news-details

توأمة الاستقلال والحداثة

 

 

لا استقلال بلا حداثة ولا حداثة بلا استقلال، ولا حداثة مستقلة دون نموذج يُحاكيهِ المُسْتقلّون حديثا...

وهذا ما دفع طه حسين في كتابهِ "مستقبل الثَّقافة في مصر" (1938) أن يُؤكّد بحتميّة كَوْن البلد المستقل حديثا...

ثمَّ يضيف الى ضرورة تقبُّل مُعْجم أبجديّة التقدُّم والرُّقي والإصلاح من خلال اعتناق مبادئ وتعالم الثَّورة الفرنسيّة، التي شَكَّلت برأيهِ النّموذج الحداثي الأكثر صفاء، والذي قال بأشياءَ مُتعدّدة على امتداد عقود طويلة...

وقد شدّد عميدنا على مبدأ: "حقوق الإنسان والدّولة القوميّة"...

لذا يبدأ طه حسين حديثا واضحا في مُنْجزهِ عن حقوق الإنسان في العدالة والمساواة والإخاء، وعن وظيفة الدّولة (وقد قصد مِصْرَهُ) في ترجمة هذه الحقوق نظرا وعملا...  فسجّل بأنَّ شرط الدولة الديمقراطيّة هو التّعليم المجّاني المًوسّع، لأنَّ تعلّم الديمقراطيّة واحترام قواعدها لا يتّفقان مع شعب أكثريتُهُ أميّة جاهلة... وهذا يتّفق مع ما قاله المفكّر توكفيل: "لا يمكن اشتقاق مجتمع مدني من مجتمع للعبيد!".

لذلك نراهُ يسوق خطابَهُ في تسَلْسل منطقي، مميّزًا بين أنواع البشر وأنواع الأوطان وأنواع التّعليم وأنواع الحكّام والمحكومين... فيقول بنَبْرةٍ مفعمة بالتَّحريض: "والرّجل الذّليل المهين لا يستطيع أن يُنتج إلّا ذُلّا وهوانا، والرجل الذي نشأ على الخنوع والاستعباد لا يُمكن أن يُنتج حريّة واستقلالا...".

طبعا، وقياسا على ما سبق نُضيف: أنّ الانسان الجاهل المُقيّد لا يُنْتج إلّا وطنا يستسيغ الجهل ويستعذب السَّلاسل والقيود والقضبان!

وهنا، ظلَّ عميدنا يُردّد واقعا أليمًا، ما زالت مجتمعاتنا العربيّة تكتوي بنارهِ حتّى يومنا هذا، واقعًا يقول: بأنَّ كثرتنا العربيّة لا تزال جاهلة جهلا مطلقا!

ولأنّه كان يعرف مَنْ المسؤول المباشر عن انتشار هذا "الوباء"... سارع الى سؤال "كبار القوم"، إذا كان في التّعليم ما يردّ الى حقوق الانسان، فلماذا "أيّها الكبار" لا تجعلون التّعليم كلَّ التعليم حقّا للشّعب كلّ الشّعب؟!

إذا، لا بُدّ أن أعود أيّها العميد الى تمييزك بين استقلال نافع واستقلال جاهل، ثُمّ أُعرِّجُ الى كتابكَ "قادة الفكر" (1925) لأرفع صوتي عاليا:

حان الوقت، وآن الأوان، في هذا الزّمن العربيّ الرَّديء، أن نَعْهد، كما طالبتَ، الى "المفكّرين" بقيادة انساننا الى أرض الحقيقة حتى نجتثَّ ونستأصل كُلَّ "استقلال جاهل" وقد صدقت حين رأيت به "أكثر شرّا من نقمة الاستعمار"...

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب