news-details

إدوارد سعيد... موسيقيّا...|  رشدي الماضي

وفاء لعطاءاتهم الثَّرّة، الثَّريّة والمثرية، من الضّروري أن نستحضر أسماءَهم من قارورة الذّاكرة التي لا يتسرَّب إليها النّسيان...

معكم ألتقي بكبيرنا، مفكّرا، وناقدا ومبدعا وباحثا، إدوارد سعيد، ونلتقيه تالمرّة موسيقيّا عَلَما عظيما...

ففي وقت مبكّر من عمرِهِ أعلنَ إدواردنا انحيازَهُ الى موسيقى بتهوفن وباخ وهايدن وفاغنر وموتسارت... أيّ ما نُطلق عليه اسم – المدرسة الألمانيّة النَّمساويّة – في الموسيقى... وذلك في مقابل الموسيقى اللاتينيّة التي يمثّلها الفرنسيّون والايطاليّون والاسبان أساسا...

لم يأت موقف سعيدنا هذا من فراغ، بل جاء بناء على خِبْرة طويلة شكَّلها على مدى سنوات من الاستماع الدّؤوب للموسيقى الكلاسيكيّة والتفكير والتأمّل فيها والقراءَة عنها، إضافة الى ما تمتَّع بهِ من ذائقة استثنائيّة في هذا المجال...

فالمعروف أنَّهُ تدرّب على أن يكون مستمعا جيّدا للموسيقى الكلاسيكيّة منذ الصِّغر... وكذلك عازفا على البيانو...

استمرّ بذلك حتّى جاء عليه وقتٌ أدَّى وَلَعُهُ بالموسيقى أن يعتقد بأنَّ مستقبله هو أن يصبح عازفا محترفا للبيانو... وقد دَلّت سيرتُهُ ومسيرتُهُ أنْ حقّق ذلك جزئيّا... حيث أصبح في مُقْبل الأيام عازفا بارعا وتمكّن من المشاركة في عددٍ من الحفلات الخاصّة...

وحتّى حين تغيّر الى جانب عملِهِ الأكاديميّ والأدبيّ والفكريّ، حوّل معرفَتهُ بالموسيقى الى ثقافة نظريّة عميقة أهَّلتْهُ لأن يكون ناقدا موسيقيّا كبيرًا... وقد ترك عِدّة كُتب في هذا المجال...

وقد دأب في مقالاتِهِ ومحاضراته ومقابلاته على الحديث عن الموسيقى بوصفها مُكوّنا أساسيّا من مكوّنات الثّقافة الانسانيّة... برزَ ذلك خاصّة في مؤلَّفِهِ عام 1991 "تنويعات موسيقيّة"... وفي ما نَشَرَهُ في مجلّة "ذا نيشن" الأسبوعيّة الأمريكيّة وهي مجلّة اليسار الأمريكي المُثقّف...

طيعا، انطلق سعيدنا كناقد موسيقي بارع من موقف ثقافي واضح، حيث وظّف فيه معرفتَهُ الواسعة بالموسيقى في صوغ أفكارهِ ليس في الأدب والفنّ فقط، بل وفي الفلسفة والتّاريخ أيضا...

تأثّر سعيد بثيودور ادورنو الموسيقي الألماني الشَّهير، فكان له في ما يتعلّق بالموسيقى مفوكو وغرامشي في الفلسفة والفكر السِّياسيّ... فربط معرفتَهُ الهائلة في تاريخ هذا الفنّ بحركة المجتمع... سائرا بذلك على خُطى ادورنو الذي قام من قبل بالرّبط بين الإبداع الموسيقي وبين السياسة في شكلها المباشر مستفيدًا من منهجهِ الماركسي....... لكن من أبرز النّقاط التي تأثّر فيها إدواردنا بادورنو ذلك الرَّبط بين تطوّر الموسيقى الكلاسيكيّة وبين تطور المجتمع الغربي المعاصر...

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب