news-details

ايقاعيّة اللغة

 

 

تتميّز "قصيدة النّثر" بصفة عامّة، بأَنَّها عدلت عن الوزن (والقافية) الذي كان شكلًا ملازمًا للقصيدة التّقليديّة...

كما تجاوزت التَّفاعيل المتنوّعة التي جاءَت بها لاحقا قصيدة "الشِّعر الحديث"، وتكون بذلك قد عملت على إقصاء ما يُسمَّى "بالإيقاع الخارجي"، لتبقى صديقة "وَفِيَّةً" لما يُعرف بـ"الإيقاع الدّاخلي"!!.

ولا يخفى على الرَّاصد الرَّائي أنَّ هذا النَّوع من الإيقاع يخلق ويتنامى من داخل العبارات الشِّعْريّة التي تبني "عمارة" القصيدة وتؤثِّث بناءَها الفَنّي، وذلك حين يتفجّر تلقائيًا من التّجربة الشّعوريّة نفسها للذّات، مِن دون فصل واضح بين الصَّوت والمعنى، أو بين الشَّكل والمضمون...

وقد ذهب عدد من الدَّارسين إلى اعتبار مثل هذا النّوع، أنَّهُ "إيقاع دلالي" عِوَض "الإيقاع الصَّوتي" المكرر الذي يؤدّي تكرار الاستماع إليه إلى الملل...

وعليه، رأى به بعض النّقّاد بأنّهُ إيقاع غير ملموس عبر قواعد وقوانين ثابتة، حيث يخضع لمقوّمات أخرى ترتبط بالفكر والأسلوب وصِيَغ التَّعبير التي ارتضاها الشّاعر لِقوام قصيدته...

ولأَنَّ هذا النّوع من الإيقاع الذي يَعْتَمِدُهُ شاعر قصيدة النّثر، متداخل بطريقة عضويّة مع الكلام الشِّعري، صار من الصُّعوبة بمكان القبض عليه، خاصَّةً وأنّ تداخلهُ وهو يُعبّرعن التجربة يَتمُّ خارج حدود الدّلالة...

ولتأكيد هذه الحقيقة نَعَتَ النَّاقد والمُفكِّر "جون كوهن" قصيدة النَّثر بـ:

"القصيدة الدّلاليّة"...

هذا، ومِنْ خلال ما نتلمَّسهُ في جرس الألفاظ وتناسقها وانسجامها نقف عند نوعين مِنَ الإيقاع:

1 – إيقاع الصَّمْت = ونقصد به "التّشكيل البصري" للقصيدة، والاهتمام بهندسة البياض، خاصة وأَنَّ الصمت هو إيقاع وبلاغة ودلالة، ويتجلّى بوضوح في الكتابة المطبعيّة؛ أي عمليّة "تنضيد النَّصّ" على مساحة البياض...

2 – إيقاع الصَّوت = وهو إيقاع تبرز فيه تعالقهُ مع اللّغة، ودورُهُ البارز في إدراك المعنى، وثمّ تحصيل الدّلالة...

ولا بُدّ ونحن في هذا الصّدد نُميّز بين نوعين من الايقاعات، وهما: "الايقاعات المتجانسة"، التي تُثَبَّت بالتكرار و"الايقاعات المتنافرة" التي تبنى على تناوب السِّمات من خلال خاصتي التّوازي والتكرار...

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب