجا على قطع إسرائيل قناة السويس عسكريا وهو ما صور على أنه "اجتياح إسرائيلي لأفريقيا".
يقول نويبرغر إن قطع العلاقات كان "جماعيًا" ولم تبقِ على العلاقات سوى أربع دول أفريقيّة غير مركزية هي: سوازيلاند، ملاوي، لسوتو وماوريتسيوس، والتي عادت وقطعت هي الأخرى العلاقات بعد 3 سنوات، عام 1976. وفقًا لتلك القراءة فإن هذا الوضع الجديد حينذاك قد خلق ما يشبه الانقلاب في علاقات إسرائيل وجنوب أفريقيا. وبات موقف معسكر ما يعرف باسم الواقعية السياسية أقوى اذ لم تعد هناك حاجة لأخذ سائر أفريقيا بالاعتبار، والتي وصفت حتى بـ"الخائنة" بل ربما كانت هناك دوافع للانتقام منها على قطع العلاقات. وبالفعل في العام 1974 فتحت كل من إسرائيل وجنوب أفريقيا سفارتين في بريتوريا وتل ابيب. وتمت دعوة رئيس حكومة جنوب أفريقيا لزيارة إسرائيل وتعززت العلاقات الأمنية والاقتصادية بين الدولتين (8).
// "الانتقام": جنوب أفريقيا الابرتهايد – بديل لسائر القارة
كان جون فورستر، كما جاء في كتاب ليئيل، رئيسًا لحكومة جنوب أفريقيا وكانت تقاطعها أجزاء واسعة من المجتمع الدولي، حين طار في العام 1976 الى إسرائيل. كان ضيف رئيس الحكومة الإسرائيلي حينذاك يتسحاق رابين (العمّالي، بحسب أوصاف تقسيمة الحلبة السياسية الإسرائيلية). بعد هذه الزيارة توسعت العلاقات الأمنية ووصل بمرور السنين الى درجة تدريب إسرائيل لأسلحة المشاة، والبحرية والقوات الجوية، وشملت تبادلات عسكرية وبحثية وتطوير صناعات عسكرية وخصوصًا صناعات عسكرية جوية. منذ هذه اللحظة سوف تتطوّر العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين الدولتين بوتيرة سريعة جدا سرعان ما وصلت الى خانة "العلاقات الخاصة".
بروفيسور نويبرغر يقول في الكتاب الذي سبقت الإشارة اليه، إن قرار الأمم المتحدة الصادر عام 1975 الذي ساوى بين العنصرية والصهيونية، كان بمثابة "تحذير لإسرائيل مما ينتظرها فيما لو واصلت علاقاتها مع جنوب أفريقيا مما سيعني تدهور مكانتها في العالم الثالث". لكن "الكثير من الزعماء الإسرائيليين رأوا في جنوب أفريقيا – جنوب أفريقيا الابرتهايد – بديلا استراتيجيا واقتصاديا لسائر القارة. بما يشبه انتقام المهزوم"، على حد وصف ليئيل. فالدولتان كانتا بمثابة جزيرتين معزولتين في المنظومة الدولية بنظر نفسيهما، وفي اذار عام 1974 قررت إسرائيل رفع مستوى العلاقات الى درجة تبادل سفارات (9).
لم يمضِ وقت طويل على هذا التحالف، حتى بدأت الصحافة الدولية بكشف الصفقات الواسعة بين جنوب أفريقيا وبين شبكة الصناعات الأمنية في إسرائيل، وكذلك الدعم الإسرائيلي لتطوير أسلحة وطائرات لصالح جيش جنوب أفريقيا. وعلى الرغم من الإدانات الكلامية من قبل زعماء إسرائيل لسياسية الابرتهايد فوق المنصات الدولية، كان هناك خلل يستحيل إخفاؤه في منظومة العلاقات الثنائية. وبنظر أجزاء واسعة في العالم - بما يشمل قطاعات ليبرالية، وليس تلك المناصرة للمعسكر السوفييتي وحلفائه فقط - كانت العلاقات الإسرائيلية الجنوب أفريقيّة اشبه "بتحالف المجذومين". وأشبه بملاحظة نويبرغر، يقول الدبلوماسي ليئيل: "لقد اشتدت قوة هذا الانطباع مع صدور قرار الأمم المتحدة عام 1975 الذي ساوى ما بين الصهيونية وما بين العنصرية والابرتهايد".
// إنتاج عقيدة "المحاصَرين" ونسج شبكة العلاقات العسكرية
نظرت المؤسسة الحاكمة في جنوب أفريقيا لنفسها على أنها قوة مهددة امام قوى تحرر وطني في الدول المجاورة، وخصوصا أنغولا وموزمبيق. فنظرت "الدولة البيضاء" إلى نفسها على الجبهتين على أنها محاصرة من قبل الغالبية الشيوعية التي تسيطر عليها موسكو. إن سياسة بث شعور الحصار هذا، هو ما ساعد نظام الأبرتهايد على تجنيد الموارد القومية في صفوف الجمهور الأبيض.
كانت العلاقات العسكرية بين جنوب أفريقيا وإسرائيل تدور في الخفاء على الاغلب. المنشورات الصحفية أشارت في البداية الى تفاصيل عسكرية دقيقة:
*علاقات في المجال البحري، والمقصود بناء سفن من طراز "ريشيف" التي سميت في جنوب أفريقيا "مينيستر"، وكانت مزودة بمنظومة صواريخ بحر-بحر من طراز "جبريئيل" والتي سميت في جنوب أفريقيا "سكوربيون".
*استبدال مدفعية جيش جنوب أفريقيا بمدفعية أكبر من قياس 105 ميليمتر مما حوّل سلاح الدبابات الى سلاح القتال الرئيسي على الجبهة مع أنجولا الشيوعية.
*تزويد جنوب أفريقيا بالقوة المعرفية الخاصة بمنظومة الرؤية وإطلاق النار الليلة وكانت قاعدة تطوير منظومة "تايجر"، وهي منظومة رقابة الأسلحة النارية الجنوب أفريقيّة.
*عقد اتفاقيات وصفقات تزويد ذخيرة القذائف لمدفعية الطيران وقذائف الطيارات إضافة الى تقديم الاستشارة للكليات القتالية في جنوب أفريقيا. تم إقامة مطارات وتحسين اسراب الطائرات العسكرية بما فيها 50 طائرة من طراز "ميراج" وبيع طائرات بدون طيار وتراخيص لإنتاجها وبيع طائرات انذار من طراز بوينج 707 التي ركبت عليها منظومة فالكون من انتاج إسرائيل.
يروي ليئيل الحادثة التالية للإشارة الى عمق تداخل العلاقات العسكرية بين الحكومتين:
عضو البرلمان وسفير جنوب أفريقيا في الولايات المتحدة في حينه هاري شفارتس كشف أنه خلال احدى جولات لنواب برلمان على مدمرة جنوب أفريقيّة، رأى عتادا عسكريا وصواريخ مكتوبٌ عليها باللغة العبرية وكان قد قيل للوفد البرلماني ان السفينة بعتادها من صناعة جنوب أفريقيا. وهنا توجه شفارتس الى وزير الأمن مالان وقال ساخرًا أنه سعيد بتحول جنوب أفريقيا الى "دولة ثنائية اللغة" وأنها تخفف وتسهل على الجنود اليهود الذين يخدمون في جيشها. ونُقل عن البرلماني شفارتس أن مالان "لم يكن سعيدا بهذا الخبر".
واصلت الصحافة كشف وتناول مجالات التعاون العسكري بين إسرائيل وجنوب أفريقيا ومنها المخابرات وكذلك مدرعات تفريق المظاهرات التي تلقاها بوليس جنوب أفريقيا والتي كانت من انتاج صناعات كيبوتس بيت ألفا. لكن ما اشغل إسرائيل في حينه ليس "الفضائح" بل أن تلك الصناعات قد تسرّبت الى دول أخرى وكسبت منها جنوب أفريقيا على حساب المنتجين الإسرائيليين!
كتبت الصحافة الاسرائيلية عام 1987 أنه "كُشف عن أن عشرات مهندسي وخبراء الصناعات الجوية في اسرائيل كانوا يجرون مفاوضات في مراحل متفاوتة مع الصناعات الجوية في نظام بريتوريا العنصري للانتقال الى العمل هناك. مسودات اتفاقات العمل موجودة في ايدي المهندسين والخبراء الاسرائيليين وان الصناعات الجوية في جنوب أفريقيا تقترح على الاسرائيليين دفع اجورهم عبر البنوك في سويسرا. وكانت سلطات بريتوريا شرعت في تجنيد خبراء الصناعات الجوية الاسرائيليين قبل اتخاذ القرار الإسرائيلي القاضي بدفن مشروع (الطائرة الحربية) "لافي" بواسطة اعلانات في الصحف ووسطاء خاصين، اما احد اعضاء الادارة في الصناعات الجوية الاسرائيلية فقال إن عشرات مستخدمي الصناعات كانوا استغلوا العطلة السنوية للسفر الى جنوب أفريقيا والاطلاع بأنفسهم على ما اقترح عليهم ولدفع المفاوضات بينهم وبين سلطات بريتوريا، وذكر ان المرشحين للانتقال الى الصناعات الجوية في جنوب أفريقيا هم صفوة الخبراء في الصناعات الجوية الإسرائيلية" (10).
// "التماع وميض ضخم فوق المحيط الهندي": أسلحة الدمار الشامل
التعاون العسكري في مجال الأسلحة التقليدية انتقل لاحقًا الى مناطق هائلة الخطر: الى مجال الأسلحة غير التقليدية. ونقلت الصحافة مرة تلو الأخرى إن هذا طال حتى المجال النووي. فقد طوّرت جنوب أفريقيا بمرور السنين سلاحا نوويا وأصرّت الصحافة على أن هذا تحقق بمساعدة الدعم الذي قدمته إسرائيل لعمليات التطوير. في شباط 1980 نشرت شبكة "سي بي إس" الامريكية أن قمر تجسس صناعيا امريكيا في الفلبين قد التقط هزات بحرية في أيلول 1979 بعد التماع وميض ضخم فوق المحيط الهندي. وقدّر جهاز المخابرات الأمريكي ان هذه كانت تجربة نووية لكنه لم يتوصل لاستنتاج نهائي. وكان التقدير أن سفن سلاح البحرية التابع لجنوب أفريقيا هو من أجرى هذه التجربة النووية، وقدر معظم أعضاء الطاقم الأمريكي أن هذه كانت تجربة نووية مشتركة لإسرائيل وجنوب أفريقيا. وكانت روايات أخرى ادعت ان الحضور الإسرائيلي كان "لخبراء فقط مكثوا على احدى السفن المرافقة لفحص نتائج التجربة لا أكثر".
ضمن سجل التعاون العسكري كان هناك أيضا الصواريخ المضادة للدبابات وصواريخ جو جو من طراز الأب، الذي قال إن العلاقات النووية لإسرائيل مع بريتوريا سوف يعقد العلاقات الاسرائيلية الامريكية.
يجدر التنويه الى أنه على الرغم من الاحتجاجات الرسمية الأمريكية المتأخرة، فقد سبق أن اتهمت دول أفريقيّة، منذ السبعينيات، واشنطن الى جانب إسرائيل وفرنسا بالضلوع في التسليح النووي لبريتوريا. مثلا، أعلن "مركز منظمة الوحدة الأفريقيّة" عن "احتجاج المنظمة الشديد على تحويل جنوب أفريقيا الى دولة نووية كبرى. واتهم المركز، في بيان اصدره في العاصمة الاثيوبية، فرنسا بتقديم الفرن الذري لجنوب أفريقيا، والولايات المتحدة بتقديم مادة الاورانيوم الغنية بالاشعاع الذري، وتهم اسرائيل بتقديم الخبرة العلمية لها. واضاف ان تحويل جنوب أفريقيا الى دولة نووية كبرى يعرض للخطر ليس فقط السلام في أفريقيا، انما السلام في العالم اجمع. وكان سكرتير عام المنظمة بالوكالة، نور الدين زيدي، قد استدعى اليه سفيري فرنسا والولايات المتحدة حيث احتج لديهما على قيام حكومتيهما بتقديم المساعدات الى جنوب أفريقيا لتقوية قدراتها العسكرية والنووية" (11).
// سقوط الأبرتهايد وتحوّلات العلاقات بعد 1994
اعتبرت الأوساط الإسرائيلية ان نجاح إسرائيل في الإبقاء على العلاقات مع جنوب أفريقيا بعد سقوط الابرتهايد وصعود قوى الغالبية السوداء الى الحكم عام 1994 هو "انجاز دبلوماسي كبير" (12). في ضوء العلاقات القريبة وخصوصا العلاقات الأمنية الوثيقة بين إسرائيل ونظام الابرتهايد كان من الوارد أن تقطع جنوب أفريقيا علاقاتها مع إسرائيل لكن الامر لم يحدث. الأسباب لذلك تعود أيضا الى ان إسرائيل انضمت عام 1987 على الرغم من علاقاتها الى منظومة العقوبات الدولية ضد جنوب أفريقيا وبدأت بإقامة علاقات مع قيادة النظام الجديد مسبقا بواسطة أجسام وهيئات غير حكومية مثل هستدروت ومعهد العلاقات الدولية. كذلك فان اتفاقات أوسلو عام 1993 شكلت إشارة لمنديلا ورفاقه على حدوث تغيير في إسرائيل، فأصدقائهم في منظمة التحريري الفلسطينية اقاموا علاقات واتفاقات مع إسرائيل فهل ستكون جنوب أفريقيا متطرفة أكثر منهن؟
نويبرغر رأى أن تجديد العلاقات مع دول أفريقيا نبع أساسا من انهيار الكتلة السوفياتية وانتهاء الهرب الباردة. فالكثير من الدول باتت بدون المعين السوفييتي التقليدي وفقدت مصادر دعم كبيرة، وانطبق هذا على دول بدأت تخشى خصوصا من صعود تيارات راديكالية في داخلها. وهكذا سارت العلاقات الإسرائيلية الأفريقيّة على عجلات تدور بالأساس حول مصالح تجارية شخصية وأصحاب ورجال أعمال كثيرون منهم ضباط سابقون يعملون في مجالات صفقات السلاح. وهناك نشاط داعم من قبل منظمة التعاون الدولية في مجالات الري، الطب والزراعة.
عالم الاجتماع والمحاضر في جامعة ويتس في جوهانسبورغ، ران غرينشتاين كتب (13)أنه لأسباب واضحة، كان عام 1994 إيذانا بنهاية العلاقات الوثيقة بين اسرائيل وجنوب أفريقيا. لم تكن الحكومة الجديدة بقيادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بحاجة إلى شراكة حصرية مع إسرائيل. فقد كانت احتياجاتها العسكرية - أو بالأحرى تلك التي تحددها النخب السياسية - مختلفة عن احتياجات نظام الفصل العنصري، وصار يمكن تلبيتها من مصادر أخرى (في المقام الأول دول وشركات أوروبا الغربية. على الرغم من الموقف البراغماتي الذي تبنته حكومة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في جهودها الدبلوماسية وعلاقاتها الدولية، لم تكن مكافأة "الشريك العسكري الأهم لدولة الفصل العنصري" أولوية، خاصة عندما أصبحت جنوب أفريقيا خالية من العزلة التي فرضتها عقوبات مناهضة الفصل العنصري.
بل يرى أنه حتى لو لم تكن الحكومة الجديدة "عازمة على الانتقام" من إسرائيل لتعاونها السابق مع نظام الفصل العنصري، فمن الواضح أنها لم تجد أي سبب يصب في الحها، لا سياسيا ولا اقتصاديا، لمنحها معاملة تفضيلية. كذلك، فقد أبدت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية موقفا أكثر حذرا. وبدأت جنوب أفريقيا في تنمية علاقات جيدة مع الدول التي كانت تعتبر أكبر أعداء دولة إسرائيل (إيران والعراق وليبيا وسوريا)، وكان الخوف في اسرائيل يكبر من أن تجد التكنولوجيا وأنظمة الأسلحة المصدّرة طريقها إلى تلك الدول. وهذا ما خفف "الحماسة المعتادة" لبيع المنتجات العسكرية الإسرائيلية. وحين أصبحت جنوب أفريقيا نفسها منتجًا ومصدرًا مهمًا للأسلحة، وبالتالي منافسًا في الأسواق الخارجية، بات مسؤولو الدولة والجيش الإسرائيليين حذرين من وجود علاقة وثيقة جدًا مع شركائهم السابقين.
كذلك، أدى الارتفاع المتزامن لزبائن جدد مع شهية لا تشبع تقريبًا للمنظومات الأمنية العسكرية والتقنية - الصين والهند على وجه الخصوص - إلى جعل سوق جنوب أفريقيا أقل أهمية في نظر الإسرائيليين. لتقدير ظروف ما بعد 1994، نحتاج إلى العودة إلى السؤال عن سبب كون إسرائيل الدولة الوحيدة التي أقامت مثل هذه العلاقات العسكرية المكثفة مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. يمكن تقديم سببين رئيسيين ومرتبطين بالتحالف العسكري:
• سبب تكتيكي: الموقف المماثل للبلدين من أوائل السبعينيات إلى أوائل التسعينيات، كدول منبوذة على الساحة الدولية.
• وسبب استراتيجي: أصولهم المتشابهة في الصراع الطويل الأمد بين السكان الأصليين والحركات السياسية للمستوطنين. من الواضح أن السبب الأول لم يعد ذا صلة. لقد نشأ عن ظرف معين غاب مع غياب الكتلة السوفيتية والحرب الباردة.
// معادلة علاقات دولية جديدة انخفضت فيها قيمة العلاقات مع اسرائيل
يرى غرينشتاين أن شكل العلاقات المتشكّلة مجددا بين اللتين بدأت تظهر عواقبه في ثلاثة مجالات:
• إن أوجه التشابه التاريخية بين وضعي الصراع جعلت القوى السياسية في جنوب أفريقيا حساسة بشكل خاص للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. نتيجة لذلك، حاولت حكومة جنوب أفريقيا والنشطاء المستقلون لعب دور تدخلي كوسطاء، بشكل عام دون نجاح كبير، وكذلك كقادة في المبادرات السياسية. وتشمل هذه الشروط التي تفرضها وزارة التجارة والصناعة لوضع علامات على المنتجات من المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. والدراسة التي رعتها الحكومة لتحديد ما إذا كان الحكم الإسرائيلي في الأراضي المحتلة هو شكل من أشكال الاستعمار والفصل العنصري؛ والدعم الأخير من قبل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لحملة العقوبات ضد إسرائيل.
• أدى الاهتمام الشديد بالصراع إلى حدوث صدام بين فئات محلية تتماهى مع أطراف مختلفة. يشير هذا قبل كل شيء إلى عناصر داخل المجتمعين اليهودي والإسلامي في البلاد، ولكن أيضًا إلى النشطاء الآخرين وحركات التضامن. على الرغم من أن كلا المجتمعين العرقي / الديني صغيران إلى حد ما ولم يؤثر الاشتباك على غالبية السكان الذين لا ينتمون إلى أي منهما، فقد أصبح موضوعًا مثيرًا للقلق في بعض الأماكن.
*إن الإرث الرمزي للنضال ضد الفصل العنصري جعل المقارنات مع إسرائيل / فلسطين قوية سياسياً، كتحليل للوضع وكوصفة للتغيير. هذا الاستخدام للرمزية يتجاوز حدود جنوب أفريقيا وأصبح قضية مهمة في سياسات التضامن العالمي والمناقشات حولها. إن الدور الذي يلعبه بعض النشطاء الجنوب أفريقيين في كل هذا واضح - خاصة فيما يتعلق بالناشطين المعروفين والذين يحظون بالتقدير مثل ديزموند توتو وروني كاسريلز - وكثيراً ما يعتمدون على خبرتهم في التعرض للقمع والنضال ضده في جنوب أفريقيا.
ولكن على النقيض من مجالات الخلاف السياسية الواضحة هذه، فإن تقدم العلاقات الاقتصادية بين البلدين غير ملحوظ. العنصر الوحيد الذي يبرز في التبادل التجاري هو الماس الخام، الذي تبيعه شركات جنوب أفريقيا لإسرائيل ليتم صقله هناك وتصديره إلى دول أخرى. يصعب تحديد الأرقام الخاصة بهذه التجارة لأن الماس يتم شراؤه عادة من مراكز التبادل الدولية في أوروبا (بشكل رئيسي أنتويرب ولندن) وليس مباشرة من جنوب أفريقيا. عادةً ما تستبعد إحصاءات التجارة الإسرائيلية الماس لأن القيمة المضافة في إسرائيل نفسها صغيرة نسبيًا مقارنة بالقيمة الإجمالية للتجارة (فهي تضخم جانب الاستيراد والتصدير في الميزان التجاري).
// خلاصة
يخلص عالم الاجتماع ران غرينشتاين الى أن حقبة ما بعد الفصل العنصري شهدت على الفور عودة لجنوب أفريقيا إلى الهيئات والتحالفات الدولية، ما عكس توهج فترة الانتقال عام 1994 والمكانة الأيقونية لنيلسون مانديلا كرجل دولة عالمي. كان سعي مؤسسة الدولة هو أن يُنظر الى جنوب أفريقيا على أنها دولة ديمقراطية حديثة، وبموازاة ذلك تراجعت أهمية جزء لا يتجزأ من الاقتصادات الرأسمالية. أما تحت حكم ثابو مبيكي، لاحقًا، فقد أصبحت التحالفات مع القوى البديلة هدفًا استراتيجيًا للسياسة الخارجية. وقد نشأ هذا جزئياً عن أسباب اقتصادية - كالعلاقات التجارية المتنامية مع الصين والهند - وجزئيًا من توجه أيديولوجي يركز على تحدي هيكل النظام العالمي من خلال اصطفاف جنوب أفريقيا مع روسيا والصين والبرازيل وعدد من الدول العربية والاسلامية لمواجهة الهيمنة الغربية.
وهكذا، ففي اطار هذه المعادلات وفي هذه البيئة، باتت العلاقات مع إسرائيل تحظى في جنوب أفريقيا بأولوية منخفضة. اقتصاديا مربح أكثر، ودبلوماسيا مُجدٍ أكثر رعاية التحالفات مع الأفارقة الآخرين كأسواق لسلع جنوب أفريقيا ومستودعات للدعم الدبلوماسي لجهود جنوب أفريقيا للتحدث باسم أفريقيا للعالم؛ والتحالفات مع دول الشرق الأوسط كأسواق وموردي نفط وشركاء في الصفقات التجارية؛ ومع قوى آسيوية ناشئة، كالصين والهند بالتأكيد، ولكن أيضًا دول مثل ماليزيا وإندونيسيا، الفائدتان هنا أعلى. هذا التحول الكلي يؤطر قضية إسرائيل: هناك القليل الذي يمكن اكتسابه من العلاقات الجيدة مع دولة منبوذة من قبل العديد من الدول في أفريقيا وآسيا، خصوصًا وهي حليف قوي للولايات المتحدة والقوى الغربية بشكل عام.
(مجلة "قضايا إسرائيلية"، شتاء 2021 العدد 80)
//مصادر وملاحظات
1. "علاقات إسرائيل جنوب أفريقيا – يوميات" (ح ص 3992/13)، (بالعبرية)
2.غالبية المواد وفقًا لقانون الأرشيفات الإسرائيلي من العام 1955، يفترض أن تفتح في ختام 15 عاما. أما المواد "الحسّاسة" في مجالات الأمن والعلاقات الخارجية فهي تُفتح بعد 25 عاما أو 30 أو 50 أو 70 عاما.
3. ألون ليئيل، "عدالة سوداء – الانقلاب الجنوب افريقي" إصدار: هكيبوتس همئوحاد (الكيبوتس الموحّد)، 1999 (بالعبرية)
4. يمكن التفكير برمز "السور والبرج" الذي اعتمدته المجموعات الصهيونية قبل 1948 وطبقته من خلال انشاء أبراج وأسوار في بؤر استيطانية واقعة في قلب التواجد الحضري لأهل البلد الأصليين.
5. المصدر نفسه.
6. المصدر الأول.
7. بنيامين نويبرغر، "أفريقيا في العلاقات الدولية"، إصدار: "الجامعة المفتوحة"، 2011 (بالعبرية)
8. يشير المؤلّف الى أنه على الرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية، واصلت دول أفريقيّة كثير إقامة علاقات اقتصادية وتجارية مع إسرائيل. بل ان بعض النشاط التجاري اتسع مع بعض الدول وواصلت إسرائيل الاحتفاظ بما يعرف بـ"مكاتب المصالح التجارية" في عدد من تلك الدول.
9. قبل ذلك كانت إسرائيل ممثلة بقنصل عام كان مقر اقامته جوهانسبرج وليس بريتوريا العاصمة.
10. "يديعوت أحرونوت"، الخبر نقلته صحيفة "الإتحاد" الحيفاوية بتاريخ (16.9.1987).
11. تقرير تناقلته وكالات أنباء، نشر في "الاتحاد" ( 8.6.1976).
12. مصدر سابق: "عدالة سوداء – الانقلاب الجنوب افريقي".
13. Ran Greenstein, Comparative Perspectives on South Africa, Palgrave Macmillan, 1998
إضافة تعقيب