منذ جئنا إلى الحياة في هذه الدنيا وبدأنا ننمو ونكبر بالعمر وبدأنا نفكر في ما يجري حولنا من المآسي والويلات التي تحل بشعوب هذه الأرض الجميلة، نقول لأنفسنا لماذا يوجد هناك قوى تعمل بشكل ممنهج على تشويه هذه الحياة الجميلة، وعرفنا أن هناك قوى تحب السيطرة بالقوة على الشعوب الأخرى في هذا العالم، وبشكل خاص على الشعوب الضعيفة للسيطرة عليها ونهب خيراتها، حيث إن هذه الدول القوية أخذت في السيطرة عليها واحتلالها ونهب خيراتها وإبقائها تحت سيطرتها، أي إن هذه الدول المستعمِرة لا يكفيها خيرات بلادها، ولذلك نتيجة لقوتها العسكرية تعمل بكل قوة من أجل السيطرة على الشعوب الأخرى في هذا العالم، وهذا ما فعلته بريطانيا والعديد من الدول الأوروبية، وكانوا يقولون في الماضي (إن الدول التي تستعمرها بريطانيا لا تغيب عنها الشمس). من الدول التي استعمرتها بريطانيا كانت فلسطين، وبريطانيا هذه لا تملك فلسطين ولكنها وهبتها للحركة الصهيونية، والتي خرجت بشعار كاذب (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، وهذه هي أكبر كذبة استعمارية صهيونية في التاريخ المعاصر. إن الاحتلال مهما طال لا يدوم، ولذلك فإن هذه الدول المستعمَرة قامت فيها حركات تحرر وطني من أجل التحرر من الاستعمار، وفي ذلك الوقت لاقت دعمًا قويًا من دولة كانت مناصرة للشعوب المظلومة في العالم بعد انتصارها على النازية في ألمانيا، وهي الاتحاد السوفيتي، حيث دعمت جميع هذه الدول سياسيًا وعسكريًا من أجل تحررها واستقلالها الذاتي من الاستعمار البريطاني الذي كان في الأساس ما يسمونها ببريطانيا العظمى، وبعض الدول الأوروبية التي كانت لها مستعمرات في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وكل هذه الدول تحررت نتيجة لتنظيم نفسها وأخذ دورها في الكفاح من أجل تحررها، ونتيجة لدعمها القوي والواسع من قبل الاتحاد السوفيتي والعالم الاشتراكي في ذلك الوقت، أي في سنوات الخمسينات والستينات من القرن الماضي. للحقيقة والتاريخ ظلت دولة وحيدة كانت تستعمرها بريطانيا هي دولة فلسطين، التي وعدت بريطانيا الحركة الصهيونية بإقامة الوطن القومي لهذه الحركة في فلسطين، وهذا ما حدث، وحتى هذا اليوم لم تنل فلسطين استقلالها، بل أكثر من ذلك هُجِّرت الأكثرية المطلقة من الشعب الفلسطيني خارج وطنها، هذا الشعب الذي عاش وما زال يعيش ما يقارب السبعة ملايين من أبنائه على هذه الأرض منذ آلاف السنين، ومثل ما يقول المثل الشعبي (الدار دار أبونا واجوا الغرب يطحونا). إن الشعب العربي الفلسطيني الذي قاسى وما زال يقاسي نتيجة لتآمر ثلاث قوى غاشمة، والتي هي السبب في مآسي هذا العالم كله منذ مئات السنين، والتي سميناها منذ عشرات السنين (بالثالوث الدنس)، وهم الاستعمار العالمي والحركة الصهيونية العالمية والحكام العرب، وفي هذه المرحلة أشد خصمين لشعبنا العربي الفلسطيني هما حكام الولايات المتحدة وحكام إسرائيل الحاليين، الذين يتنكرون للحق الطبيعي للشعب الفلسطيني لإقامة دولته المستقلة، وليس هذا فقط بل يقومون بحرب إبادة وتهجير لهذا الشعب، بالرغم من أنه قبل بالقليل من أجل تحقيق السلام ووقف شلال الدم المستمر ضده منذ أكثر من مائة عام، وفي هذه المرحلة بشكل أكثر عنفًا ودموية. منذ أن فتحت عينيّ على هذه الدنيا لم أسمع ولم أرَ أي شعب احتُلت أرضه ولم يقاوم الاحتلال بكل الأساليب المتاحة له في مقاومة الاحتلال، أعطوني شعبًا واحدًا في هذه الدنيا كان محتلاً ولم يقاوم الاحتلال. إننا نرى اليوم ظهور حكام من أمثال ترامب ونتنياهو مرضى بجنون العظمة، ويحلمون بالسيطرة على هذه المنطقة وعلى شعوب أخرى في هذا العالم، أي إن حلمهم بإحياء الاستعمار من جديد، وها نحن نرى ترامب ونتنياهو يتحرشون بجيرانهم ويعتدون عليهم في هذه المنطقة وفي أمريكا اللاتينية، ويريدون إملاء أجندتهم على هذه الشعوب كما هم يريدون، وبالرغم من الواقع الصعب فإن أهدافكم لم ولن تتحقق، ومثل ما يقول المثل (هذا بعيد عن زقومكم). إن الشعوب عرفتكم بأنكم لا تؤتمنون، لأنكم عقدتم اتفاقيات مع لبنان ومع غزة ولم تحترموها وتخرقونها يوميًا، وحتى مع سوريا، حيث إن حكامها الجدد يصرحون ليلًا ونهارًا بأنهم ليس لهم أعداء مع أي دولة من دول الجوار بما فيها إسرائيل، وأعلنوا هذا من اليوم الأول الذي استلموا به السلطة في سوريا، وبالرغم من كل هذا احتلت إسرائيل أراضي جديدة في سوريا، وبالرغم من أن حكام سوريا يفاوضون إسرائيل من أجل عقد اتفاقيات سلام، إلا أن حكام إسرائيل يعتدون على الأراضي السورية بشكل شبه يومي، وفي الوقت نفسه يعلن نتنياهو عن ضرورة إقامة إسرائيل الكبرى، أليس هذا في مضمونه عدوانًا على الأكثرية المطلقة من الشعوب العربية، أي يقول لحكامهم (الدور عليكم). إن ترامب الذي يعلن أنه يريد صنع السلام هو الذي يعتدي على جيرانه مثل فنزويلا ودول عدة في أمريكا الجنوبية، ويجري عملية قرصنة على سفينة فنزويلية تحمل النفط إلى كوبا، أليس هذا اعتداءً وسرقة في وضح النهار لأموال شعب آخر يعيش في وطنه كما هو يريد وليس كما أنت تريد يا حضرة (الكاو بوي). هل بهذه الأساليب العدوانية يمكن تحقيق السلام؟ هل مدّ الحبل على غاربه لنتنياهو للاعتداء على جيرانه في فلسطين ولبنان وسوريا حتى وصلتم إلى إيران؟ هل هذا يحقق السلام؟ (لا يا شيخ). عالمنا اليوم مبتلى بمهووسين يريدون أخذ هذه المنطقة والعالم كله إلى أماكن لا يُحمد عقباها، فمن الأفضل الصحوة يا هؤلاء قبل فوات الأوان. أقول بكل ثقة بأن الشعوب التي تدافع عن وطنها وحريتها وكرامتها واستقلالها لم ولن تهدأ أو تستكين إلا بنيل حريتها واستقلالها مهما جابهها من مصاعب، وأكبر دليل على ذلك هو الشعب العربي الفلسطيني الذي قاسى وما زال يقاسي منذ أكثر من مئة عام، وبشكل خاص في هذه المرحلة، حيث يقوم حكام إسرائيل وبدعم مطلق من الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والحالية بشكل خاص، بارتكاب جرائم بحق الشعب العربي الفلسطيني. هل قتل أكثر من سبعين ألف فلسطيني في غزة، وأكثريتهم المطلقة من الأطفال والنساء والشيوخ، وإصابة ما يقارب المائتي ألف إنسان فلسطيني، أليست هذه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؟ أليس هدم البيوت في قطاع غزة بأكثريتها المطلقة هناك، أليست هذه جرائم حرب أيضًا؟ أليست هدم مخيمات اللاجئين في طولكرم وجنين ونابلس في الضفة الغربية هي أيضًا جرائم ضد الإنسانية؟ إن كل هذه في الواقع هي جرائم حرب وإبادة ضد الشعب العربي الفلسطيني. يقال بأنه جرى التوقيع على اتفاقية سلام ووقف لإطلاق النار، وعملوا هيصة وزمبليطة في شرم الشيخ، هل احترمت هذه الاتفاقية؟ أعطوني يومًا واحدًا لم يُقتل فيه شخص في غزة، أي اتفاقية سلام هذه أو وقف لإطلاق النار؟ وكم عمارة قُصفت خلال هذه المدة في قطاع غزة. حتى صاحب وراعي هذه الاتفاقية لم يحترمها، وهو يرى يوميًا بأم عينه أن أكثرية بنود هذه الاتفاقية تُخرق، لأن ترامب نفسه عمليًا يعطي كل الإمكانيات لحكام إسرائيل من أجل الاستمرار في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني. وفي لبنان أيضًا جرت اتفاقية سلام ووقف لإطلاق النار بدعم أمريكي، هل احترمت هذه الاتفاقية من قبل حكام إسرائيل بالرغم من أنه لم تُطلق أي طلقة على إسرائيل من لبنان منذ توقيع الاتفاقية حتى هذا اليوم. في الواقع لو أن ترامب صادق بأنه يريد صنع السلام في هذه المنطقة لما أعطى لحكام إسرائيل هذا النفس والدعم المطلق، كل هذه الخروقات يعرفها ترامب جيدًا، وهناك تصريح لنتنياهو نفسه أنه هو الذي يقوم (بالعمل الوسخ) في هذه المنطقة عن أمريكا ودول الغرب الاستعماري. إن الدولة الوحيدة التي أُقيمت بقرار من الأمم المتحدة هي دولة إسرائيل، وهي التي حتى اليوم لم تنفذ أي قرار من قرارات الأمم المتحدة بشأن الفلسطينيين. في الواقع إن منظمة الأمم المتحدة هي أيضًا تتحمل مسؤولية كبرى، حيث إنه من واجبها أن تحترم قراراتها وتعمل على تنفيذها، وبدون تدخلها الفعلي وفرض إرادتها لن تهدأ هذه المنطقة وسوف يستمر سفك الدماء من جميع شعوب هذه المنطقة، وبشكل خاص الشعب الفلسطيني والإسرائيلي، وهذا ما لا نريد لكلا الشعبين. لذلك من أجل وقف سفك الدماء البريئة، على المجتمع الدولي أن يأخذ دوره من أجل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في مثل هذه المرحلة، خاصة وأن الأكثرية المطلقة من دول العالم تعترف بالدولة الفلسطينية، وفي الوقت ذاته على الدول العربية وشعوبها وحكامها التخلي عن الارتكان على ترامب، هذا الذي يهدد محكمة العدل الدولية ويتدخل من أجل الإفراج عن نتنياهو، وهو عمليًا شريك في مأساة شعبنا، وأنه لم ولن يجلب السلام والاستقرار في هذه المنطقة، ومثلما يقول المثل الشعبي (يا طالب الدبس من قفا النمس). أيها الشعوب العربية وحكامها، هل أنتم طرشان أم أنكم لم تسمعوا نتنياهو الذي صرح بأنه يريد أن يقيم إسرائيل الكبرى؟ يعني اللي مش فاهم منكم يفهم إنه الدور جاي عليكم. أيها الإخوة، أود أن أستعين ببيت شعر للشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي، وأقول جملة على وزن هذا البيت (إن لترامب ونتنياهو مطامع في بلادكم لا تصدوها إلا بوحدتكم الصادقة والتخلي عن جبنكم). عرابة البطوف