تجمع الأغلبية في مجتمعنا على ضرورة تشكيل قائمة عربية واحدة لخوض انتخابات الكنيست، وهذا الإجماع مفهوم وله ما يبرره، لأن الأقليات بحاجة دائمة إلى الوحدة من أجل ضمان سلامتها ومصالحها الجماعية، ولربما تحقيق تطلعات الشعب. يتميز هذا التوجه بالعاطفية الممزوجة بالضرورة الملحّة لتوحيد الصفوف كي نواجه هذه الحكومة الكارثية. ونستطيع القول إن سياسات هذه الحكومة هي تهديد وجودي لنا. طبعًا لن تقدم هذه الحكومة على قصف مدننا وقرانا كما تفعل في غزة، لكنها تمعن في سياسة تضييق الخناق، لا بل سياسة الخنق البطيء والممنهج. حين أرخت الحكومة العنان لعالم الإجرام، لم يكن ذلك محض صدفة، وحين قمعت ما كان لنا من حريات محدودة، مستغلة الحرب على غزة لكمّ الأفواه، لم تكن أيضًا مجرد صدفة. حين بدأت بملف الدور غير المرخصة في البلاد العربية، كان ذلك حلقة أخرى في سياسة تضييق الخناق. تريد هذه الحكومة أن تجعل حياتنا مريرة إلى أبعد الحدود. هذه السياسات لها بعدان: الأول هو أن تؤدي إلى انفجار الجماهير العربية كي تجهز عليها بكل قوة وقسوة. البعد الثاني هو ما يسميه بن غفير الهجرة الطوعية. إزاء كل هذه المعطيات تصبح الوحدة حاجة وجودية. وبما أننا لا نملك الكثير من الوسائل لمواجهة هذه التحديات، يصبح الصوت أهم ما نملك. من هنا تنبع أهمية الصوت والتصويت، وهذه فرصة لمناشدة الجميع بالتصويت، لأن الأمر أصبح خطرًا يهدد وجودنا جميعًا، سواءً اعترفنا بالدولة أو قاطعنا الانتخابات لأننا لا نعترف بها. حين تمكنّا من إيصال خمسة عشر عضوًا إلى الكنيست، شعرنا بأننا بالفعل قوة فاعلة. تريد الجماهير الآن قائمة موحدة، حتى لو كانت فقط قائمة واحدة، ولكنها ليست موحدة. المشكلة الرئيسية هي السيد منصور عباس، الذي لا يريد أن يلتزم باستمرار المشتركة ما بعد الانتخابات. بل يريد الانضمام إلى ائتلاف حكومي على غرار ما فعله إبان حكومة بينيت–لبيد. ما هي خطوطه الحمراء؟ هل سيجرؤ على تقديم شروط على الصعيد المحلي وقضية حل الدولتين؟ هل سيمضي بالحديث عن "الميزانيات للوسط العربي" وكأنها المشكلة والحل لمشاغلنا ومشاكلنا وهمومنا؟ هل سيستمر بهذا النهج السطحي والعقيم؟ من يضمن التزامه بعدم الانفراد بقراراته ما بعد الانتخابات؟ هل سيذهب إلى حاخام من شاكلة الحاخام دروكمان كي يزيل عنه اللعنة الموجهة للعرب ويباركه؟ هل سيعود إلى مغازلة نتنياهو؟ هل سيجرؤ على ذكر غزة والضفة في برنامجه الانتخابي؟ الوحدة جيدة فقط إذا كان هناك خط سياسي واضح وخطوط حمراء ومفاوضات بدون توسل أو الخضوع للإملاءات. برأيي، وبكل صراحة، لا يمكن أن نثق بمنصور عباس من خلال تجربتنا السابقة ومن خلال معرفتنا بالرجل. حين لا تثق، من المفروض ألّا تسير مع من لا تثق به. على ضوء ما تقدم، أفضل لنا أن نخوض الانتخابات بقائمتين: واحدة للسيد منصور عباس، الذي سارع للتخلي عن علاقته بمجلس شورى حزبه كي يضمن بقاءه في الكنيست. والثانية تضم الجبهة والعربية للتغيير والتجمع. فسيدخل منصور عباس أي ائتلاف حكومي يرضى به، وبدون أي شروط من طرفه باستثناء الميزانيات. الصدق مع الذات أهم بكثير من مجاراة التيار والقبول بالمشتركة التي ستكون مجرد قائمة لإرضاء الجماهير التي تريد، وبصدق، الوحدة، لكنها لا تشترط الوحدة الحقيقية والصادقة. الكرة في ملعب النائب عباس، والذي يساورني شك كبير بما يخص عملية إخراج حزبه خارج القانون وجديتها وحقيقتها. شعب