news-details

الحي الاستيطاني الجديد في الخليل مجرد بداية

*في الخمسين سنة الاخيرة اثبت الجيش والمستوطنون في الخليل القدرة على اخلاء ممنهج لوسط البلدة القديمة من السكان الفلسطينيين. والخارطة التي نشرها الاستيطان اليهودي للمنطقة تدل على تطلعات التوسع التي لا تتوقف*

 

على مبنى في سوق الجملة في البلدة القديمة في الخليل الذي تسعى وزارة الدفاع لهدمه منذ بضعة أشهر، علقت لافتة من القماش في جهة عليها صورة زئيف جابوتنسكي. وكتب "سنعيد بناء الحي اليهودي (السوق) في الخليل"، وفي الجهة الاخرى كتب اقتباس يمكن أن يكون من اقواله "سنعيد مجددا بناء كل ما قاموا بتخريبه، نحن نتمتع بهذه الموهبة. ويجب علينا اعادة بناء ما قاموا بتخريبه وتدميره بشكل أكبر". واللافتة بتوقيع الاستيطان اليهودي في الخليل.

لا شك أن مستوطني الخليل وأعوانهم الكثيرين، اثبتوا في السنوات الخمسين الأخيرة، القدرة على مواصلة بناء المزيد من المباني لليهود. وهي تبرز بالحجارة البيضاء لها في وضح النهار ومن خلال المصابيح التي تلقي عليها وعلى ما حولها اضواء ساطعة في الليل، طوال الليل. ولكن المستوطنين وسلطات الجيش والادارة المدنية بالأساس اثبتوا القدرة على اخلاء موثق ومعروف للجميع لمركز مدينة الخليل من السكان الفلسطينيين بواسطة التنكيل المستمر لهم. وبالأساس من خلال أوامر ومنع الحركة التي فرضها الجيش من اجل حماية اليهود.

يمكن الافتراض أن من علقوا اللافتة على مبنى سوق الجملة، لم يتفاجأوا من الرسالة التي أرسلها في يوم الاحد الماضي وزير الأمن نفتالي بينيت الى وحدات في مكتبه، مكتب منسق اعمال الحكومة في المناطق. في هذه الرسالة وجه الادارة المدنية للبدء في خطوات لخطة "اخلاء- بناء" في الموقع. أي هدم مبنى بملكية بلدية الخليل بعقد تأجير محمي، واقامة وحدات سكنية لليهود مكانه. هذه الخطة بدأ بها الوزير السابق افيغدور ليبرمان. ولكن هذه الخطة ليست هي النهاية.

اشارة الى الطموحات غير المتوقفة لمستوطني الخليل يمكن ايجادها في الخارطة المشمولة في كراسة "مغارة الماكفيلا- جذور الشعب اليهودي"، التي نشرها الاستيطان اليهودي في الخليل في العام 2014، والتي يتم بيعها على بسطة امام مغارة الماكفيلا- الحرم الابراهيمي. هذه الخارطة تشير الى ثلاث مناطق بثلاثة ألوان مختلفة.

الازرق الفاتح "منطقة تحت السيطرة الامنية الاسرائيلية باسم اتش 2. الازرق الغامق "استيطان يهودي" والبني المائل الى البرتقالي "منطقة تحت السيطرة الامنية الفلسطينية" باسم اتش 1. اسماء الشوارع في المنطقة الملونة باللون الازرق الفاتح تم تهويدها منذ زمن. شارع الشهداء سمي باسم شارع الملك داود، وفي حي تل الرميدة والجعابرة توجد شوارع مثل "شارع 1929" وشارع "معاليه هأفوت" و"سعاديا هحبروني".

ولكن تهويد الشوارع امتد الى خارج المنطقة باللون الازرق الفاتح ووصل الى المنطقة باللون البني. شارع بئر السبع بقي على حاله. ولكن شارع الشلال الكبير اصبح شارع حاييم يوسف دافيد ازولاي، وشارع الشلال الصغير اصبح شارع الجد من سلوفدكا (نتان تسفي فنكل) مؤسس المدرسة الدينية "كنيست اسرائيل" في ليتوانيا، والتي انتقلت الى الخليل في 1925.

شارع الملك حسين اصبح شارع الهيكل. وشارع عين سارة، وهو شارع طويل ورئيسي ويضج بالحياة وفيه توجد بلدية الخليل. في هذه الخارطة هذا الشارع يسمى "كنيست اسرائيل". وقريبا من البلدة القديمة يتحول الى اسم باب الزاوية. شارع الحاخام بيجايو، بلغة الخارطة في الكراسة، التي كتبها وحررها المتحدث باسم الاستيطان اليهودي نوعام ارنون. ميدان ياسر عرفات هو بلغة هذه الخارطة "كيكر هيوفال"، في حين أن شارع المنارة هو شارع "5 أيار".

لا يمكن اعتبار تهويد الشوارع في الخليل الموجود في الخارطة، هذيان اشخاص غريبي الاطوار. الوضع في البلدة القديمة في الخليل في الجزء الذي يقع تحت سيطرة المستوطنين، هو وضع سريالي، لكنه حقيقي جدا: قلب المدينة فصل عنها. والسفر بالسيارة محظور على الفلسطينيين (فقط سيارات جمع القمامة التي تجمع ايضا قمامة المستوطنين، يسمح لها بالدخول عبر الحاجز الذي يوجد في حي السلايمة).

في شارع الشهداء محظور ايضا السير على الاقدام للفلسطينيين، ومن بينهم من يسكنون في نفس الشارع. نحو عشرة حواجز يوجد فيها جنود تحيط بالمنطقة: هذه الحواجز تتشكل من هياكل معدنية محمية وبوابات تدور وتتوقف وممرات تحيط بها القضبان وذراع مانع يرفع من اجل من يريدون الدخول على الكراسي المتحركة. وبالاساس يوجد فيها جنود ورجال شرطة يسمحون للناس بالانتظار الى حين فتح البوابة الدوارة. وتوجد ايضا عشرات الحواجز الثابتة على شكل جدران من الاسمنت، ابواب مغلقة تفصل بين الشوارع والازقة.

يوجد درج رئيسي مغلق امام الفلسطينيين. ليس من الغريب أن ثلث الـ 3400 وحدة سكنية في البلدة القديمة تم اخلاءها من السكان مع مرور الوقت. معظم الشقق الفارغة توجد في المنطقة التي تقع تحت سيطرة المستوطنين المباشرة. ولكن في الدائرة المجاورة للحواجز يمكن مشاهدة شقق متروكة. 1500 محل تجاري مغلق منذ عشرين سنة تقريبا، الثلث منها بأوامر اغلاق عسكرية، والاخرى بسبب تنكيل المستوطنين ومنع الحركة التي تصعب على الانتاج والتجارة وتردع المشترين والموردين من الوصول اليها.

في يوم الجمعة الماضي في الوقت الذي كانت فيه سيارات اسرائيلي وحافلات لشركة تطوير غوش عصيون تسافر ذهابا وإيابا، فإن المصلين المسلمين ومن بينهم شيوخ، كانوا يسيرون ببطء نحو الحرم الابراهيمي ويعودون منه. يسيرون بجهد في اعلى الشارع المتعرج. عدد من الشباب كانوا يجرون على ظهورهم رزم من المواد الغذائية أو الاسمنت، واطفال كانوا في زيارة الجدة كانوا يقودون بسرعة مصطنعة ألعاب عثرت عليها في القمامة، وبسبب الكتابة بالعبرية عليها فهي كانت تعود لروضة اطفال اسرائيلية.

"الشوارع هنا مثلما هو الوضع في حظر التجول"، قال للصحيفة أحد سكان تل الرميدة الذي تجرأ وبقي يعيش هناك. من اجل الخروج من بيته والدخول اليه عدة مرات في اليوم يجب عليه أن يمر عبر حاجز تمار العسكري الذي يوجد على بعد 30 مترا.

وانتظار الجندي الى أن يتفضل بالضغط على الزر الذي يفتح البوابة الدوارة التي تؤدي الى غرفة مغلقة ويقوم بفحص بطاقة هويته، وربما يقوم بتفتيش ملابسه. بعد ذلك يفتح له بوابة حديدية اخرى تؤدي الى مدخل محاط بالقضبان يؤدي الى بوابة دوارة اخرى. في يوم الجمعة في الظهيرة سمع وهو يتناقش مع الجندي لفترة طويلة الى أن سمح له الجندي بالعودة الى بيته.

القرارات المتعمدة والواعية لحكومات اسرائيل على اجيالها (بما فيها حكومة رابين التي عاقبت الفلسطينيين على المذبحة التي نفذها ضدهم باروخ غولدشتاين) وقرارات الجيش والادارة المدنية والمستشارين القانونيين، هي التي مكنت "مجددي الاستيطان اليهودي في الخليل" من خلق هذا الوضع السريالي الآن.

مذبحة العام 1929 ضد سكان الخليل اليهود تحولت في ايديهم الى ذريعة لطرد جماعي للفلسطينيين. الخارطة المذكورة اعلاه توجد في الكراسة التي تم اصدارها لذكرى من كان ينادي بترحيل الفلسطينيين، رحبعام زئيفي. وهي تتخيل توسيع الدوائر البلدية التي سيتم اخلاءها من الفلسطينيين. من كتبوا الكراسة اثبتوا القدرة على ترجمة خيالهم الى واقع.

تصوير: صفحة فتح على الفيسبوك

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب