تتجه الانظار اسرائيلياً الى ميامي معتبرة ان لقاء ترامب ونتنياهو المزمع يوم 29 الجاري هو الحدث الاكثر حسما، بينما تتسع حلقة التقديرات الداخلية بأن التصعيد في الخطاب الحربي ليس حقيقيا. فيما تجتمع على جدول اعمال ترامب الملفات الاقليمية والدولية، كما أن لقاءاته بصدد غزة لا تنحصر في نتنياهو بل التقى من قبل مع الدول الضامنة لاتفاق انها ءالحرب؛ مصر وتركيا وقطر، وهو اللقاء الأهم كما يبدو وحصريا بصدد اقامة قوة الاستقرار وملء الفراغ السلطوي في قطاع غزة. بحسب مصادر سياسية، فإن كل هذه القضايا مترابطة وتندرج ضمن الحلول الامريكية، فيما تعتمد نتائج اجتماع نتنياهو وترامب إلى حد كبير على قدرة نتنياهو على ربط الانتقال إلى المرحلة الثانية في غزة، والتي يصر الامريكان على التقدم فيها دونما إرجاء، بالدعم الأمريكي لمطالب إسرائيل الأمنية فيما يتعلق بسوريا ولبنان وإيران. كما يبدو من وجهة نظر نتنياهو بان اصرار ادارة ترامب على التمسك بخطة وقف الحرب بكل مراحلها قد تكون فرصة لابتزاز ترامب في ملفات اخرى، رغم ضآلة احتمالات نجاحه. كما هناك من يراهن في اسرائيل على تعمق الصدع بين طواقم ترامب بصدد الموقف من اسرائيل والاولويات الاقليمية، ليشكل هذا التوتر اساسا للتأثير على سياسات ترامب فيما ترجّح تقديرات اعلامية وسياسية اسرائيلية بأنه سيرتد على نتنياهو وسياساته. في الشأن الداخلي فإن إشغال نتنياهو المتسارع للراي العام الاسرائيلي والاعلام بجدول اعمال مثقل ومتغيّر باستمرار، يهدف الى إبقاء الساحة الداخلية مرتعا له ولسياساته واستبعاد قضايا لا يريدها مثل اقامة لجنة تحقيق في اخفاق السابع من اكتوبر. بخلاف لهجة التهديد بالحرب على جبهات متعددة في لبنان وسوريا وايران ونزع السلاح بالقوة، ورغم مساعي تغيير جدول اعمال لقاء فلوريدا نحو القضايا الاقليمية، فإن القراءات الاسرائيلية الوازنة تشير الى تسليم حكومة نتنياهو بأنه لا مكان للتأثير على وقف المسار، لينتقل التفكير الى "كيفية ضمان الامن الاسرائيلي مع تقدم المسار". التفاوت بين رؤية ادارة ترامب الاقليمية الشاملة ضمن رؤيتها الدولية وسعيها لهندسة النظام العالمي وبين حكومة نتنياهو المنكفئة على البعد الثنائي والأمني في كل ملف، يجعل حكومة الاخير تتأخر عن مواكبة التحولات التي يلعب فيها العامل العربي والاقليمي دورا متصاعدا في نظرة الولايات المتحدة ويلتقي مع أولوياتها. في الشأن اللبناني فإن اولوية الولايات المتحدة هي استقرار البلد ونزع السلاح في كل منطقة جنوب الليطاني وإعمار لبنان بالتفاهم مع المملكة العربية السعودية؛ وفي سوريا فالأولوية هي تثبيت النظام وسيادته ونزع السلاح في المنطقة الممتدة من جنوب العاصمة وحتى الحدود مع الجولان المحتل عام 1967 وبرقابة امريكية من خلال قاعدة رقابة وسيطرة لها في دمشق آخذة بالحسبان عدم استفزاز اسرائيل للنفوذ التركي المسلّم به امريكيا ويتوافق مع اولويات الادارة. في الملف الايراني فإن ادارة ترامب اعلنت ان حرب الاثني عشر يوما قد حققت اهدافها بالكامل وان وجهتها هي التفاوض مع ايران. من جهة أخرى، تسعى الولايات المتحدة إلى إدارة الملف الإيراني بطريقة أوسع وأكثر حذراً، مع تنسيق وثيق مع اسرائيل يمنع التصعيد الإقليمي. وهنا يبرز تباين واضح: فإسرائيل تُشدد على ضرورة التحرك العاجل والاستعداد له، بينما تُركز واشنطن على التنسيق والتوقيت والاعتبارات الإقليمية الأوسع. في المقابل يدفع نتنياهو الى ما يطلق عليه ضمانات لمنع تكرار هجوم السابع من اكتوبر، ثم ان نزع السلاح لا يتم فعليا وفي حال تدخلت تركيا فإنها ستدعم حماس لابقاء سلاحه ولابقائه في السلطة، وفي هذا يحظى بتأييد واسع في السياسة الاسرائيلية وبإجماع المعارضة، وكذلك لترسيخ التحالف العسكري الثلاثي مع اليونان وقبرص وفقا لمعهد يروشلايم للاستراتيجية والامن فإن الولايات المتحدة في طور اجراء تحول في استرايجياتها من الهيمنة السياسية الى التفوق الاستراتيجي.. هذا ما تؤكده خطة ترامب للامن القومي للعام 2026، وفقا للخطة تتراجع اهمية المنطقة فيما تمت معالجة التهديد الايراني، وتراجعت احتمالية نشوء صراع عالمي حول المنطقة. توجد وفقا لادارة ترامب احتمالات للسلام ولتوسيع الا تفاقات الابراهامية مع الحفاظ على امن اسرائيل بوصفها شريكا عسكريا وتكنولوجيا مع التاكيد على المصالح الاقتصادية الامريكية. مع تراجع الحاجة الامريكية الى النفط الخارجي مع تاكيدها على اهمية دول الخليج الاقتصادية واولوية منع وقوع مصادر الطاقة في ايدي الاعداء, في المقابل فاجأ نتنياهو بما يمكن اعتباره طريقا إلتفافيا على الاولويات الامريكية وفي مسعى لعدم الاصطدام بها، وهو ما وجد تعبيرا عنه في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس القبرصي ورئيس وزراء اليونان21/12 والذي أكد فيه ان اسرائيل قد وافقت على تعميق الشراكة الاستراتيجية مع البلدين مشددا على ما وصفه بالخطر التركي وعن "تحول تركيا الى دولة عدوانية" تهدد الامن والمصالح التي تجمع عليها البلدان الثلاثة. بالاضافة فقد سعى نتنياهو الى خلق مصلحة امريكية عليا في هذا التحالف الثلاثي الخارج عن الملفات الاقليمية المعهودة، وذلك بتصريحه بأن اليونان وقبرص واسرائيل تسعى الى الدفع قدما في مشروع "الممر البحري البري الاقتصادي من الهند الى الشرق الاوسط والى أوروبا". فيما صرح رئيس وزراء اليونان بأن بلاده على استعداد للاسهام في مشروع "اليوم التالي في غزة". يبدو أن هذا التصريح هو مسعى من نتنياهو لطرح بديل للدور التركي في غزة وبخلاف الموقف الامريكي. في الخلاصة: تبدو تصريحات نتنياهو التصعيدية والتهديد بالحرب مع ايران، على أنها تصريحات موجهة لمسامع ادارة ترامب سعيا للتأثير على اجندة لقاء ميامي بين الاثنين، وفي المقابل موجهة للرأي العام الاسرائيلي ولإزاحة الاهتمام عن الصراع الداخلي حول لجنة تحقيق في اخفاق 7 اكتوبر، ولدفع الانظار عن احتمالية كبرى لاذعان نتنياهو لاستحقاقات المرحلة الثانية من خطة انهاء الحرب على غزة. يوجد تسليم اسرائيلي بعدم قدرة حكومة نتنياهو على التعطيل على المرحلة الثانية من خطة وقف الحرب. مقابل ذلك هناك مسعى واضح لخلق اصطفافات اسرائيلية اقليمية مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة ودوليا والتي قد تشكل وزنا مضادا للاولويات الامريكية وحصريا بالمحور التركي السوري. رغم التحولات في الذهنية الاسرائيلية الحاكمة والشعبية الا ان القيام بأي حرب جديدة لن يحظى بشرعية اسرائيلية داخلية نظرا لان الحكومة اعلنت مسبقا بأنها انتصرت، ثم ان المجتمع الاسرائيلي كما الجيش وحصريا قوات الاحتياط مستنزفون. تعارض اي تصعيد اقليمي مع اولويات ادارة ترامب يجعل التهديدات التي يطلقها نتيناهو بعيدة عن ان تكون فعلية رغم عدم نفي ذلك مطلقا، وقد يسعى الى الحصول على ضوء اخضر لمواصلة الانتهاكات العسكرية في كل من لبنان وسوريا، فيما الرد الامريكي المحتمل هو رفض القيام بعمل عسكري مقابل ارجاء البت في مصير النقاط الخمس العسكرية في لبنان وكذلك في سوريا بشأن المنطقة العازلة الموسعة وارجاء اي انسحاب اسرائيلي. في سعيها الى الموازنة بين اللقاء مع ممثلي مصر وتركيا وقطر وبين اللقاء مع نتيناهو من المستبعد ان تتجاوز ادارة ترامب الدول الضامنة للاتفاق، والتي لها دور جوهري في تشكيل البنية الحاكمة الجديدة في غزة أمنيا واداريا. مقابل عدم الحسم حاليا بشأن الدور التركي في غزة.