رحل عنا بكثيفه أبو سلام عادل أبو الهيجاء، الحدثيّ، الطمراوي بانتمائه المحلي، الفلسطيني بانتمائه القومي، الشيوعي الجبهوي الوطني التقدمي بانتمائه الفكري والسياسي، الثوري الاجتماعي القيادي بنهجه وسيرته، صاحب القلب الكبير بحبه لأهله وشعبه ومسقط رأسه الحدثة ولبلده المُستجد طمرة ولكل حر في هذا العالم، ولطبقة العمال والفلاحين والمظلومين. عاش حرًّا ورحل منتصبًا كالأشجار التي تموت واقفة، تاركًا لنا حسرة حارقة على فقدان هذه القامة الشامخة ولوعة فراق لا بد منه، إلا أن لطيفه المميز يبقيه أمامنا النموذج للإنسان "العادي" جدًّا – الواحد منا.. والخارق جدًّا – لأنه بالفعل غير شِكِل.
نكبة شعبنا عام 1948 جلبت لرفيقنا الراحل ولبلده ولشعبه التهجير والطرد والحرمان واللجوء وهو طفل، ولكنه ورغم ذلك وبثوريته، المرافقة له من تلك الحقبة إلى آخر لحظة، وبتحديه وإرادته الفولاذية الخارقة للمألوف، للحقيقة حقبة لا يعرف حجم ألمها وتعداد مصائبها إلا أمثاله ممّن عايشوها، تجاوزها فقيدنا رغم مرارتها، ومع الزمن وفي نهاية المطاف انتخبه أهل بلده المُستجد طمرة ليكون رئيسه لدورتين متتاليتين، عدا عن كونه أحد قياديي حزبنا الشيوعي وجبهتنا الديمقراطية للسلام والمساواة المركزيين لفترة طويلة. أليس هذا القائد وسيرته وصيرورته جديران بأن يكونا مثلًا ونموذجًا ونبراسًا للأجيال الناشئة ليهتدوا به وبها.
بالإضافة لهذه المآثر ترك لنا راحلنا الغالي كتابًا عن سيرته الذاتية تحت عنوان "مذكرات شخصية ذاكرة جماعية"، يصهر فيه ذاته الخاصة مع ذاتنا الجماعية كشعب فلسطيني، كتاب أنصح كل عربي بقراءته، اذ يمكن اعتباره بكل بساطة مدرسة نضالية قل أمثالها، في هذه الوثيقة، الخاصة ولكنها شاملة وعامة ايضًا، نستطيع تتبع سيرة وصفات فقيدنا، المعروفة للجميع، ومن التفاصيل التي يحوي نعرف أننا في حضرة أبي سلام: الإنسان، المتفاني، المعطاء، الطيب، المتواضع، المحب لحزبه وجبهته وشعبه وللحدثة ولطمرة ولكل قرانا، الأممي، القائد، الثوري، المدافع عن الحق والحقيقة والمظلومين، الاجتماعي والذي لم يتنازل عن القهوة السادة ليحقق لوالده أمنيته عندما قال لزوجته عند تهجيرهم من الحدثة: "لا تنسي القهوة وأباريقها وغلاياتها.."، الخطيب، الوطني المميز والذي احدى المحطات الوطنية في حياته موقفه في تثبيت اضراب يوم الأرض الخالد وغيره الكثير من الحكايات، نظيف اليد والضمير، صاحب الانتماء الواضح، التقدمي، المتحدي، الجريء، المستقيم، صاحب الإرادة.. وغيرها من الصفات الحميدة التي يتمتع بها كل آدمي، كلها لازمت هذا الرمز وكانت منه وفيه، وبإمكاننا على إثرها أن نقر بأنه مدرسة ومُدرّس.
ربطتنا نحن أعضاء لجنة المبادرة العربية الدرزية مع المرحوم علاقة مميزة، ليس صدفةً، وانما لأن أبا سلام كان وطنيًا ووحدويًا حتى النخاع، اذ أنه رأى، كما نرى نحن، المشروع الصهيوني المتعلق بنا كدروز فلسطين، مشروعًا فتنويًا تفتيتيًا، بالضبط كما يجري اليوم مع دول الخليج المطبعين- المتحالفين مع الشيطنة والشيطان، ومن هذه الرؤى كان ليس فقط داعمًا لنا ولنضالنا الوحدوي والوطني لتحقيق وحدة ولحمة شعبنا، وإنما كل الوقت قال: "أنا أحد نشيطي هذه الهيئة الوطنية التي شعبنا بحاجة لها".
من تشكيلة أفكار وقناعات هذا القائد احترامه للمرأة ودورها، اذ كان حبه وتعامله مع زوجته رفيقتنا ام سلام سُمية المثل والمثال، ومنها كان تعامله الرصين والمسؤول والضروري لمواساة نصف المجتمع المظلوم في مجتمعنا الذكوري وحالتنا الطبقية، وهل الطائر إلا بجناحيه يطير.
نعم فقيدنا هو فقيد شعب بأكمله وفقيد القوى الديمقراطية كلها، وعلى الجميع وخاصة الشباب الاستفادة من ارثه ورصيده ومزاياه هذه، ويحسن العمل لمجتمعنا العربي، إذا سعى لتحقيق دعوة راحلنا في بناء متحف ليكون مركز دراسات عن النكبة وما بعدها، كما وأدعو الجميع إلى قراءة وصيته المذكورة في كتابه المذكور أعلاه ص 261 فيها الكثير من الاستفادة العملية.
أكيد ما كتبه ايليا أبو ماضي ينطبق بالتمام والكمال على فقيدنا:
حر ومذهب كل حر مذهبي
ما كنت بالغاوي ولا المتعصب
يأبى فؤادي أن يميل إلى الأذى
حب الأذية من طباع العقرب
إني إذا نزل البلاء بصاحبي
دافعت عنه بناجذي وبمخلبي
قال المثل كُنْ عظيمًا ودودًا قبل أن تكون عِظامًا ودودًا، الرحمة لراحلنا وعزاؤنا بسيرته وخلفه، لتبقى ذكراه خالدة.
(كاتب هذه السطور رئيس لجنة المبادرة العربية الدرزية).
إضافة تعقيب