نجد بعض الكتّاب البالغين في السِّن، يستصعبون التأقلم بسرعة مع الكومبيوتر أو الهاتف الذّكي، لأنهما خارج مقدرتهم الذهنيَّة، تُدخلهم بصورة غير متوقَّعة في متاهات يصعُب عليهم استيعاب أوامر هذين الجهازَين، اللذين ما زالا غامضَين بالنسبة لهُم... رغم ما شهدا الحاسوب والسمارت فون من تقلبات متسارعة، ولكنّهما جهازان غريبان على بيئة هؤلاء الكتّاب البالغين. جميع الكُتّاب يريدون الوصول إلى كوكب المعرفة الغامض بأي ثمن، رغم أن هاتفهم يُمِدهم بالتسهيلات، من حيث الكتابة والتصليحات الإملائيَّة غير النّحويَّة، إلاّ أن معوّقاته التقنيَّة تُفاجئهم في بعض الأحيان بمطبّات فجائيّة، فيغضبون، ويندمون أحيانًا، على قبولهم اللحاق بعصر الهواتف الذي جعل جميع مواقع التواصل تتلاءم خصيصًا مع حجمها، لذلك يلعنون هذا التقدُّم الشيطاني حسب رأيهم، متحسّرين على تلك الأيّام البسيطة، فيلجئون للاستعانة بأصدقائهم ذوي الحنكة الهاتفيَّة الذّكية المُعقَّدة. العالم برمّته صار اليوم "يفوت بدون إحم ولا دستور" على حاضرة الإنترنت، من خلال الهاتف الذّكي الذي بات حاجة ضروريَّة للجميع!، وهو صاحب الامتياز الإعلامي الثّانوي بعد الكومبيوتر. الكُتّاب التقليديين ما زالوا يتمتعون بسحر القلم عصا أفكارهم السِّحري، لم ينكروا أبدًا فضل الصحف عليهم، رفضوا الخضوع لإغواء الهاتف، فاختاروا الموالاة لعصر الكتابة التقليدي، إيمانًا منهم أنه لولا تشجيع الصحف لهم التي نشرت إبداعاتهم الراقية والجميلة في تلك الفترة الذّهبيَّة للكتابة، لظلّوا غير معروفين في دنيا الأدب... الإنترنت الهاتفي بالنسبة "للكاتب الذكي" وسيلة إعلامية متنقِّلة مذهلة، تمنح "كتاباته" فرصة للانتشار خلال لحظات، تدخل إلى عقول النّاس السّاذجة بصورة التوائيَّة، اعتباطيَّة، يفرض نفسه عليهم، من خلال تكرار منشوراته على الفيسبوك، يعتبرها أنجع طريقة يتخطى بها عقبات النَّشر الرَّسميَّة. الهاتف الذكي ليس إلّا جهاز، يتحكّم به الكاتب الجاد بشكلٍ يستفيد من قدراته، لا يترك له مجالًا ليُسيطر على تفكيره، من خلال استخدامه لكوكبة التطبيقات، لكن يبقى الكومبيوتر سيد العصر بلا منازع... يتمادى في هيمنته على العقل البشري... ينتصر سعره الباهِظ على القدرات الماديّة للمحتاجين له، ولكنّهم يضطرون لاقتنائه، فبدونه لا وجود للإنترنت. مفهوم الكتابة حسب مفاهيم عصر السرعة، اختراع أسلوب حديث يحاكي زمننا، فيه معانٍ واضحة وسليمة، تتماشى مع إيقاع الحداثة. و أن تتخلّل الفكرة كلمات لها دلالات مُطوَّرة فنِّيًّا لم يعهدها القارئ من قبل. الصُّحُف المتبقية والصّامدة اليوم، تعاني من صراع بقاء شرس على ساحة محصنة بشاشات زجاجيَّة ميْتة، لا تتفاعل معنا، إلّا إذا لمسناها بإصبعنا، فنقرأ أخبارها من هواتفنا، المحصورة بقبضة اليد الواحدة، لأن معظم صحفنا المحليَّة انضمّت إلى هذا الزّمن الذّكي الذي لا يُشبهنا. الإبداع السريع قد جعلَ من الكتابة مسخرة علنيَّة إذا جاز التعبير، ملتحقَة "بدار الفيسبوك للمنشورات الهزيلة"، التي تُدير مجموعة من المليشيات الإلكترونيّة، تريد أن تُدمِّر ببطء خلايا العقول، مسلَّحة بأسلحة قادرة على طعن كرامة الإنسان في أي وقت وأينما كان... كما أرعبت المجتمعات بترسانتها المعلوماتيَّة غير المحدودة... غير المراقَبَة، القائمة على الكتابة الحرّة، التي يتغذّى منها "كتّاب أذكياء" عديمي المنطق، يكتبون في الخفاء على هاتفهم الذّكي النّقال، فيختلسون أفكارهم منه بالسر!!