news-details

يسار محافظ ويمين ثوري

فوز الليكود في الانتخابات القادمة يعني الطلاق من كل من يختلف مع نهج نتنياهو وصعود الى طريق لا عودة عنها

 

ما الذي يميز الانتخابات القادمة عن الانتخابات الاخرى؟ في جميع الانتخابات السابقة الافتراض الاساسي هو أن الحكومات تأتي وتذهب لكن الديمقراطية تبقى على حالها، ولكن في هذه الانتخابات الامر غير مؤكد تماما؛ وأنه في جميع الانتخابات الاخرى فان الطرف الخاسر يسلم بنتائجها ويتعايش معها بسلام، ولكن في هذه المرة حتى هذا الامر مشكوك فيه؛ وأنه في جميع الانتخابات تكون المنافسة على الحكم، ولكن في يوم الاثنين القادم سيكون القرار متعلقا بالنظام نفسه. 

هذه الانتخابات تختلف في جوهرها لأنه حدث فيها تغيير تاريخي في الأدوار بين اليمين واليسار. الحزب الذي يقود كتلة الوسط – يسار هو حزب محافظ ويقدس التراث، وتقريبا هو رجعي. رؤساؤه يقدسون سلطة القانون. الى الامام، هو توراة اليمين. 

هم يريدون اعادة الدولاب الى الوراء واعادة الامور الى سابق عهدها. والحزب الذي يقود كتلة اليمين، خلافا لذلك، هو راديكالي يصل الى حد الفوضوي. وهو يخاف من الثورة، لكنه يحلم بها. رؤساؤه يستخفون بالتوازن وكوابح الديمقراطية البرلمانية، ويريدون استبدالها بنظام شخصي – ديكتاتوري، منفلت العقال، وزعيم اقواله مقدسة. "قم بالاستعداد للحرب من اجل مواجهة العدو". وهم يستطيعون انشاد النشيد الأممي "سنقاطع العالم القديم من اساسه".

هذا الامر لم يكن ليحدث لولا بنيامين نتنياهو. فرئيس الحكومة بذل الجهود من اجل الهرب من رعب الحكم وحولها الى وابل من الكراهية والاضطهاد ومشاعر النقص التاريخية في اوساط كثيرين من مصوتي الليكود. وقد اضاف الى هذا المزيج طموحات اليمين المتدين القومي للتحرر من قيود القانون والمحاكم من اجل تأسيس دولة أكثر يهودية وأقل ديمقراطية، التي يسيطر فيها الاستيطان والمساواة فيها قيمة ضئيلة. نتنياهو ينتج مادة مخدرة ويقدمها للمعجبين به على أنها كأس ديمقراطية مسممة. 

إن التحريض ليس غريبا على نتنياهو، لا سمح الله، ولكن الرواية المخادعة التي استغلها بصورة تقليدية ومتهكمة من اجل اثارة مشاعر مؤيديه، تحولت الآن الى أمر جوهري: دعايته هي توراته، وتوراته هي عمود النار الذي يسير خلفه قطيع اغنامه فوق الجسر الذي يصل بين واقع معقد، لكنه متفق عليه، وبين عالم جديد وشجاع، يعتبر في نظر منافسيه الجحيم على الارض.

في هذا العالم الغريب المعاكس الذي انتقل اليه اليمين في اعقاب زعيمه فإن الاسود هو ابيض والكذب هو حقيقة والقانون هو شرير. نتنياهو لم يخطئ، النظام هو المذنب: الشرطة غير نزيهة والنيابة العامة مجرمة والمستشار القضائي هو مجرد ورقة والمحكمة هي زمرة مغلقة ووسائل الاعلام خائنة وجهاز الاكاديميا يقوم بالتشويه والحقوق الاساسية هي دنس يساري ووثيقة الاستقلال هي نبتة غريبة.

لا يوجد فساد أو خداع أو خرق للامانة، بل يوجد قدّيس معذب يدفع ثمن القمع الاشكنازي، اليساري، النخبوي الذي بصورة مدهشة يواصل وجوده حتى بعد أربعة عقود متواصلة من حكم اليمين، ثلثها برئاسة نتنياهو.          

الحديث لم يعد يدور عن صراع ايديولوجي مقبول، بل عن رهان على كل الصندوق. على الحياة أو الموت. مع بني غانتس كرئيس للحكومة فان مصوتي اليمين يمكنهم النوم بهدوء: ليس فقط لأن عالمهم سيتم الحفاظ عليه، بل لأنهم في الوقت الذي سينزل فيه نتنياهو عن المنصة، سيتحولون الى موضوع سعي من سيستبدله خلفهم. وإذا فاز نتنياهو، في المقابل، فان الارض ستهتز، والأسس ستهتز والدولة ستغير وجهها. وفوز الليكود يعني الطلاق التام عن كل من يخالف نهج نتنياهو والصعود الى الطريق التي لا عودة عنها.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب