news-details

الوباء الآخر- الكراهية

هل يوجد علاج لوقف الكراهية المجانية التي تتفشى في مملكة إسرائيل الثالثة؟ كيف يمكن اصلاح اعوجاج الكراهية؟

 

قبل سنين، عندما كنت في مهمة استخبارية في ايطاليا، زرت مدرج الكولوسيوم ووصلت الى بوابة تيتوس. وقفت امامها لدقائق طويلة، أنظر الى الفانوس والى شخوص ابناء شعبي المهانين، الذين هزمتهم الامبراطورية الرومانية.

كانت الشمس قائظة وذرفت عيناي الدموع. يبدو أن السماء ارادت، وكانت هذه هي الايام ما قبل التاسع من آب العبري. انا يهودي علماني ولا اصوم في هذا اليوم. بالنسبة لي هذا يوم يرمز الى خراب الشعب اليهودي، خراب القومية اليهودية: في المرة الاولى التي هزمت فيها الامبراطورية البابلية الاقوى في العالم القديم في الشرق الاوسط مملكة يهودا التي راهنت على سنة امبراطورية اخرى، فاشلة، هي مصر؛ وفي المرة الثانية عندما تمردت دولة اليهود، وحدها، ضد الامبراطورية الرومانية القوية.

ولكن في إطار "التدين" الذي تربيت عليه في المدرسة العلمانية في كريات حاييم العمالية، تعلمت ايضا التلمود والتوراة عن ظهر قلب، وتعلمت بانه الى جانب العوامل الجغرافية، السياسية والعسكرية التي أدت الى انهاء الاستقلال اليهودي الثاني، كانت عوامل داخلية اخرى في مركزها ما سماه حكماؤنا "الكراهية المجانية".

عندما عدت الى البلاد، لم تتركني مشاهد بوابة تيتوس-الاصلية، وليست الصورة. كنا في حينه قبيل حرب يوم الغفران في 1973. فتحت كتاب يوسف بن متتياهو، "حرب اليهود". في أحد الفصول يروي الكاتب بانه في بداية الحصار على القدس تاق قادة الجيش الروماني لمهاجمة المدينة كي يستغلوا شقاق الاخوة اليهود.

لكن قائدهم الاعلى، أسبسيانوس قال لهم ما يلي: "إذا هاجمنا المدينة فورا، فإن الامر سيؤدي الى توحيد الاعداء فيوجهون ضدنا كامل قوتهم. ولكن اذا انتظرنا، سيكون اعداؤنا في اعداد أقل، بعد أن يبذروا قوتهم في صراعهم. ينبغي ان نترك هؤلاء اليهود يدمرون الواحد الاخر".

وبالفعل كانت هذه حرب اليهود بعضهم ببعض في الوقت الذي كانوا يقاتلون ضد الرومان، مما أدى الى الخراب الذي سببه على حد قول اعدائنا يعود الى "الكراهية المجانية". فما هي؟ هذه ليست كراهية زائدة كما يفيد معنى الكلمة. برأيي هذه شيء ما أكثر جوهرية.

الكراهية المجانية هي ايمان إلهي بمواقف أصحاب الكراهية، وان الشيطان يوجد لدى موضع كراهيتهم؛ ليس للكراهية المجانية اذن تسمع موضع كراهيتها وليس لها قلب يفهم دوافعهم واراءهم. هذه كراهية تعمي الواقع، ترفض تلقائيا كل شك وتفكير في عدالة طريقها الإلهية؛ هذه كراهية عمياء عن الواقع. هذه كراهية لا تسمح باي حوار مع موضع كراهيتها، ناهيك عن التعاون. ومن هنا دينامية شقاق الاخوة.

أكبر مخاطر الكراهية المجانية هو ان تكون هذه الكراهية مفضلة على التضامن في وجه العدو الخارجي. وعليه، فصادم جدا ذاك المقطع في كتاب بن متتياهو الذي يصف فيه كيف أدت الكراهية المجانية لان يحرق كل طرف مخازن غذاء خصمه. تتملكني القشعريرة وانا اقرأ المقطع التالي: "ويوحنان ورجاله سلبوا ونهبوا أبناء المدينة. ولا أيضا كانت المدينة فريسة في حربه مع محاصريه (الرومان). ولما كانت حرب ليونتان من الداخل ومن الخلف، فقد قسم جنوده لمقاتلة الطرفين: هؤلاء اطلقوا من القاعات على كارهيهم (الرومان) الذين يأتون عليهم من المدينة، وأولئك حموا أنفسهم بآلات حربية ضد المطلقين عليهم من الهيكل" (مقاتلو المعسكر الخصم بقيادة اليعيزر).

أفهمتم؟ مقاتلو يوحنان من غوش حلاف، ابطال الجليل، قاتلوا في نفس الوقت ضد الرومان وضد إخوانهم في المعسكر الخصم. فهل بالغ؟ ربما! هل يوجد علاج لوقف الكراهية المجانية التي تتفشى في مملكة إسرائيل الثالثة؟ كيف يمكن اصلاح اعوجاج الكراهية؟

معاريف- 30/7/2020

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب