في مطلع هذا الأسبوع حضر وزير ما يسمى الأمن القومي إلى الكنيست كما لو أنه قادم لتقديم عرض أزياء سياسي… لا يحمل خطة أمنية، ولا تقريرًا مهنيًا، ولا حتى ورقة عمل. جاء محمّلًا بـ مشنقة صغيرة يعلّقها بفخر على كتفه، وكأنها قطعة من مجموعة ربيع–صيف 2025. مشنقة… نعم، مشنقة. إكسسوار رسمي جديد لتصميم شخصية دولة لا تعرف ماذا تفعل، فتختار أن تتزيّن بأدوات الموت بدلًا من أدوات الأمن. مشهد سوريالي، هزلي، ومريض في الوقت نفسه: وزير يجلس في قاعة تشريعية وهو يلوّح بحبل للقتل، أكثر شغفًا بجذب الكاميرات من حماية أرواح الناس. المشنقة: من عقوبة إلى "إكسسوار" بالنسبة للوزير، المشنقة ليست رمزًا لجريمة الإعدام، ولا نقاشًا أخلاقيًا، ولا قرارًا مصيريًا… هي مجرد قطعة عرض. يرفعها للكاميرا. يحركها بيديه كأنها قطعة مجوهرات. يشرحها لجمهوره المتحمّس للعنف. وكلّما تزايدت الجريمة، تزايد حبّه للاستعراض. ربما سنرى قريبًا حملة: #مشنقة_ستايل #BenGvirCollection وبينما هو يعيد ابتكار “الإعدام” بطريقة فاشلة، الفلسطيني في الداخل يُترك لواقع أخطر من أي مشنقة: سلاح في كل زاوية، عصابات تتحرك بلا رادع، شوارع فقدت معنى الأمان. من اقتحام الزنازين إلى أوامر الهدم… نفس الفيلم المشنقة لم تأتِ من فراغ. هي مجرد حلقة إضافية في سلسلة من العروض المسرحية الرديئة: اقتحم الزنازين ليصرخ على أسرى مكبّلين، ثم ينشر الفيديو بفخر. تجوّل في السجون كأنها ستوديو تصوير لحلقته الأسبوعية. لاحق الأسرى العزّل بكاميرته أكثر مما لاحق تجار السلاح. أنهى جولته بتوزيع أوامر هدم للجمهور، كأنها منشورات عروض نهاية الموسم. الرجل يعيش حياته كما لو أنه نجم برنامج واقعي اسمه: "بن غفير… البطل الذي اخترعه التلفزيون" لكن البطولة الحقيقية ليست على شكل فيديو، والأمن الحقيقي لا يحتاج مونتاجًا. وفي الخلفية… الأمن الداخلي ينهار بينما الوزير يبتكر "مشنقة جديدة" في كل أسبوع، مجتمع كامل يُترك وحده في مواجهة: عصابات مسلحة اقتصاد جريمة مزدهر سلاح بلا ضوابط جرائم قتل أصبحت جزءًا من نشرة الطقس شرطة تتذكّر وجودنا فقط حين تكون هناك كاميرا ودولة تعِد بقوانين جديدة بدل حماية الناس الموجودة أصلًا لقد تحوّل الأمن الداخلي إلى فراغ هائل. ومثل أي فراغ… امتلأ بالفوضى والدم. قانون الإعدام: محاولة انتخابية بائسة طرح الوزير قانون الإعدام للأسرى الفلسطينيين بالطريقة ذاتها التي عرض بها المشنقة: كأداة دعاية لا كسياسة. الجميع يعرف أن هذا القانون ليس جوابًا للجريمة، بل محاولة انتخابية مكشوفة لملء صندوقه بالأصوات. في المواسم الانتخابية، يصبح الدم الفلسطيني ورقة رخيصة، والتهديد بالإعدام “محتوى سياسيًا سريعًا”. هذا القانون لا يغطي على حقيقة واحدة: أن الوزير فشل — تمامًا وبشكل مدوٍّ — في حفظ الأمن لجميع المواطنين. فشلٌ يهرب منه نحو الأسرى لأنهم الحلقة الأسهل، بينما العصابات الحقيقية تضحك من بعيد. سؤال بديهي… لكنه غير مسموح في هذه الحكومة: أين الأمن؟ هل وقف الوزير يومًا بجانب ضحية جريمة؟ هل أدار جلسة مهنية تبحث أسباب الانهيار؟ هل قدّم خطة واحدة قابلة للتنفيذ؟ هل واجه العصابات؟ هل اعترف بالفشل؟ لا. كل ما فعله هو الهروب… الهروب إلى السجون، إلى الكاميرات، إلى التحريض، إلى المشانق المصغّرة. لأن مواجهة المجرمين ليست شعبية. لكنّ رفع المشنقة؟ هذا يضمن تصفيق الجمهور. النتيجة: مسرح كامل… وشعب بلا حماية بينما يواصل الوزير عروضه، نحن نواصل عدّ الضحايا. بينما يرفع المشنقة، ترفع العائلات صور أحبّتها. وبينما يلهث خلف الرداء المسرحي، نحن نلهث خلف الأمان الغائب. لقد صدر بحقّنا “حكم الإعدام” فعليًا منذ اللحظة التي تُركنا فيها بلا حماية. المشنقة التي يرتديها ليست جديدة… إنها فقط النسخة المرئية من سياسة قديمة مفادها: حياتكم ليست ضمن جدول أعمالنا.