وَصَلوه بجهاز الاكمو، تَجمّع الأطباءُ حوله، انشغلت الدولة به.
الشخصية الهامّة أُصيبَت بالكورونا.
هكذا انتشر الخبر في وسائل الاتصال المختلفة. سارع الرؤساء والمسؤولون في الكثير من الدول للسؤال والاطمئنان، حتى رئيس الولايات المتحدة ترامب ورئيس روسيا بوتين اهتما بالاتصال المباشر للسؤال عن حالته مُتمنّين له السلامة السريعة. وتواصلت التقارير المُتسارعة من المستشفى تؤكد أنّ حالة المريض مستقرّة، والأمل في جهاز الاكمو الذي قد يُنقذه من الخطر الكبير. واستبشر الجميع خيرا.
وحدها كانت تتمزّق وهي تُتابع الأخبار. فقبل أيام خطف مرضُ الكورونا والدَها، لم يمهله إلّا أياما قليلة. ظهر يوم السبت شعرَ بالضّعف والانهيار، ونُقل إلى المستشفى القريب، وبعد ظهر الثلاثاء تحدّثت معه واطمأنت عليه، وظُهر يوم الخميس فارق الحياة.
لم تُصدق خبر موته، فقد أكّد لها أول أمس أنّه في تَحسّن كبير، وأنّ الأطباء سمحوا لشقيقها بزيارته لبعض الدقائق فكيف تَغيّر كل شيء؟ وتدهورت حالته وفَقَد الحياة؟!
لا بُدّ أنّ انشغال الأطباء بالشخصية المهمة جعلهم يُهملون والدَها، تركوه دون رقابة فتغيّرت حالتُه الصحيّة فجأة، ولا مَن يُراقب ويهتم ويستدعي الأطباء فمات.
هكذا تركوه ليموت، هم المسؤولون عن موته، لا أقول موته بل قَتْله بإهمالهم.
وتساءلت مُوجّهة الأسئلة لابنها الطبيب الذي يعمل في نفس المستشفى:
-لماذا لم يضعوا لأبي هذا الجهاز الذي يُحيي المريض ويساعده على التنفّس؟ ليش مين هو هذا إللي كلّ الدولة قامت وقَعدت عشانه؟ يعني هو أحسن من أبوي؟ يعني هو أحق من أبوي يعيش؟ ليش تركوا سيدك أبوي يموت؟
تتجمّعُ وتتكاثر الأسئلة والشكوك، تكاد تفقد عقلها وتُصابُ بالجنون.
-ليش هو حَطّوله الجهاز وسيدك لأ؟ يعني هو أحسن من سيدك؟ ليش هيك عِمْلوا نَيّموه أوّل يوم، وثاني يوم قتلوه؟ يا ويلهن من ألله..
حاول ابنُها الطبيب أنْ يُخفّف من توترها، شارحا لها أنّ الأطباء يتعاملون مع جميع المرضى بمَحبّة واهتمام وعناية فائقة، وأنّ جدّه لقي الاهتمام الزّائد ولكن المرض كان قد هدّ جسدَه، وأنّها إرادة الله التي اعتراض عليها.
جلست تُفكر والحسرة تمزّقها على موت أبيها المفاجئ السّريع، هل ترضى بما كتبه الله لنا أم تبقى على يقين أنه قُتل بسبب إهْمال الأطباء والمستشفى؟
راودتها حيرة وشكوك كثيرة، تعبت يومها من كثرة البكاء والتفكير، ذهبت للفراش نامت ولم تشعر بشيء بعد تناول المُسَكّن.
استيقظت من نومها، عيناها منتفختان، دُوار شديد في رأسها. شربت قليلا من الماء، مشت قليلا في الغرفة، فتحت النوافذ وجلست على الكنبة.
مدّت يدها إلى هاتفها، تصفّحت الصور وإذا بصورة والدها أمامها ينظر إليها بعينين دامعتين، شعرت بلهفة كبيرة، تساقطت الدموع من عينيها وصرخت: ليش تركتْنا بَكّير يابا؟
وسقط الهاتف من يدها فانتبه ابنها وسارع إليها محاولا تهدئتها.
رفع الهاتف عن الأرض، وانتبه وهو يمدّ يده ليُعطيه لأمّه لخبر بارز على الشاشة: موت الرجل المهم بمرض الكورونا.
-عاود مات مَفَدوش الجهاز. خلَص عمره.
نظرت إليه أمّه مستفسرة: مين اللي مات؟
-الرجل المهم، مات قبل ساعة.
-هذا حدّ عمره. قالت الأم. كلنا ميتين. بعد سيدك مَعَدْش إشي إلو قيمة.
وأجهشت بالبكاء.
الرامة
إضافة تعقيب