دونالد ترامب هو هدية لا تتوقف عن العطاء. في البداية نقل يافطة السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس. وقبل بضعة اشهر منح هديته الثانية لنتنياهو حين اعلن بانه يعترف بسيادة اسرائيل في مرتفعات الجولان. وردت اسرائيل له الجميل ببادرة طيبة فسارعت الى وضع حجر اساس لبلدة جديدة على اسمه في مرتفعات الجولان.
وهذا الاسبوع اطلق ترامب الهدية الثالثة من خلال وزير الخارجية بومبيو، اعلان أميركي يقضي بان المستوطنات في مناطق يهودا والسامرة لا تخرق القانون الدولي. الصيغة معقدة بعض الشيء، ولكن الكثير من الاسرائيليين يرون في الاعلان شهادة حلال للمشروع الاستيطاني. هذا خطأ بصري: فالشهادة يمكن تعليقها على الحائط ولكن مشكوك أن يكون ممكنا الثقة بحلالها.
يمكن الاشتباه بان توقيت التصريح الأميركي ليس مصادفا. فهذه ليست المرة الاولى التي يهرع فيها العم من أميركا لنجدة نتنياهو في لحظات الضائقة السياسية. وسارع نتنياهو لجني الربح، فأجرى جولة انتصار في غوش عصيون واعلن عن ان هذا انجاز سيبقى للاجيال.
وفي الايام القادمة سيتبين اذا كان "تصريح المستوطنات" هو طبق فضة سيقيم نتنياهو عليه حكومته الخامسة. ولكن السؤال المركزي يجب أن يركز على المنفعة التي ستأتي لاسرائيل من اقوال ترامب. في سنوات ولايته نال الرئيس الأميركي سمعة غنية كزعيم ينثر التصريحات الفارغة من المضمون والتي تورط الولايات المتحدة في ساحات حساسة في ارجاء العالم، وتضعضع الاستقرار في مراك نزاع متفجرة مثل كوريا الشمالية، الصين، ايران وبالطبع الشرق الاوسط.
وبالنسبة للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني وعد بعرض "خطة القرن" التي تؤدي الى تسوية سلمية بين الطرفين. وتأجل نشر الخطة المرة تلو الاخرى، بينما تآكلت مكانة الأميركيين كوسيط نزيه في نظر الفلسطينيين، وهم يواصلون اغداق الدلال على اسرائيل بتصريحات فارغة.
ماذا يضير ترامب نقل السفارة، الاعتراف بمرتفعات الجولان والتصريح بان المستوطنات قانونية؟ فهو على أي حال لا يهتم في ما يجري في الشرق الاوسط، لا يتعمق في السياسة الخارجية ولا يعترف بمكانة الولايات المتحدة كزعيم للعالم الحرب. وهو لا يدعي منصب الراشد المسؤول وللحقيقة، فان هذه المهمة اكبر من مقاسه. ترامب هو زعيم متقلب، تافه، نزق وسطحي. في اسرائيل يفضلون اغماض العيون وان يروا فيه على الاقل حمار المسيح الذي سيجلب الخلاص. ولكن من الافضل الا نقع في الاوهام.
بعد أن منح الشرعية للسيادة الاسرائيلية في القدس، في مرتفعات الجولان وفي يهودا والسامرة يطرح السؤال، ما الذي يمكن عمله بكل هذا الخير؟ يمكن لاسرائيل أن تلوح بالتصريحات مثلما يلوح المرء بالعلم أما عمليا فهذه لا تغير الواقع على الارض. لا تبلور اعترافا دوليا، لا تبيض الاحتلال، لا تقمع الارهاب ولا تطفئ النزاع المضرج بالدماء بين اسرائيل والفلسطينيين. اثرها معاكس، فهي تبعد كل احتمال لتسوية سياسية في المدى المنظور للعيان.
ظاهرا، ترامب هو صديق حقيقي لاسرائيل، مؤيد متحمس وصهيوني محب. ولكن هذه صورة كاذبة. ترامب هو رجل اعمال منفعي. فالتوقيت السياسي الذي يطلق فيه تصريحاته ليس عفويا والهدايا التي يغدقها على اسرائيل كي يساعد نتنياهو ليست هدايا مجانية. فالحساب سيضطر الى دفعه المجتمع الاسرائيلي آجلا أم عاجلا.
نتنياهو، الذي تحركه مصالح ضيق، يسمح لترامب بان ينبش في السياسة في دولة اسرائيل وان يتدخل بفظاظة في مسألة موضع خلاف، تقسم المجتمع الاسرائيلي منذ حرب الايام الستة. من مثله يعرف بان مصير المناطق لن يحسم بتصريح احتفالي لوزير خارجية أميركي.
وبالتالي، من الافضل لمؤيديه ولمواطني اسرائيل الا ينفعلوا لتصريحات وتغريدات مسؤولي الادارة الأميركية وان يفهموا بانها ليست بديلا عن خطة سياسية وعن مفاوضات مع الفلسطينيين. على اسرائيل أن تقرر مصيرها بنفسها، وان تحسم اخيرا اذا كانت تسعى الى دولة واحدة ام اثنتين، الى أبرتهايد ام ديمقراطية.
إضافة تعقيب