توجد لنتنياهو مصلحة في فشل المفاوضات غير المباشرة في فيينا بين الولايات المتحدة وإيران. وحسب كل الدلائل، الى جانب عمليات سرية ضد طهران فان رئيس الحكومة ينوي العودة الى الافعال التي قام فيها في 2015 من اجل تعويق وافشال الاتفاق النووي: مواجهة مع الرئيس الامريكي واتهام الولايات المتحدة بالتسامح والضعف والذهاب الى الكونغرس
في الايام الاخيرة ترسخت الحكمة الشائعة حول التصعيد المتعمد ضد إيران، التي بحسبها يتصرف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بدافعين: الدافع السياسي وهو خلق اجواء طوارئ امنية من اجل تحسين المناخ السياسي الاشكالي الذي هو غارق فيه، ومحاولة تشكيل حكومة. الدافع السياسي وهو احباط وتعقيد المفاوضات غير المباشرة التي تجري في فيينا بين الولايات المتحدة وإيران حول عودة الطرفين الى المسار والى إطار الاتفاق النووي، وخلال ذلك خلق مواجهة مع الادارة الامريكية التي هي ايضا، حسب هذه النظرية، ستساعده في الساحة السياسية.
حتى لو كانت هناك مبالغة في تشخيص هذه الدوافع، إلا أن احتكاك زائد مع الولايات المتحدة هو أمر مؤكد.
إيران هي الموضوع المحدد والمؤسس لنتنياهو منذ الأزل وبعد أن تلاشى سحر "فقط أنا من جلبت اللقاح" وعشرات "المحادثات الودية مع اليهودي الدافئ البرت (بوريلا، المدير العام لشركة فايزر)"، ولكن من الطبيعي أنه في فترة ضائقته سيتوجه مرة اخرى نحو ايران. توجد له مصلحة اساسية في الحفاظ على مستوى العداء والتوتر مع إيران. سواء لأنه يؤمن بذلك أو لأن هذا يخدمه.
بالنسبة لنتنياهو السنة هي دائما سنة 1938، إيران هي المانيا النازية، وهو نسخة محدثة عن ونستون تشرتشل. ضد هذا الخط، تقريبا لم تقم معارضة في اسرائيل باستثناء القليل في عالم الاستخبارات والجيش على مر السنين. نتنياهو يعتبر إيران تهديد وجودي وخطواته هي خطوات منع واحباط تاريخية. أي انتقاد أو موقف مختلف في السياسة تجاه إيران هو كفر بهذا المبدأ وعدم وطنية. هذه الحكمة الشائعة مبنية على اضاءة بسيطة: حجم الثرثرة والتبجح الشخصي والغطرسة مع الغمز، لا سيما تحمل المسؤولية عن العمليات، ضد سفينة "سافيز" الايرانية امام شواطئ اريتيريا، والانفجار في شبكة الكهرباء في منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز وحتى الحديث الدائر حول التسريب المرفوض قبل الاوان لعملية ثالثة، يستهدف جر إيران الى الرد.
طالما أن اسرائيل عملت بهدوء وسرية وبدون أي مصادقة أو تطرق، فان إيران كان يمكنها استيعاب الضرر، والولايات المتحدة كان يمكنها تجاهل ذلك. ومنذ اللحظة التي تتفاخر فيها اسرائيل وتتباهى بإنجازات عملياتية، ناجحة لكنها محدودة من حيث الحجم والوقت وتقوم بتضخيم حجم الضرر، "هم بحاجة الى تسعة اشهر من اجل اصلاح الضرر في نطنز"، قرر "عاملو الكهرباء في اسرائيل"، ايران ستكون ملزمة بالرد والتصعيد الآخر سيخلق واقع سياسي اكثر راحة بالنسبة لنتنياهو ومريح أكثر للولايات المتحدة في المفاوضات حول استئناف الاتفاق النووي.
ولكن نظرة اوسع في الوقت والمدى تدل على أن هذا التصعيد بني خلال سنتين ونصف، منذ الانسحاب احادي الجانب للولايات المتحدة والرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق في أيار 2018 وحتى الآن. ديناميكية التصعيد لا تستبعد الدوافع السياسية والسياساتية لنتنياهو، وبالتأكيد لا تحميه من الانتقاد. ولكن السياق أوسع من صعوبات في المفاوضات الائتلافية. في هذه الفترة اسرائيل قامت بتوسيع المعركة بين حربين، من ساحات جوية وبرية وسايبر الى الساحة البحرية، هذا حسب التقارير، ورفعت حجم النشاطات ضد السفن والخطوط التجارية البحرية الايرانية.
وزير الأمن في حينه نفتالي بينيت أطلق على ذلك "عقيدة الاخطبوط"، وفي إطار هذا الوقت كانت هناك انفجارات في نطنز. والولايات المتحدة اغتالت في كانون الثاني 2020 قائد "قوة القدس" في حرس الثورة الايراني، الجنرال قاسم سليماني، وفي تشرين الثاني 2020 أطلقت النار على فخري زادة وقتلته، وهو عالم لقب بـ "أبو المشروع النووي الايراني". الرئيس الايراني حسن روحاني اتهم اسرائيل باغتيال فخري زادة ووعد بالانتقام. من هذه الناحية، بين اسرائيل وإيران لا توجد حرب ظلال أو معركة بين حربين، بل حرب متعددة الابعاد، حتى لو كانت بقوة ضئيلة نسبيا.
من الذي له مصلحة في التصعيد
عندما نقوم بتوحيد السياق الواسع والاحداث في الايام الاخيرة، يظهر للوهلة الاولى بأنه توجد لإسرائيل مصلحة في التصعيد. استخدام التعابير التحليلية الجميلة "تصعيد بالتدريج" و"سيطرة على التصعيد"، مكانه في دروس نظرية عن العلاقات الدولية أو عن التاريخ العسكري. في الواقع تقريبا لا يوجد أي شيء اسمه سيطرة على التصعيد. من هنا يطرح سؤال هل تم في اسرائيل فحص حساب التكلفة – الفائدة الذي سيشكل اساس استراتيجية التصعيد؟ من الصعب معرفة ذلك لأنه لم يتم اجراء نقاشات في الكابنت ولا توجد جلسات للحكومة ولا توجد لجنة خارجية وأمن أو معارضة، فقط يوجد نتنياهو.
توجد لنتنياهو مصلحة في فشل المفاوضات بين امريكا وإيران. الخلافات في محادثات فيينا ليست فقط حول مسألة التوقيت والمعاملة بالمثل في سلسلة خطوات الولايات المتحدة وإيران، الامر الذي يمكن حله بصيغة متفق عليها، بل ايضا في مواضيع جوهرية: أولا، مطالبة إيران بتسوية فورية، حتى لو كانت متدرجة في تنفيذها، لـ "العقوبات غير النووية". هناك أكثر من 1200 عقوبة غير مرتبطة بشكل مباشر بالمشروع النووي الذي يغطيه الاتفاق النووي.
الحديث يدور عن عقوبات ضد شركات وخطوط تجارة وحسابات بنكية ونشاطات مالية واشخاص عاديين. العقوبات فرضتها الولايات المتحدة بقوة قوانين ضد الارهاب وقوانين ضد من يوفرون الحماية للإرهاب، وليس كجزء من نظام عقوبات موجه بشكل محدد ضد المشروع النووي الايراني. ورفع العقوبات يحتاج بناء على ذلك الى اجراءات اطول ومصادقات في الكونغرس، الامر الذي يريد بايدن الامتناع عنه في هذه المرحلة المبكرة من اجل ألا يضع كل الاتفاق في مركز مواجهة سياسية تستنزف الطاقة.
في المقابل، إيران تقول إنه مع كل الاحترام لمصدر التشريع الامريكي، إلا أن هذه العقوبات هي خرق صارخ وواضح للاتفاق النووي، لذلك فان من وقعوا على الاتفاق في 2015 (الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا والمانيا) تعهدوا بـ "التوقف عن أي سياسة تضر بعملية التطبيع في العلاقات والعلاقات التجارية لإيران مع دول اخرى"، الامر الذي تتسبب به العقوبات.
الموضوع الآخر المختلف عليه بين الطرفين في محادثات فيينا هو مطالبة امريكا بتحسين الاتفاق الاصلي واضافة ابعاد غير نووية اليه: تطوير صواريخ بالستية من قبل طهران، تأييدها لمنظمات ارهابية ونشر وتشغيل شبكة "منظمات وكيلة" من قبلها مثل حزب الله وحماس والمليشيات في اليمن والعراق وسوريا. يبدو أن هذا موضوع يقف في مركز انتقاد اسرائيل للاتفاق الاصلي من العام 2015، وتوجد لإسرائيل مصلحة واضحة واساسية في أن تواصل الولايات المتحدة المطالبة والتصميم عليه.
منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في ايار 2018 وحتى كانون الثاني 2021، عملت اسرائيل استراحة سياسية. ترامب ونتنياهو لم يطرحا في أي يوم اتفاق "أفضل" كما وعدا وتعهدا بذلك. استراتيجية "الضغط الاقصى" لواشنطن تجاه إيران فشلت، العقوبات الشديدة اضرت كثيرا، لكنها لم تتسبب بانهيار اقتصاد إيران، وبالتأكيد لم تتسبب بانهيار النظام.
إيران بدأت في خرق جوهري للاتفاق وتخصيب اليورانيوم بمستويات أكبر بـ 12 ضعف الكمية التي كانت قبل الاتفاق. ومؤخرا بدأت في ضخ غاز اليورانيوم الى 164 جهاز طرد مركزي متطور في منشأة نطنز النووية ووقعت على اتفاق شراكة استراتيجية مع الصين. ايضا محاولة عزل إيران عن العالم فشلت، فقط في يوم الاحد الماضي زار طهران رئيس حكومة كوريا الجنوبية.
مع ذلك، التصعيد الحالي يحدث في الوقت الذي تجري فيه الولايات المتحدة مفاوضات من اجل العودة الى الاتفاق النووي. وسواء نجحت أم لا، وبأي شروط، فان اسرائيل تعمل في دائرة قريبة جدا من المصالح الامريكية. وإذا بقي نتنياهو رئيسا للحكومة فان الاحداث الاخيرة هي جزء من مسار التصادم والمواجهة المحتمة والمتعمدة مع ادارة بايدن.
وحسب جميع العلامات، نتنياهو ينوي العودة الى العمليات التي نفذها في المحاولة غير الناجحة لإحباط واعاقة الاتفاق النووي في 2015: مواجهة مع الرئيس، اتهام الولايات المتحدة بالتسامح، ضعف وعدم فهم للخطر الايراني، الذهاب الى الكونغرس، وهناك سيكون الجمهوريون سعداء للانشغال في أي موضوع يمكنهم من فتح جبهة صاخبة ضد الرئيس الديمقراطي.
ولكن الظروف في سنة 2021 لا تشبه أبدا الظروف في سنة 2015. عمليا، لا يوجد حلف بين اسرائيل والسعودية ودولة الامارات. السعودية تم ابعادها من قبل الولايات المتحدة، في الوقت الذي فيه اتحاد الامارات تقوم بلعب لعبة مزدوجة ومنطقية، من ناحية التشدد ضد إيران في الظاهر والتحدث معها بهدوء. في البيت الابيض يجلس رئيس ديمقراطي بعيد عن التأثر بنتنياهو.
وحتى تشرين الثاني 2022، على الاقل الديمقراطيون سيتحكمون بمجلس النواب ومجلس الشيوخ. لذلك، من غير الواضح ما هو هدف اسرائيل الاستراتيجي من جولة التصعيد الحالية، إلا اذا وافق المرء على الحكمة الشائعة وهي أن هذا الامر ببساطة يخدم نتنياهو وليس بالضرورة اسرائيل.
الون بنكاس
هآرتس- 13/4/2021
إضافة تعقيب