السّابع من أيّار ليس فقط ذكرى ميلاد توفيق زيّاد، بل استحضار دائم لصوته. هذا التاريخ يقع بين أوّل أيار وذكرى النّكبة؛ وهذا الرجل كان ابن هاتين اللّحظتين معًا: الكادح الذي لا تملّ سواعده من العمل وابن الوطن الذي لا يساوم على الحلم والحقّ. في هذه المسافة الملتهبة، بين عيد العمّال الذي لا يُحتفل به كما يجب وذكرى النّكبة التي لا تُنسى كما يُراد لها، كتب زيّاد.. من هناك، من المسافة الواقعة بين الخبز والحجر، بين الحلم الذي يُقمع والحقّ الذي يُمنع. لذا، حين نحتقل بولادته، نحن لا نطفىء شمعة ولا نضيء أخرى، بل نُشعل ذاكرة. وإنّا إذ نعود إليه، فذلك لأنّ في كلماته حرارة لا تبرد، وكرامة لا تساوم، ولأنَّ شعره لم يكن زينةً لغويّة، بل موقفًا حيًّا، يرفع الكلمة إلى مقام الفعل، ويرفع القصيدة إلى مقام الذّاكرة الجماعيّة. مقدمة ارتبط اسم توفيق زيّاد، على امتداد مسيرته الحياتيّة والإبداعيّة، بوطنه، بأرضه الجريحة، بأطفاله ومقاوميه، بذاكرته المتقدّة وتراثه العميق. لم يكن توفيق زيّاد شاعرًا فحسب، ولا سياسيًّا يُحسن نظم الشّعر، بل كان نموذجًا نادرًا يتقاطع فيه الالتزام النّضالي مع البصيرة الجماليّة، حيث لا تنفصل اللّغة عن الفعل ولا القصيدة عن الجماهير. وقف عند تخوم الشّعر والسّياسة والمقاومة، فصاغ من لغته درعًا، ومن قصيدته صرخةً، ومن مواقفه سجلًا حيًّا لذاكرة الفلسطيني المقاوم، وذلك من خلال الواقعيّة الاشتراكيّة التي آمن بها لا كمذهب فحسب، بل كنهج حياة. فتحوّل إلى صوت مَن لا صوت لهم، وإلى لسان حال الجماهير الكادحة التي وجدت في قصائده مرآة لهمومها، وفي كلماته أفقًا لأملها. الواقعيّة الاشتراكيّة لم يكن انتماء توفيق زيّاد إلى الحزب الشيوعي مجرّد موقف سياسي، بل كان امتدادًا لرؤية إنسانيّة تؤمن بالعدالة، وترى في الأدب أداةً فاعلة في تغيير الواقع لا مجرّد مرآة له. وتندرج هذه الرؤية ضمن الواقعيّة الاشتراكيّة، المدرسة الأدبيّة التي قامت على مبادئ جوهرية: الإيمان بالجماهير، رفض الحياد الفنّي، وتقديم الفنّ كقوة تنوير وتحريض. لقد وجد زيّاد في هذه المدرسة أفقًا فكريًّا وجماليًّا ينسجم مع قناعاته، فلم يتعامل معها كقالب خارجي، بل تماهى معها حتى أصبحت جزءًا من نسيجه الشّعري. كان زيّاد يؤمن أنّ الالتزام لا يُثقل الشِّعر، بل يمنحه نبضًا وحقيقة. وتجسَّدَ التزامه المنبثق من الماركسية اللينينيّة في محاور عدّة داخل نصوصه، من أبرزها: النّضال الطبقي والدّفاع عن الفقراء، جاء في ديوانه "أشدّ على أيديكم": "يا إخوتي العمّال أحبّكم جميعًا أحبّ كلَّ قبضةٍ مهزوزةٍ في وجه الأنذال وكلَّ جبهةٍ شامخة في ساحة النّضال". تكمن بلاغة هذه الأبيات في الانصهار الكامل بين الموقف العاطفي والموقف الطبقي؛ حيث تتحوّل القصيدة إلى موقف طبقي، والشّاعر إلى شاهدٍ لا يُحايد، بل ينحاز. وقدّم زياد الفلسطيني كرمز للمحارب في معركة مزدوجة: ضد الاحتلال وضد الاستغلال الطبقي، في رؤية ماركسيّة ترى أنّ الاحتلال ليس غزوًا عسكريًّا فقط، بل هو أداة رأسماليّة لاستغلال الطبقات المستضعفة. كذلك، صرّح زيّاد بانتمائه الفكري والحزبي بوضوح في قصيدته "شيوعيون"، حيث تتماهى الكلمة مع الموقف السياسي، وتتّحد القصيدة بالهوية الحزبيّة فتغدو تعبيرًا وجدانيًّا نضاليًّا: "قالوا: شيوعيّون… قلتُ: أجلُّهم حمراً بعزمهم الشعوب تُحرّرُ". مقاومة الاستعمار والإمبريالية رأى زيّاد في النّضال الفلسطيني جزءًا من معركة أمميّة ضد قوى الاستعمار والرأسماليّة العالميّة، ورأى في الجماهير طاقة خلاّقة قادرة على المواجهة. ففي الكثير من قصائده غرس فكرة عدم الاستسلام والدّعوة إلى النّهوض والنّضال الدائم، وهو ما يتّسق مع الفكر الثوري، نحو ما جاء في قصيدته "ادفنوا أمواتكم": "فادفنوا أمواتكم وانهضوا فغد – لو طار – لن يفلتَ منّا نحن ما ضِعنا.. ولكن مِنْ.. جديد.. قد.. سُبكْنا". إنَّ استخدام صيغة الأمر المتكرّر يرسّخ مفهوم الحراك الجماهيري والتعبئة الشعبية (التحريض)، وهما عنصران جوهريان في الفكر الاشتراكي والثّوري. الأمل الثّوري وعدم الاستسلام رغم قسوة الواقع، ظلَّت قصائد زيّاد مشبّعة بالأمل وبالتحدّي، تنحاز إلى الصّبر والصّمود. في قصيدته "أحبّ ولكن"، يقول: "صمودًا أيّها النّاس الذين أحبّهم صبرًا على النُّوَبِ، ضعوا بين العيون الشّمس والفولاذ في العَصَب". يتقاطع هذا التوجّه مع البناء الجمالي للواقعيّة الاشتراكيّة التي ترفض الحزن بوصفه قدرًا، وتؤمن بأنّ كلّ إنسان، مهما كان بسيطًا، هو مشروع بطولة، ومصدر إلهام وجزء من معركة الوجود. لم يكن شعر توفيق زياد شعرًا وطنيّا فحسب، بل كان شعرًا أيديولوجيًا حيًّا، نجح في تحويل المبادىء إلى قصائد تُقاتل، تُضيء وتُربي. كان التزامه الحزبيّ امتدادًا لرؤيته الوجوديّة، لا قيدًا على الإبداع. لم تكن الأيديولوجيا تُحمّل قصائده حملاً ثقيلًا، بل كانت تنبع عضويًّا من مفاصل الكلمة. وعليه، إنّ فهم شعر توفيق زيّاد لا يكتمل دون الوعي بانتمائه السّياسي والفكري، ذلك الانتماء الذي يسكن القصيدة، يحرّك صورها، ويضبط إيقاعها على نبض الكادحين والمناضلين. شاعر المقاومة كان توفيق زيّاد أحد أعمدة أدب المقاومة الفلسطينيّ، ذلك الأدب الذي جعل من الشّعر ميدانًا للنّضال ومن اللّغة سلاحا رمزيًّا. فيه، تتّحد الكلمة مع السّياسة في خطاب يعبّر عن الوجدان الجمعي ويؤسّس لهوية وطنيّة مضادّة للنِّسيان. في تجربة زيّاد، تتحوّل القصيدة إلى ساحة مواجهة؛ إذ لم تكن الكلمات نزهةً جماليّة، بل حجارة تُلقى في وجه القهر والظّلم وسلاحًا يواجه محاولات الطمس. كان معجمه الشّعريّ مشبعًا بالإصرار والتحدي، ينقل صورة الفلسطيني المتمسّك بأرضه بوصفها جوهر الهوية ومصدر الكرامة. وفي عالمه الشّعريّ، لا يظهر الفلسطيني كضحية، بل كمشروعٍ مستمر للصّمود والمقاومة. آمن زيّاد بالمقاومة كروح موحدة تحفّز الجماهير، وتحوِّل الفعل النّضالي من مجرّد موقف فردي إلى حالة وجدانيّة جماعيّة تعيشها الجماهير معًا. ومن أبرز سمات شعره أنّ الفرد فيه يذوب في الجماعة؛ فلا نجد بطلاً فرديًا تراجيديًا يتصدّر المشهد، بل شعبًا كاملا - الفلاح، العامل، الأم، الطفل، الأسير - يقاومون، يحلمون، ويواصلون المسيرة. في قصيدته الشّهيرة "هنا باقون"، لا يتحدّث زيّاد عن فرد، بل عن شعبٍ بأكمله يتحوّل إلى جدار لا يُهدم: "كأنّنا عشرون مستحيل في اللّد والرملة والجليل هنا... على صدوركم، باقون كالجدار..." تستمر هذه الرّوح الجماعيّة وتتصاعد لتشكل مشهدًا شعبيًّا وثقافيًّا نابضًا بالحركة: "نملأ الشّوارع الغِضاب بالمظاهرات ونملأ السّجون كبرياء ونصنع الأطفال جيلاً ثائرًا وراء جيل". ويبلغ التحدّي ذروته في قوله: "إذا عطشنا نعصر الصّخرا ونأكل التراب إن جعنا .. ولا نرحل وبالدّم الزّكي لا نبخل.. لا نبخل.. لا نبخل". في هذه الأبيات، يشير الشّاعر إلى استعداد الفلسطينيّ لتحمّل أقسى الظروف مؤكّدًا رفضه التّام للتنازل عن أرضه. إنّ هذه الصّور المجازيّة المتتالية تشحن قصائده بروح الإصرار وتقدِّم المقاومة كفعل يوميّ: في البقاء، في الصبر وفي مجابهة المحتّل بثبات الوجود. ومن الجدير بالذّكر أنَّ خطاب المقاومة في شعر زيّاد لا ينفصل عن الأمل بالمستقبل، إذ يختتم قصيدته بقوله: "هنا.. لنا ماض.. وحاضر.. ومستقبل". بهذه الجملة يربط بين الصّمود وبين الإيمان بحتمية النّصر، ويؤكّد استمرار الحياة الفلسطينيّة عبر الأجيال. وإذا كان المضمون النّضاليّ قد شكّل عصب شعر توفيق زيّاد، فإنّ البنية الفنيّة لقصائده لم تكن أقلّ حضورًا أو تأثيرًا. لقد تضافرت عناصر الأسلوب، الإيقاع والصّورة، لتجعل من قصيدته نصًّا حيًّا، يتردّد صداه في ذاكرة النّاس وألسنتهم، لا بما تحمله من شعارات، بل بما تمتلكه من نبض شعريّ وجماليّ. إلى جانب هذا البُعد الكفاحي، تتجلّى في شعر زيّاد ملامح فنيّة عميقة تمنحه قوة تعبيريّة خاصّة، وتُسهم في ترسيخ حضوره في الوجدان الجمعي. من أبرز هذه السّمات: البساطة العميقة اتّسم أسلوب توفيق زيّاد الشّعري بالبساطة العميقة والنّبرة الخطابيّة الحماسيّة، وقد تميّزت قصائده بطابع ثوري يحثّ الجماهير على مواجهة الظلم. لم تكن لغته مجرّد وسيلة للتواصل، بل كانت جزءًا جوهريًّا من مشروعه الشّعري والوطني؛ لغة مصقولة بالصّدق، مشحونة بالنّبض الشّعبي، قادرة على أن تكون سلاحًا دون أن تفقد جمالها. امتاز زيّاد بلغةٍ شفافةٍ، قريبة من الحديث اليومي، لكنّها محمّلة بطاقة شعريّة كامنة. لم ينزلق إلى المباشرة الفجّة، ولم يتورّط في الغموض المُفتعل، بل كانت لغته ذات كثافة دلاليّة تنبع من وضوح الهدف وتماسك الرؤية. ويتجلّى ذلك بوضوح في قصيدته "بأسناني": "بأسناني، سأحمي كلّ شبرٍ من ثرى وطني بأسناني. ولن أرضى بديلاً عنه لو عُلّقت من شريان شرياني". قد تبدو هذه العبارات بسيطة في ظاهرها، إلا أنّها مشحونة بالرمزيّة والحنين والكرامة، وتكثِّف معاناة الإنسان الفلسطيني دون تعقيد. إنَّها لغة تُقاوم وتنقش في ذاكرة النّاس مفردات الحِلم والصّبر والانتماء. الصّور الفنّيّة والإيقاعية رغم وضوح التزامه السّياسي، لم يقع زيّاد في فخّ الشّعاراتيّة أو الخطابيّة الفارغة، بل حرص على بناء صورة شعريّة حيّة، وعلى تثبيت الإيقاع الدّاخلي للقصيدة الذي ينبع من التّكرار المدروس والتوازي في العبارات. لقد وظّف زيّاد التكرار لا كمجرّد حيلة أسلوبيّة، بل كأداةٍ بلاغيّة تعزّز المعنى، تُلهب المشاعر وتضبط الإيقاع. كما اعتمد في الكثير من قصائده على التصاعد في الأفعال والصّور، ضمن بنية توحي بالحركة المستمرة والتنامي الشعوري. يتجلّى ذلك، على سبيل المثال، في قصيدته "هنا باقون": "نجوع، نعرى، نتحدّى ننشد الأشعار ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات ونملأ السّجون كبرياء ونصنع الأطفال جيلاً ثائرًا". تولِّد سلسلة الأفعال المتتابعة إيقاعًا نابضًا وتصعيدًا شعوريًّا ينتقل بالقصيدة من المعاناة إلى الفعل، يعكس حركة النّضال المستمرة، ويمنح النّصّ حيوية تعبّر عن فعل جماعي لا يتوقف. هذه الخصائص الإيقاعيّة، إلى جانب بساطة المفردات ووضوح الصّور، جعلت شعر زيّاد قابلا للترديد، أقرب إلى الأناشيد؛ يتسلّل إلى الحناجر ويُغنى، كما وجد طريقه إلى المهرجانات والمظاهرات، فتحوّل إلى جزء من الذّاكرة الجماعيّة للشّعب الفلسطيني. نهاية القصيدة في تجربة توفيق زيّاد الشّعريّة لا تأتي نهاية القصيدة كخاتمة مغلقة، بل كبوابة مفتوحة على الأمل والمواصلة. فقصائده لا تُختتم بالحزن، بل تمتدّ نحو الثبات، المواجهة والمستقبل. كتب زيّاد: "يا شعبي، يا عود النّد يا أغلى من روحي عندي إنّا باقون على العهد إنَّا باقون". هنا، تتحوّل نهاية القصيدة إلى وعدٍ، وإلى رابطٍ وجوديّ بين الشّاعر وناسه. إنّها خاتمة مفتوحة، لا تنغلق على المعنى بل تنقله إلى خارج النصّ، إلى الواقع، إلى الميدان. وليست هذه النّهايات نتيجة تلقائية، بل موقفًا جماليًّا وفكريًّا في آن، فيه رفض للعدميّة، وإيمان عميق بقدرة الشّعوب على الصّمود والتغيير. زيّاد لم يختتم قصائده بالحزن، بل كان يُشعل في نهايتها قنديلًا صغيرًا يحمل دعوةً للنهضة ونداء للاستمرار. توفيق زيّاد الكاتب لم يكتفِ توفيق زيّاد بتحويل القصيدة إلى خندقٍ نضاليّ، بل مدّ جسور المقاومة إلى النّثر أيضًا؛ فجاءت القصة القصيرة، المذكّرات والمقالة امتدادًا عضويًّا لصوته ولموقفه. في مجموعته القصصيّة "حال الدنيا"، استلهم زيّاد الذّاكرة الجمعيّة الفلسطينيّة، وأعاد بناء الحكايات الشّعبيّة لا بوصفها تراثًا شفهيًّا، بل كصوتٍ جماعيّ ينبض بالحكمة والتمرّد. بهذه الرؤية، صاغ قصصه بلغةٍ بسيطة نابضة، مفعمة بالاستعارات والإشارات القرآنيّة والرّموز التّراثيّة، لكن دون أن تفقد من بساطتها ووضوحها. في هذا العالم القصصي، تنتصر السّخرية اللاذعة والنّقد الاجتماعي، وتُستعاد الحكمة الشّعبيّة كأداة مقاومة ضدّ الاستلاب الثّقافي. أمّا في كتابه "نصراوي في السّاحة الحمراء"، فقد دوّن زيّاد مذكّراته أثناء دراسته في موسكو، لكنّه لم يكتب مذكرات ذاتيّة تقليديّة؛ بل صاغ نصًّا ينصهر فيه الخاصّ بالجمعي وتلتقي فيه الذّاكرة الفرديّة بالتاريخ الكفاحي لشعبه. ويتماهى، في هذا النّص، التاريخ الفلسطيني مع الثّورة البلشفيّة، في رؤية ترى أنَّ تحرير الوطن لا ينفصل عن تحرير الإنسان الكادح، وأنَّ معركة الاستقلال الوطني لا تنفصل عن معركة العدالة الاجتماعيّة. وبهذا، تحوّلت المذكرات إلى مساحة لفهم العالم، والانتماء إلى صراع كوني ضد الظّلم والاستعمار. كذلك، كتب زيّاد مقالات نقديّة متفرّقة تعكس وعيًا ماركسيًّا، يرى في الأدب فعلا اجتماعيًّا لا ينفصل عن واقعه. كان يؤمن أنَّ القصيدة لا تُفهم خارج سياقها الاجتماعي، وأنّ على الشّعراء أن يكتبوا من بين النّاس، لا من نوافذهم العالية. وهو في ذلك جسّد صورة النّاقد الماركسي الذي يقرأ الأدب من موقع الالتزام لا من موقع التأثّر الجمالي المحض. فالنثر عند زيّاد، كالشّعر، لم يكن هواية أو ترفًا، بل كان امتدادًا حيًّا لمعركة الوعي، وصوتًا آخر في معركته من أجل الكرامة والعدالة. خاتمة لقد تماهى توفيق زيّاد مع قضيّته، فكان شاعرًا، مناضلًا، مثقفًا عضويًا وأيقونة في أدب المقاومة. جعل من القصيدة وطنًا صغيرًا يحمل هموم وطنٍ كبيرٍ. وآمن أنَّ الكلمة التي لا تضيء وجوه النّاس، ولا تشدُّ على أيديهم، ولا تصير جسرًا بين الجرح والأمل، إنّما هي كلمة فارغة، ميتة. ومن هنا، لم يكتب زيّاد شعرًا مؤطرًا في قوالب أيديولوجية جافّة، بل كتب حلم الإنسان البسيط بلغةٍ تشبه ملح دموعه ونبض صبره. وعليه، حين يُصبح الشِّعر مأوى لهموم النّاس، لا زينة لغويّة، وحين تتحوّل القصيدة إلى فعل سياسيّ وجماليّ، نكون في حضرة شاعرٍ من طرازٍ خاصّ: توفيق زيّاد، القائل: "أنا من شدة حبّي لبلادي لا أفنى وأموت لكن أتجدّد… دومًا أتجدّد." توفيق زيّاد لا يفنى، بل يتجدّد.. لأنَّ الذي يكتب بملح الأرض ودم القلب، لا يخبو نوره. *الكلمة في أمسية بعنوان "توفيق زياد: القائد والشاعر والإنسان، عُقدت الشهر الفائت في مقهى "المكوى" في حيفا، بالتعاون بين مؤسسة توفيق زيّاد للفنون والثقافة ومديرية المساواة في بلدية حيفا، وذلك تزامنًا مع الذكرى الـ 96 لميلاد توفيق زيّاد (7 أيّار 1929 - 5 تمّوز 1994).