news-details

رأس بن سلمان في التطبيع، وقدماه عالقتان في الوحل اليمني

تسفي بارئيل

هآرتس- 25/9/2020

ولي العهد السعودي معني بالدفع قدما التطبيع مع اسرائيل، لكن تقف أمامه ليس فقط الحرب في اليمن، بل ايضا وبالاساس حروب داخلية، على رأسها صراعه مع والده الملك سلمان

الانتظار مع حبس الانفاس للتوقيع على اتفاق التطبيع مع السعودية، سيطول قليلا. التأخير الحالي ينسبه محللون ووسائل اعلام عربية واجنبية للخلاف بين الملك سلمان وإبنه ولي العهد محمد في مسألة النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. في حين أن الملك سلمان في خطابه النادر في هذا الاسبوع اعلن تمسك السعودية بالمبادرة العربية، التي تتضمن اقامة دولة فلسطينية مستقلة وانسحابا اسرائيليا كاملا كشرط للتطبيع، فإن بن سلمان يدفع نحو تسريع هذه العملية كجزء من حلمه الاستراتيجي، وبالاساس الاقتصادي.

سلمان هو الملك السعودي الثاني الذي يخطب في الجمعية العمومية. وفي خطابه تطرق بالاساس لايران التي اعتبرها المسؤولة عن عدم الاستقرار في المنطقة، والتي تظهر عدم الاهتمام المطلق بالاستقرار الاقتصادي في العالم، أو استقرار توفير النفط للاسواق الدولية. وتطرق أيضا لوصف السعودية كمملكة ولد فيها الاسلام وهي مسؤولة عن الاماكن المقدسة للمسلمين ولدعم السعودية للعملية السلمية. اتفاقات السلام بين اسرائيل والامارات والبحرين لم يتطرق اليها مطلقا، وكأنها غير موجودة أو أنها مرت قربه مثل عاصفة غبار.

هل أراد الملك سلمان الاثبات بأنه ما زال هو الحاكم، ويشرف على سير المملكة وأنه مع كل الاحترام لابنه فإن السياسة الخارجية هو الذي يحددها؟ هل هذا هو خلاف بين أجيال، بين "مشروع" الابن مقابل المقاربة التقليدية للأب؟ 

بين الايديولوجيا القومية العربية التي ترى في المشكلة الفلسطينية مركز التجند والهوية العربية، وبين الرؤية الخاصة لبن سلمان، التي تقول إن كل دولة ستعمل حسب مصالحها دون الاهتمام بالمصالح العربية أو القومية العربية، التي في قلبها مغروسة المسألة الفلسطينية كخطيئة اولى يجب تطهيرها أولا؟ وربما بشكل عام، يدور الحديث عن انتظار تكتيكي لنتائج الانتخابات الأميركية، من اجل فحص من فاز بـ "الهدية السعودية" وممن يمكن الحصول على مقابل أكبر من اجلها.

يصعب تقدير أي جهة من الجهتين أملت الآن خطاب الملك سلمان. السعودية هي دولة غامضة فيما يتعلق بعملية اتخاذ القرارات فيها، وبالعلاقات بين أبناء العائلة المالكة وباعتبارات السياسة الداخلية والخارجية فيها. فقط قبل بضعة اسابيع، بعد فترة قصيرة على الاعلان عن التطبيع مع الامارات، تنبأ مستشار وصهر ترامب، جارد كوشنر، بأن السعودية ستكون الدولة القادمة التي ستوقع على اتفاق سلام مع اسرائيل، وأن هذا سيحدث بالفعل في وقت قريب. 

كوشنر، الشخص الاكثر قربا من بن سلمان في واشنطن، كان عليه على الاقل أن يعرف ما يدور في رأس بن سلمان. ولكن حتى هو لم يتوقع كما يبدو هذا التأخير. كما أنه من غير الواضح تماما أن التأخير مبدئي، أي الى حين تقوم دولة فلسطينية أو على الاقل الى أن يتم استئناف المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين، مثلما أوضح الأب، أو أنه تأخير مؤقت الى حين نجاح الابن في اقناعه.

التناقض بين موقف الملك وموقف بن سلمان يثير استغرابا آخر. السعودية امطرت وابلا من المكرمات على اتفاقيات السلام الاخيرة، ليس فقط أنها امتنعت عن ادانتها، بل أثنت على الامارات والبحرين على خطواتهما التي تمت بتنسيق ودعم من بن سلمان. ايضا فتحت سماءها أمام الرحلات الجوية من اسرائيل واليها. 

وأحد الفقهاء الهامين، عبد الرحمن السديس، امام الحرم المكي، ألقى خطبة شجع فيها ادارة علاقات خارجية عن طريق الحوار حتى مع اليهود. وهو يستند في اقواله الى علاقة النبي محمد مع الطائفة اليهودية في شبه الجزيرة العربية. هذه الخطوة التي اثارت عاصفة كبيرة من الادانات في الشبكات الاجتماعية، وقد فُسرت كخطوة مخطط لها استهدفت تهيئة الرأي العام في السعودية وفي العالم الاسلامي قبل الانعطافة التاريخية مع اسرائيل. هل كل ذلك تم خلافا لموقف الملك؟

 

الهدف: الولايات المتحدة

الامر الاكثر وضوحا هو اضطرار السعودية الى "عقد سلام" مع واشنطن قبل أو كجزء من صفقة مع اسرائيل. وسبب الخلاف الرئيسي بينهما هو الحرب في اليمن التي بدأت عند تعيين سلمان ملك في 2015. في هذه الحرب تبينت درجة الوحشية التي مارستها جيوش السعودية والامارات ضد السكان المدنيين مستخدمة السلاح الأميركي. 

اكثر من 125 ألف شخص قتلوا حتى الآن في الحرب، منهم حوالي 14 ألف شخص قتلوا في هجوم موجه لاهداف مدنية. الضغط الجماهيري والدولي جعل الرئيس باراك اوباما يقرر في 2016 تجميد صفقة سلاح للسعودية، من اجل الضغط عليها لتغيير تكتيك هجومها في اليمن. 

وبعد سنة الغى الرئيس دونالد ترامب هذا القرار وفتح سد التسلح السعودي بالسلاح والقنابل الأميركية. في العام 2018 اصبحت السعودية في مرمى هدف الانتقاد في اعقاب قتل الصحافي جمال خاشقجي في السفارة السعودية في اسطنبول. ومنذ ذلك الحين تم منع بن سلمان من زيارة واشنطن: لقد قيل له بأنه شخص غير مرغوب فيه، وأنه خارج البيت الابيض من المشكوك فيه أن يكون هناك من يرغب في الالتقاء معه.

مؤخرا تم طرح الحرب في اليمن وسلوك السعودية على جدول الاعمال في اعقاب تقرير سري كتبه مراقب وزارة الخارجية حول مشاركة الولايات المتحدة في الحرب في اليمن. الاجزاء العلنية في التقرير الذي نشر في وسائل الاعلام الأميركية، تدل على حجم جرائم الحرب التي ارتكبتها السعودية ودولة الامارات والمرتزقة طوال سنوات الحرب، الى درجة أن هناك خوف حقيقي من أن الولايات المتحدة من شأنها أن يتم تقديم دعوى ضدها في محكمة الجنايات الدولية. 

في مقابلة في "نيويورك تايمز" قالت اونا اتافي، مستشارة قانونية سابقة في وزارة الدفاع والآن هي محاضرة في جامعة ييل، "لو كنت الآن في وزارة الخارجية لكنت سأكون مذعورة ازاء التهمة التي كان يمكن أن أحملها على اكتافي... وكل المشاركين في هذه الخطة (التورط في الحرب في اليمن) يجب أن يبحثوا عن محامين".

تحذيرات مشابهة قالها موظفون في أذن ترامب وأذن وزراء خارجيته، ريكس تيلرسون ومايك بومبيو. ولكن ترامب قدم الجواب التالي: "ليس لديهما (السعودية والامارات) أي شيء سوى المال، ولا شيء سوى المال النقدي. وهم يدفعون لنا مقابل خدمات وحماية وامور اخرى". بالنسبة لقتل مواطنين في اليمن قال "هم (السعوديون) لا يعرفون كيفية استخدام السلاح".

الكونغرس لم تقنعه تفسيرات ترامب. وفي نيسان 2019 اتخذ قرار شارك فيه الحزبين لانهاء التدخل الأميركي في اليمن. ترامب وضع فيتو على القرار وتجاوز منع بيع السلاح للسعودية باعلان وضع طوارئ مع ايران، الذي مكنه من مواصلة الاستجابة لطلبات السعودية. الادارة الأميركية خصصت حوالي 750 مليون دولار من اجل تدريب مقاتلين وطيارين سعوديين للحرب في مناطق مأهولة بالسكان بهدف منع المس بالمدنيين، وعرضت على السعودية قائمة لـ 33 ألف هدف يجب عدم المس بها. 

ولكن يبدو أن السعوديين لم يتأثروا بشكل خاص من هذا البرنامج والخروقات تستمر حتى الآن. بالمناسبة، أحد المتدربين السعوديين الذين شاركوا في برنامج التدريب هذا، وهو الملازم محمد الشمراني، قتل في شهر كانون الاول ثلاثة جنود أميركيين واصاب ثمانية جنود في فصل دراسي في قاعدة جوية في بينسكولا في فلوريدا. وقد تبين أن الشمراني كان مؤيد للقاعدة وأن مشاركته في الدورة تدل على أن المصفاة الشديدة التي استخدمتها الولايات المتحدة بعد عمليات الحادي عشر من ايلول هي مصفاة مليئة بالثقوب.

مقابل السعودية، اتحاد الامارات بالذات فهمت الخطر الذي يكمن لها في تورطها في حرب اليمن وقررت سحب قواتها. بهذا ايضا نجحت في الغاء منع بيع طائرات اف 35 وصفقات سلاح أخرى. على العائق الاسرائيلي تغلبت عن طريق اتفاق السلام معها. 

بن سلمان الذي بادر هو ووالده الى شن الحرب في اليمن، ما زال غارق في وحل اليمن الذي يزيد تعقيد علاقته مع الولايات المتحدة. هذا اضافة الى اخفاقاته المدوية في ادارة السياسة الخارجية مثل فرض استقالة رئيس حكومة لبنان سعد الحريري والحصار على قطر، وحرب النفط الفاشلة مع روسيا التي أدت الى انخفاض اسعار النفط، وتخليه عن القضية الفلسطينية.

ايضا في الساحة الداخلية بن سلمان يجد صعوبة في عرض انجازات استثنائية. حلم 2030 الذي اخترعه ما زال متعثرا. خزينة المملكة تجد صعوبة في تطبيق المشاريع الضخمة مثل "مدينة المستقبل"، التي يمكن أن تمتد عبر ثلاث دول هي السعودية ومصر والاردن، وتنوع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، بقيت على الورق. في محاربة الفساد عرض حقا مشهد مؤثر عندما قام باعتقال عشرات المليارديرات في فندق "ريتس" وافرغ جيوبهم. 

ولكن اكثر من نجاحه في اجتثاث الفساد ضغط على انبوب التنفس لخصومه السياسيين. صراعات القوى الداخلية لم تنته بعد. ففي شهر آب قام بعزل الجنرال فهد بن تركي آل سعود، الذي كان قائد قوات التحالف العربي في اليمن، ونجله الامير عبد العزيز الذي كان نائب حاكم منطقة الجوف، بتهمة التورط في عمليات فساد. 

السبب الحقيقي للعزل هو أنهما يحسبان على الجناح العائلي الخصم، وبن سلمان، الذي شق طريقه عن طريق ازاحة سلسلة طويلة من الخصوم السياسيين، يخشى كما يبدو من انقلاب عسكري أو سياسي ضده، الذي يمكن حسب رأيه أن يتطور كلما اقترب موعد تغيير السلطة.

بن سلمان يمكنه أن يحسد محمد بن زايد، ولي العهد والحاكم الفعلي لاتحاد الامارات، الذي نجح في الخروج من الحرب في اليمن، وأن يكون محبوب واشنطن وليس فقط بسبب اتفاق السلام مع اسرائيل، بل بالاساس بسبب أنه غير محاط بفقاعة عائلية معادية. 

في نفس الوقت بن سلمان، حسب مصادر استخبارية أميركية لم يتردد في وضع والدته في الاقامة الجبرية وابعادها عن والده خشية أن تعمل ضده، يمكن أن يتبين أنه إبن الامتثال لوالديه ليس جزء من التربية التي تبناها. الملك سلمان يمكنه ربما أن يلقي خطابات تأييد للشعب الفلسطيني، لكن إبنه هو وزير الدفاع وفي يديه القوة للقيام بانقلاب ضد والده اذا اعتقد أن هذه الخطوة ستخدمه أو ستخدم أجندته التي تتضمن ربما ايضا سلام مع اسرائيل.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب