كريات شمونة تذبل، ورغم أنها مدينة تُعد معقلًا لليكود، ومع أننا على أعتاب سنة انتخابات، فإن وضعها المتردي لا يهم السياسيين. ولا يهم، على وجه الخصوص، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي لم يزر المدينة منذ أكثر من عام، بل يتيح لنفسه ولوزير ماليته بتسلئيل سموتريتش أن يمعنا في إيذائها وإيذاء سكانها. هذا بالضبط ما فعله الوزير سموتريتش هذا الأسبوع، في إطار قرار الحكومة إقامة هيئة لإعادة إعمار الشمال أخيرًا. فعلى الرغم من مرور أكثر من عامين على اندلاع الحرب، ليس هناك بعد خطة خماسية لإعادة إعمار الشمال. هناك 15 مليار شيكل خُصصت، نُفِّذ جزء منها في قرارات جزئية، لكن لا توجد خطة شاملة. أما 6.8 مليارات شيكل، المخصصة للاستثمار في بلدات الشمال الواقعة على بُعد حتى 9 كيلومترات من الحدود ومن ضمنها كريات شمونة فما زالت تنتظر في خزائن وزارة المالية إلى حين إعداد خطة لكيفية استخدامها. لبناء خطة إعادة إعمار، لا بد من هيئة تتولى ذلك. ولم توافق الحكومة إلا هذا الأسبوع على إقامة هيئة جدية تبدأ بإعداد خطة خماسية كهذه. هيئة "تنوفا" القائمة في الشمال – وهي هيئة بلا ميزانيات أو موظفين – أُلحقت بهيئة "تكوما" المسؤولة عن إعادة إعمار غلاف غزة، بحيث أصبح رئيس هيئة "تكوما"، أفيعاد فريدمان، أيضًا رئيس هيئة "تنوفا". الهيئة الجديدة "تكوما–تنوفا" حصلت على إضافة بنحو 30 وظيفة، وإدارة مزدوجة تدير الهيئتين في آن واحد، وميزانية تشغيلية بنحو 50 مليون شيكل سنويًا. لكنها، في المقابل، لم تحصل على صلاحيات إضافية، وبقيت هيئة محدودة الصلاحيات مقارنة بهيئة "تكوما" الجنوبية. فـ"تكوما" تعمل في غلاف غزة بموجب قانون منحها صلاحيات تنفيذية واسعة، وتتمتع باستقلالية ميزانية وتنفيذية عن بقية الوزارات. أما الهيئة الموحدة في الشمال فتعمل بموجب قرار حكومي فقط، ومن دون صلاحيات مستقلة، وستضطر إلى تنفيذ كل أعمالها عبر الوزارات القائمة، ما يجعلها حتمًا أقل نجاعة وأكثر بطئًا في دفع إعادة إعمار الشمال. هناك مشاكل أخرى مقلقة في قرار إقامة الهيئة الجديدة، وعلى رأسها توزيع الميزانيات. فمن أصل 15 مليار شيكل خُصصت لإعادة إعمار الشمال قبل عام، يحدد القرار أن 11.4 مليار شيكل ستُمنح لبلدات الشريط الشمالي الرئيسي (0–9 كيلومترات من الحدود اللبنانية، بما فيها كريات شمونة)، إضافة إلى 700 مليون شيكل للجولان وكتسرين (أي المستوطنات - المترجم). (جزء من هذه الميزانيات نُفذ بالفعل، وبقي للشريط المذكور 6.8 مليارات شيكل). وماذا عن بقية الميزانية – 2.9 مليار شيكل؟ قرار الحكومة هذا الأسبوع نص على أن هذه الأموال، التي كانت حتى الآن تحت صلاحية زئيف إلكين، الوزير المسؤول عن إعادة إعمار الشمال، ستُنقل إلى صلاحية مكتب رئيس الحكومة، وتخضع لمعايير "أولوية وطنية". بكلمات أخرى، نتنياهو أخذ لنفسه "مصروف جيب" بقيمة 2.9 مليار شيكل، ينوي توزيعه خلال سنة انتخابات على مدن مختلفة في الشمال وفق هواه. القيود الوحيدة عليه: معايير قانون الأفضلية الوطنية، وأن تكون المدن شمالية – لكن فقط تلك البعيدة أكثر من 9 كيلومترات عن الحدود اللبنانية. حتى مدينة تبعد 50 كيلومترًا عن الحدود يمكن اعتبارها "شمالًا"، إذا قرر نتنياهو ذلك. وبعبارة صريحة، نتنياهو "سحب" من سكان كريات شمونة ومدن الحدود اللبنانية 2.9 مليار شيكل، لخدمة احتياجاته السياسية. على ضوء ذلك، ليس مستغربًا أن ينضم سموتريتش هو الآخر إلى "الاحتفال" ويسحب ميزانيات مخصصة لسكان الشمال لأهدافه السياسية. هذا ما فعله بالضبط، بالتعاون مع نائبه في وزارة المالية يسرائيل ملاخي. ففي إطار قرار إقامة هيئة "تكوما–تنوفا"، تقرر تخصيص نحو 30 وظيفة جديدة، عبر تقليص أفقي بنسبة 0.3% في الوظائف في جميع الوزارات الحكومية. لكن هذا التقليص، الذي أغضب بقية الوزارات، لم يكن مخصصًا فقط لاحتياجات هيئة إعادة إعمار الشمال. ويتضح من تفاصيل القرار أنه إلى جانب الوظائف المخصصة للهيئة، ستُخصص أيضًا 41 وظيفة لـ"تنظيم تسجيل الأراضي في الضفة"، وثلاث وظائف لقسم المؤسسات الدينية في وزارة التربية والتعليم، وأربع وظائف لهيئة "الهوية اليهودية" في وزارة الاستيطان برئاسة الوزيرة أوريت ستروك. وما علاقة تسجيل الأراضي في الضفة، أو الهوية اليهودية، أو المؤسسات الدينية بإعادة إعمار الشمال؟ لا علاقة. سموتريتش وملاخي يستغلان ببساطة ميزانيات إعادة إعمار الشمال لتدبير عشرات الوظائف الإضافية التي تخدم حلم ضم الضفة الغربية وقاعدة "الصهيونية الدينية". يستخدمان قرار إعادة إعمار الشمال لإخفاء نواياهما الحقيقية: تحويل مزيد من الميزانيات الائتلافية إلى قاعدتهما السياسية. هذا إخفاء متعمد، وسوء استغلال، وجبن سياسي. لا مشكلة لدى سموتريتش في الإضرار بسكان كريات شمونة لمصلحة المستوطنين، لكنه يحرص على إخفاء ذلك جيدًا في هوامش قرار إعادة إعمار الشمال كي لا يُكشف الأمر. ونذكّر بأن هذه هي المرة الثانية خلال أسبوعين التي يضحي فيها وزير المالية بسكان كريات شمونة على مذبح مصلحة المستوطنين؛ إذ سبق أن روّج لتخفيضات ضريبية للمستوطنين، وهو يعلم أن أي امتياز كهذا يضر بجاذبية الامتيازات الضريبية لبلدات حدود لبنان. وليس وحده في ذلك: فالوزير إلكين نفسه دعم قبل أسبوع منح امتيازات ضريبية لسكان نوف هجليل، ما أضر بشكل خطير بالحوافز لإعادة السكان إلى الشمال. لا مفر من الاستنتاج بأن سكان كريات شمونة "مضحوك عليهم": فهم مؤيدون أوفياء لليكود، لكنهم لا ينالون شيئًا مقابل ذلك. بل على العكس، حكومة الليكود لا تحسب لهم حسابًا، ربما لأنها تراهم جمهورًا أسيرًا. من مكتب وزير المالية جاء الرد: "هذا خطأ في فهم القرار، الذي يتكون من قسمين. في القسم الأول جرى توحيد الهيئات، وفي القسم الثاني – من دون علاقة – تمت إضافة وظائف للوزارات الحكومية، في إطار توزيع أفقي للوظائف، من بين أمور أخرى لصالح إعادة إعمار الشمال. لا توجد علاقة بين إضافة الوظائف والميزانيات المخصصة لإعادة إعمار الشمال. كما أنه في إطار مناقشات الميزانية اتُّخذ قرار بإضافة ميزانية مخصصة لإعادة إعمار الشمال والجنوب".