"يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" صدق الله العظيم. رحل عنا رفيقنا وأخي وصديقي وشريكي في الهموم والتحديات والهمم أبو صالح رياض عطالله ابن قرية يركا العزيزة، والذي قًدِّر لنا ان نترافق ونتصادق ونتآخى منذ نعومة اظافرنا، وبحكم علاقة أهلنا، المرحومون جدي أبو فارس سليمان سيف ووالدي أبو معذا سلمان سليمان سيف ووالده العم أبو رياض صالح عطالله الملقب بالأسمر، ومن حينه نشأت وتنامت وتطورت هذه العلاقة المميزة وترسخت يوم بعد يوم وبقيت متينة وعميقة وثابتة على مدى السنين، كبرت معنا وكبرنا معها، حتى لحظة وفاة هذا الأخ الذي لم تلده امي امس 12.11.2023. البيدر هو الغلة والمحصول، بيدر رفيقنا أبو صالح، بشكل عام، كأي بيدر لأي كادح عربي في وطننا الذي لا وطن لنا سواه، كلنا نغرف ونعاني من محيط التمييز والعنصرية والفاشية، هذا بالمقياس المبسّط والعادي، ولكن عندما نوسع ونمعن بالتفاصيل نحو الجوهر والجواهر، برؤيا أكثر شاملة وبدقة، بالنسبة لفقيدنا تتكشف لنا حقيقة أخرى مذهلة وعابقة، عندها نكتشف اننا بصدد مناضل ومثقف وانسان واعي وواسع المعرفة والعلوم عالي الهامة والهمة، شخص فوق العادي في هذا الكادح وكأنه "عادي" لما كان عنده من تواضع تلك السنابل الملياني والحانية رؤوسها، تحلى بصفات ومزايا تضفي عبيه هذه الهالة.. التي في حياته لم يقبل ان يراها احد، كان أبو صالح : الكريم، المثقف، المنضبط الاخلاق والنهج والسلوك، البعيد بعد الأرض عن السماء عن المنفعة الضيقة والمنافع الرخيصة التي هي أساس كل خلل، ملتزم كالعُبّاد بالمصلحة العامة، ملتزما بما كان يقوله ان العام يشمل الخاص ولا يمكن ان يكون العكس بالمرة..، كله خير وعمل خير، مضحي ومعطاء بسخاء، خاصة للقضايا الوطنية والطبقية.. وبالأخص عندما كنا نقوم بواجب تنظيم حملات الإغاثة لأبناء شعبنا في المناطق المحتلة على وجه الخصوص، شجاع ومقدام في كل الساحات والقضايا.. ولكن ليس من باب التهور بل عن وعي ومعرفة وادراك ومسؤولية، مستقيم وكريم الاخلاق واليد، كرس كل مشاعره وحبه لأهله ولشعبنا الفلسطيني ولقضايانا الوطنية بكل طاقاته الكبيرة والخارقة وغير المألوفة، دافع ورفع راية الحق والحقيقة ومن منظور طبقي ووطني وقومي وتقدمي، بجرأة وفي كل مناسبة وموضوع وحالة وحدث، متسلحا بالمعرفة والاطلاع الواسع الذي كان يتعب عليه بكل جوارحه وشهيته الكبيرة للمطالعة والتأليف. راحلنا أبو صالح يفوح بالطيب كما الميرامية والريحان والورد الجوري، كان مناضلا يركاويا ثابتا صبورا.. كزيتونة سورية معمرة ومتحدية للتحديات والنوائب، مثابرا جلمودا شامخا ومقداما.. ضرغام نضال، مولع بحبه وتفانيه لأسرته ان كان للمرحومة ام صالح ولأنجاله صالح ونصر واختاهما، كما أحبتهم امهم المرحومة والتي رحلت عنهم مبكرة ومنذ 14 عاما، بعدها رفض أبو صالح الزواج بأخرى، بل حبه لهم زاد حيث اصبح الاب والام لهم في آن... هذا غيض من فيض مما كان عند هذا الطيب المتواضع والجندي الوطني والاصلاحي المجهول، خصال ومزايا قلما تجتمع في شخص واحد كما عنده. جانب آخر ويسير مما تحلى به رفيقنا أبو صالح من مآثر ومواقف وحكايات، فيها ان تعكس جزء من رصيده الغني وبيدره الكبير، خاصة عن دوره الرياديّ والقيادي، عامة وما بعد بعد.. حيفا.. وخاصة نشاطه ودوره في صفوف لجنتنا - لجنة المبادرة العربية الدرزية، المميزة وطنيا ووحدويا وبنشاطاتها التي لامست كل الوطن وكل المجالات، كان أبو صالح من انشط اعضاء السكرتارية، بالإضافة لنشاطه في جبهتنا الديمقراطية للسلام والمساواة، كون الجبهة هي امتدادنا الوطني والتقدمي والتنظيمي، لأن لجنتنا هي مركب من مركباتها، نشاطه في اللجنة بدأ منذ تأسيسها عام 1972، والكل يعرف ان برنامج اللجنة الذي تلخص ب 4 مطالب أساسية، كان وما زال، يشكل المحور الأساسي لكل النشاطات والمواقف النضالية التي ما زلنا نطالب بها ونعمل على تحقيقها لنستل حقوقنا ومصالحنا من فم الوحش الصهيوني العنصري بامتياز، والجديد في الامر انها أصبحت مطالب شعبية يطالب بها الآن كل مجتمعنا، بما فيه غالبية من هم محسوبين مع سياسة السلطة، بدءا من مصادرة الأراضي التي طالت 83% من أراضينا الخاصة و 100% من أراضي المشاع، (في بيت جن تعدت المصادرة ال 87,5% )، او منعهم الرخص والترخيص لبيوت عائلاتنا، اذ انه من 50 الف بيت عربي بدون رخص، 25 الف منها موجودة في قرانا الدرزية الفلسطينية، أي 50% من عامة البيوت العربية المهددة بالهدم بحكم قانون كامينتس العنصري والفاشي هي في القرى الدرزية!، في حين ان نسبة دروز فلسطين من عامة فلسطينيي ال 48 هي فقط 8,3%، المطالبة بالمساواة المفقودة حتى اليوم..!؟ نعم حتى اليوم ولم يشفع التجنيد الاجباري ابدا..، عدم التدخل في شؤوننا الدينية والقومية، هذا التدخل السلطوي الفض والسافر والمهين والمٌضّر، لكونه هو السبب في انشاء المسخ الذي يسمى " جهاز التعليم للدروز"، مسخ جاء لنا بمحاولة خلق هوية قومية هجينة سخيفة منقطعة ومتنكرة لأصولنا وجذورنا العربية، التي لا لبس فيها – " قومية درزية إسرائيلية صهيونية" ولا تقرفوا، وبالتالي حصول الدمار الذي لحق عقول وتحصيل شبابنا وحاضرهم ومستقبلهم، اذ لم تتأخر النتيجة المدمرة لهذه الجريمة، حيث اثبتت الدراسات ان دروز فلسطين هم الأقل تحصيلا علميا، في مقياس الألقاب الجامعية، من بين كل فئات المجتمع المختلفة في البلاد. رفض التجنيد الاجباري المفروض والمرفوض فقط على شبابنا العرب الدروز، استثناء مدروس ومدسوس، فرضته المؤسسة الإسرائيلية، بالقوة القانونية والسلطوية وبالأساس الاقتصادية، خاصة بعد مصادرة ارضنا ومنع شبابنا من العِلِم ومن العمل في محلات عمل، سوى اذرع الأمن، أي فتح باب العمل بالأساس في مجالين كرسا لهذه الشريحة الفلسطينية - الحراسة والكناسة، أي حطابي وسقائي الماء العصريين لدى الصهيونية، وكما علق على هذا الحال المبني والشاذ احد المتهكمين على هذا الواقع المرير، مع احترامنا ومعزتنا لكل عمل وعامل، لكن الاحترام يكون عندما يتناسب مع حجمنا ونسبتنا، اذ انه في احدى قطاعات الحراسة في البلاد كان 70% من موظفيه من العرب الدروز!!، حال لا يمكن لا قبوله ولا التعايش معه. كذلك كنا وما زلنا من ومع الموقف والمطالبة بالسلام العادل والشامل والذي يضمن حصول شعبنا الفلسطيني على حقوقه التي تقرها العدالة وأيضا القانون والشرعية الدولية، والذي منع تحقيقها وما زال الغرب الرأسمالي الخنازيري والصهيونية العدوانية والمتغطرسة بدعم الغرب وتخاذل وتآمر الرجعية العربية الحقيرة والذليلة، مما منع قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، تخيلوا لو تحقق هذا المطلب العادل حتى ولو بحده الأدنى، لما كنا نعيش اليوم مآسي الإبادة الجماعية التي تحصل ولا باقي جرائم الاحتلال والمستوطنين وهضم حقوقنا ومحاولات تهجيرنا في هذه الايام بالذات ؟، ولما كانت حرب " طوفان الاقصى" وما فيها وما منها، رغم التوقعات والاسقاطات والتطورات المرتقبة والمتوقعة، محلية وعالمية، آتية وستكون عاصفة وعظيمة. في كل هذا كان رفيقنا أبو صالح ركيزة وركن من اركان هذا النشاط وهذه المواقف، سويا مع باقي رفاقنا واصدقائنا حرثنا ارض الوطن من شماله الى جنوبه ومن بحره الى نهره، كي نوصل هذا الفحوى النضالي ونشهره ونطبقه، في سبيل رفع الضيم والظلم عن الناس وخاصة عن شعبنا ومن خلال تقوية وحدته وضرب سياسة فرق تسد الحكومية لتتلاحم مكونات شعبنا والقوى الديمقراطية اليهودية، أبو صالح ورغم انه جندي "مجهول" لكنه كان له فيه حصة الاسد. من الضروري ايضا ذِكِر ما قدمه أبو صالح من نشاط ومواقف هامة وعامة تخص كل قضايا شعبنا وثوابته، مما كلفه 10 سنوات من الأسر، ليكون بذلك أحد مناضلي شعبنا الافذاذ، وجزء لا يتجزأ من حركته الاسيرة الشريفة والمتفانية، لأن الشهداء والاسرى والجرحى هم الخير والأخيار لدى شعبنا لأنهم اكثر من ضحوا واعطوا للوطن والمواطن، وأبو صالح ينتمي لهذه الشريحة الشريفة والمتفانية، لا بل احد قياديها وناشطيها. رحيل الرفيق رياض، المؤلم والأليم، شَكّل ضربة قاسية وموجعة، لكل هذه القضايا والمواقف والنشاطات، خاصة للجنة المبادرة وجبهتنا الديمقراطية للسلام والمساواة، واحدث عندنا فراغ كبير، خاصة انه وخلال الشهر الأخير أيضا فجعنا بفقدان الرفيقين المرحومين والخالدين العزيزين والهامين، الشاعر والإعلامي المميز أبو مروان سهيل قبلان ابن بيت جن، والمربي والشاعر والاديب الكبير أبو راشد حسين مهنا ابن بلد الشعراء البقيعة، بقيعة الصمود، الامر الذي يتطلب بكل الحاح سد هذا الفراغ الكبير والمؤلم، من هنا أتوجه للجميع، وبدون استثناء، وخاصة للشباب والنساء من اهلنا، ثبتوا ودعّموا هذا الخط الوطني والتقدمي والنضالي الشريف والعريق، انضموا الى صفوف اللجنة وداعميها، لأنها وبكل صدق وثقة، هي البوصلة والمنارة والنور، الذي يضيئ عتمة الظلام وينير طريق مقارعة الظالمين، والنار التي فقط هي وبها ممكن حرق المظالم والمآسي الخانقة للجميع والمانعة عنا العيش الطبيعي والحياة العادية، لأن سياسة الظلم والعنصرية والفاشية والآن الفصل العنصري المستشري، والتي طالتنا منذ 75 عام، ليس فقط انها لن تزول من حالها، او بخاطر وحسن نية من المكوّن الصهيوني الذي يزداد تطرفا وعنصرية، مرشحة ان تزيد ظلمنا وهي اليوم تعمل بكل جدية على انجاز مشاريع تهجيرنا، القديمة، من وطنا الذي لا وطن لنا سواه، صحيح هذا لن يكون مهما كلف، لم ولن تنجح، كما فشلت محاولاتها منذ عام 1932 وبعدها.. تجربة ال 48 وال67 لن تعود، ولنا في مجريات الحرب الحالية الدرس والعبرة والتأكيد، لأن المحافظة على ارث أبو صالح ومن سبقوه من قاداتنا طيبي الذكر المغفور لهم الشيخ فرهود فرهود ومحمد نفاع وسميح القاسم وسلمان ناطور وعاصم الخطيب وصياح كنعان وشفيق الزاهر ومفيد قويقس والعشرات لا بل المئات من الذين رحلوا والآلاف الداعمين لهذا الخط تؤكد صحة وفائدة هذا النداء ووجوب التجاوب معه، اذا احكمنا التصرف والتصدي المنظم، بنظري، لتكون لجنتنا\لجنتكم وامتدادها، هم العنوان والبيت الدافئ والآمن اكيد عندها سنتفادى الخطر الوجودي هذا، وسيرة راحلنا رياض والذين سبقوه وامثاله من شرفاء شعبنا تؤكد وتستوجب هذا. يبقى عزاؤنا بهذه السيرة الفذة وهذا النهج والسلوك المتواضع والهادئ والعالي القيمة والمقام، وبأسرته الطيبة وانجاله صالح ونصر والاخوات والاحفاد اطال الله بأعمارهم، وبلده الطيب والعظيم يركا. نعزيهم ونعزي أنفسنا وجبهتنا وحزبنا الشيوعي والحركة الاسيرة وكل ابنا شعبنا برحيل هذا المناضل الشريف. لتبقى ذكراك خالدة يا اعز الرفاق (كاتب المقال رئيس لجنة المبادرة العربية الدرزية)