news-details

يوم اللغة العربية: بكاءٌ عَ الهَدى وقد لا يَسمع حدا

 

صادف في 18.12.2020 اليوم العالمي للغة العربية حيث توالت الأمور للوصول إلى هذا اليوم تطورات عديدة منها: أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً عام 1973، رقم 3190 يقضي بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك في أعقاب اقتراح المملكتين السعودية والمغربية في نطاق انعقاد الدورة رقم 190 لمجلس منظمة اليونيسكو التنفيذي التابع للأمم المتحدة.

وكذلك في عام 1960 أقرت اليونيسكو استخدام اللغة العربية في مؤتمراتها الإقليمية التي تقام في الدول الناطقة باللغة العربية وترجمة منشوراتها ووثائقها الأساسية إلى اللغة العربية، وبعد ستة سنوات تقرر تعزيز مكانة اللغة العربية في اليونيسكو بتوفير خدمات الترجمة الفورية إلى هذه اللغة ومنها إلى لغات أخرى، وبعد سنتين أي عام 1968 إعتُمدت اللغة العربية بشكل تدريجي لغة عمل أُسوة بباقي اللغات المعمول بها إضافةً إلى بدء الترجمة للوثائق والمحاضر الحرفية بشكل فوري إلى اللغة العربية، وفي شهر تشرين أول عام 2012 ولدى انعقاد الدورة ال190 لمجلس اليونيسكو التنفيذي تقرر نهائياً تحديد يوم الثامن عشر من كانون أول يوماً عالمياً للغة العربية للمرة الأولى في التاريخ، وبعد ذلك بأقل من عام واحد وبالتحديد في 23.10 من عام 2013 أقرّت الهيئة الاستشارية للبرنامج الدولي لتنمية الثقافة العربية باسم "أرابيا" والتابعة لمنظمة اليونيسكو بأن يكون اليوم العالمي للغة العربية أحد الفصول الأساسية في برنامج عملها السنوي.

وإذ نحتفل جميعاً بهذه المناسبة الثقافية والتربوية العطرة، لا بد من التطرق إلى ما آلت اليه اللغة العربية في العقود الأخيرة، حيث أرى حاجة ماسة إلى مراجعة أوراقنا جيداً للحفاظ على هذه اللغة حالياً ومستقبلاً كما كانت، ولنعود الآن إلى عنوان المقال.

"البكاء عَ الهَدى وقد لا يسمع حدا"، انه بكاءٌ من نوع اخر لا يصدر عن بكاء الذات، وقد لا يتفوه به امرئ وانما هو بكاء اللغة العربية تزاوله يوميا على مدار الساعة تقريبا، وهذا البكاء لا يشعر به كل الناس جميعا لأسباب عديدة نحن لسنا بصدد ذلك في هذه العجالة.

   هذه اللغة العربية المعروفة بلغة الضاد تُعد من أقدم اللغات السامية على الإطلاق، وقال تعالى في كتابه الكريم: "إنا انزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون". وهذه اللغة اكثر اللغات السامية تحدثا واغزر اللغات أيضا بالمفردات، حيث انها تحتوي على نحو12 مليون كلمة، وهي اكثر اللغات انتشارا في العالم، ويتحدث في هذه اللغة نحو467 مليون انسان، والناطقون باللغة العربية في العالم يصل عددهم ما يقارب 300 مليون انسان، واللغة العربية الفصحى التي كُتبت بها النصوص العربية والى جانبها اللغة العربية العامية والدارجة التي تُحكى بلهجات عديده محلية، واللغة العربية الفصحى الحديثة، واللغة العربية القياسية الحديثة او ما تُسمى فصحى العصر وتسمى باللغة الإنجليزية "اللغة العربية الفصحى".

  مع كل هذه التعريفات للغة الضاد توجد تعريفات ومعلومات أخرى كثيرة تدعم لغة الضاد وتعطيها حقها بين لغات العالم حيث تحظى بمكانة مرموقة بين لغات هذا العالم الواسع.

  وفي الحقيقة لا ازيد تعريفا في هذه السطور لان اللغة العربية غنية عن تعريف إضافي، الا انني اود ابداء بعض الملاحظات فيما يحدث لهذه اللغة في الظروف الراهنة والتي ينبغي ابرازها ووضع النقاط على الحروف من باب الأهمية في هذا السياق. فكتاب كثيرون يفقهون لغة الضاد ويعطونها حقها غير منقوص من حيث اصول اللغة وقواعدها واللباقة في الكتابة التي تظهر وتبرز أيضا صحة اللغة وصحة استعمالها واعطائها حقها في اللفظ الصحيح والحقيقي من ناحية القواعد والأداء السليم، الا اننا أيضا أيها القراء الأعزاء نرى ونلاحظ بين السطور لدى الكثيرين من الكتاب والخطباء من مختلف الاطياف الأدبية والصحفية ومن خلال النقاشات اليومية والجدالات حتى بين الضليعين باللغة وبين المتضلعين في هذه اللغة فهنا حدث ولا حرج!

       فكثيرة هي الاخطاء اللغوية ان كانت في اللغة المكتوبة او المسموعة والمرئية والمقروءة من على وسائل الاتصال المتنوعة وخاصة الحديثة منها، وفي كثير من الأحيان حتى تُقرا خطا وُتكتب أيضا خطا وليست بموجب القواعد الصحيحة للغة الضاد، هنا من يفقه اللغة يسمع بكاءها عَ الهَدى وجل السامعين لا يدركون ذلك أبدا او ان الامر لا يعنيهم.

 وأستميحكم عذراً زملائي الذين يتبوؤون مناصب اجتماعية، ثقافية، تربوية وسياسية، أرجوكم بربكم إنصاف اللغة ومراعاة اصولها جيدا لأننا نضفي بذلك رونقا إيجابيا أكثر في صحة اللغة واصولها.

   يعذرني القراء جميعا لأني هنا بصدد الملاحظات وليس بقصد التعرض لأي كان لا سمح الله، وانما لتبادل بعض منها.

   وقد نقرأ من على صفحات الجرائد على اختلاف أنواعها الكثير من الاخبار وربما المقالات التي تشعر انت أيها القارئ، ايتها القارئة ببكاء اللغة الهادئ يا حرام!!  ولا مَن يكترث بذلك، فالأخطاء في الاملاء والقواعد تنتشر هنا وهناك فبربكم هذا يليق بلغة ال 12 مليون كلمة؟  

وهل يليق بهذه اللغة ان يتحدث بها إنسان أياً كان وربما يكون يعمل في صحيفة او مؤسسة تعليمية او إعلامية او غير ذلك بكلمات يجب ان تأخذ حقها في اللفظ الصحيح وكأنه لا علم له بهمزة القطع والوصل مثلا وأين موقف الجار والمجرور والمبتدأ والخبر وغيرها من دروب أصول اللغة والنحو الصحيح؟

فاللقاءات الأدبية والصحفية والإلقاء فيهما وحتى في مواقع الخطابات وإلقاء الكلمات والأسئلة والإجابة عليها في بعض الأحيان، هنا يستوجب الامر تقييماً فوريا من قبل ذوي الشأن واستخلاص العبر على طريق التحسين للأفضل بهذا السياق.

   هنا البكاء ثانية وثالثة عَ الهَدى وتنتهي الكلمة والخطبة والنشرة والمقالة وغيرها في هذا المضمار وكأن شيئا لم يكن!   

  ففي نظري للتخفيف من هذا البكاء عَ الهَدى يجب العمل على إعادة النظر في سبل وطرق اعداد وانتقاء الكوادر الفاعلة عن طريق دورات ارشادية يشرف عليها لغويون في نطاق الحرص على سلامة وصحة الأداء ورفقا باللغة لأنه من حق السامع ان يسمع الكلام الصحيح والموزون في ظل الأداء المدروس والمنقح ليخلو من الأخطاء اللغوية والتي تظهر لدى لفظها خطأً وربما تكون مكتوبة بشكل صحيح والمشكلة في الأداء!

     وعليه أرجو ان تلقى هذه اللفتة الخاطفة اذاناً صاغية لدى المسؤولين واولي الامر، ومرةً اخرى بدون أي قصد للمس بأي كان والهدف الأول والأخير في هذا المجال هو الأداء السليم وإنصاف اللغة من الأخطاء التي تُسمع تقريبا وُتقرأ أيضا بدون انقطاع.

واقولها صراحةً: رفقا بلغة الضاد، هذه اللغة التي   يترتب قراءة كلماتها بالفصحى وان قُرأت كذلك يجب ان تكون على أصولها، عندها فعلا نتمكن جميعا من وضع حد للبكاء ع َالهَدى والمفروض ان يَسمع حدا انشاء الله، والعرب والناطقون بالضاد بحبهم لهذه اللغة منذ العصر الجاهلي الذي اشتهر فيه العرب بالتباهي بمدى معرفتهم لقواعد هذه اللغة وتطبيق نواحيها وخاصة في الشعر الجاهلي.

  كل هذا وغيره، مما تستحقه هذه اللغة المصنّفة من بين أصعب خمس لغات في العالم، حيث انها تُعرف بكثرة وجود القواعد اللغوية، الإملائية والنحوية فيها، ولان هذه اللغة العربية الفصحى هي واحده من اللغات السامية القديمة والتي تقسم الى سامية شرقية وسامية غربية، تعتبر لغتنا هنا من اللغة السامية الغربية الوسطى وهي من أقدم لغات العالم الافروأسيوية التي يتحدث بها أبناء القارتين أفريقيا وآسيا منذ العصر الحجري.

  وبالإضافة الى ذلك كله، علينا الا ننسى ان هذه اللغة العربية الفصحى هي التي وحّدت كل اللهجات العربية رغم صعوبة واختلاف هذه اللهجات لأنها لغة مرنة أيضا، فمِن جذر الكلمة الواحدة نستطيع استنباط العديد من الصفات والأفعال كما يعلم الكثيرون.

  لذا علينا جميعا ومن مختلف الأُطر الفاعلة كلٌ في مجال عمله وبجدية مقاومة الظواهر السلبية في هذا السياق بغية التحدث والإلقاء والأداء وفي كل مناسبة كي نعطي هذه اللغة الفصحى حقها كاملا غير منقوص، ذلك نزولاً عند المسؤولية في الحفاظ على مصداقيتها وبشتى الوسائل لصيانتها وتدعيمها كما تعوّد السالفون من لغويين ونحويين لضمان استمرارها ماضياً، حاضراً ومستقبلا والله الموفق.

                                                         *نائب رئاسة اتحاد تعليم الكبار

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب