news-details

اتفاقيات السقف.. ليس كل ما يلمع ذهبًا| المحامي نضال عثمان

أعتقد أن هناك فهمًا مغلوطًا غير كامل لاتفاقيات السقف التي عملت الحكومة في السنوات الأخيرة على إقناع سلطات محلية يهودية وعربية للتوقيع عليها.

 

فما هي اتفاقيات السقف؟

 

 هي اتفاقيات يتم التوصل إليها وتوقيعها بين الحكومة ودائرة أراضي إسرائيل ووزارة الإسكان ووزارة المالية من جهة، ومن جهة أخرى السّلطات المحليّة في البلاد. ويتم حسبها العمل على زيادة عدد الوحدات السكنية والقسائم المقترحة للتسويق في البلدة، اذ تتيح الاتفاقية تطوير وبناء أحياء جديدة من آلاف الوحدات السكنية في البلدات التي تم التوقيع معها على الاتفاقية.  للوهلة الأولى ممكن القول: " يا للروعة وكل الاحترام على هذا المشروع العظيم الذي تسعى الدولة لتسويقه وتعمل على توقيع اتفاقيات بخصوصه من البلديات والمجالس المحلية المختلفة". أي انه بضمن هذه الاتفاقيات يتم التخطيط لبناء أحياء جديدة ويتم كذلك بناء بعضها أو جزء منها بشكل فعلي، إلا أنّ هناك حاجة لفحص الاتفاقية وشروطها بشكل مفصل ودقيق قبل التوقيع عليها.

 

 من الجدير بالذكر أنّه في السنوات 2013 حتى 2020 تم توقيع اتفاقيات سقف مع حوالي 30 بلدة وليس بينها أي واحدة عربية.

 وهنا لا بد من استعراض موقف مدير عام وزارة الداخلية في العام 2017 مردخاي كوهين والذي صرح به في مؤتمر تم تنظيمه في جامعة تل أبيب، إذ قال محذّرًا:" إنّ اتفاقيات السقف سيُندم عليها لأجيال كثيرة قادمة وإن اسقاطاتها على السلطات المحلية ستكون هدامة من الناحية الاقتصادية".  

هناك تقرير لوزارة الداخلية من العام الماضي يؤكّد أنّ اتفاقيات السقف وبناء أعداد كبيرة من الوحدات السكنية حسب هذه الاتفاقيات سيخفض مستوى الخدمات التي تقدمها السلطات المحلية لسكانها.

 

من المهم التأكيد أنّ وزارة الإسكان عرضت بالسنوات الأخيرة على بعض السلطات المحلية العربية التوقيع على اتفاقيات السقف ومن هذه البلدات أم الفحم وطمرة وغيرها. على سبيل المثال، في طمرة، عرضت وزارة الإسكان على البلدية توقيع الاتفاقية منذ أكثر من سنتين، وعندما لم توافق إدارة البلدية على التوقيع على اتفاقية السقف المقترحة، قدّمت الوزارة اقتراحًا بأن تقوم البلدية في طمرة بالتوقيع على اتفاقية تطوير شاملة، تشمل منطقتي تطوير وهي منطقة "الدهيديا" والتي أقرت في تمال 1033 والتي تشمل حوالي 1800 وحدة سكنية، وكذلك منطقة تخطيط 1 و2 وهو المخطط الذي يحمل رقم فتمال 1101 والذي تم اقراره في سلطات التخطيط ولكن عليه اعتراضات أمام القضاء وتشمل هذه المنطقة حوالي 5000 وحدة سكنية. من المهم التأكيد أنه في مدينة طمرة هناك 6 مناطق تقوم فيها البلدية بتخطيط أحياء جديدة وهي تشمل منطقة الدريجات التي تم إقرار المخطط فيها وتم البناء بها قبل إقرارها وكذلك منطقة الكواشف التي أقرت كذلك وموجودة في مرحلة التوحيد والتقسيم.

 

ما الفرق بين اتفاقية السقف واتفاقيات التطوير الشامل؟

 

ليس هناك فروقات كبيرة في شروط اتفاقيات السقف واتفاقيات التطوير الشامل فهي تقريبًا نفس الشروط، ولكن الفرق الوحيد هو بعدد الأحياء التي يشملها الاتفاق، اذا اتفاقيات السقف تشمل غالبية الأحياء المقترحة للتطوير واتفاقيات التطوير الشامل تشمل قسمًا من الأحياء الجديدة المقترحة وليس كلها.

 

ماذا تعني هذه الاتفاقيات؟

 

حسب هذه الاتفاقيات يتم تحديد الأحياء التي سيتم العمل على تسويق وحدات سكنية وقسائم بها، ويشمل كذلك الأراضي الخاصة، ويتم تنفيذ فحص وتخمين لتكاليف التطوير في هذه المنطقة، وبناء عليه يتم تحديد سعر القسيمة وكذلك تكلفة التطوير في المنطقة وكم يجب على كل من تقدم بطلب لشراء قسيمة الدفع مقابل أعمال التطوير، طبعًا من المهم التأكيد أن تكاليف التطوير هذه يتم كذلك تكليف أصحاب الأراضي الخاصة بها بناء على مساحة الأرض التي يملكونها في المنطقة التي يتم العمل على تطويرها.

 

منذ أن دخلت المجلس البلدي كعضو بلدية في العام 2019 بدأت بدراسة اتفاقية السقف التي تعرضها وزارة الإسكان على بلدية طمرة للتوقيع عليها ووجدت أن هناك العديد من البنود التي تتضمنها هذه الاتفاقيات والتي ممكن أن تؤدي إلى انهيار السلطة المحلية، طبعًا بالإضافة للاحتمال الكبير وحسبما تم الادعاء في تقرير وزارة الداخلية بأن اتفاقيات السقف من شأنها أن تخفض بشكل كبير مستوى الخدمات المقدمة لسكان المدينة والتي هي بطبيعة الحال اسوأ من تلك التي تقدم لسكان البلدات اليهودية.

 

سآتي هنا على ذكر بند أساسي موجود باتفاقيات السقف وكذلك باتفاقيات التطوير الشامل، وهو ما يحدد كمية وحدات السكن التي توافق البلدية على بنائها خلال فترة زمنية قصيرة. وحسب هذا الاتفاق تستطيع دائرة أراضي إسرائيل أو وزارة الإسكان تسويق القسائم، فعلى سبيل المثال، في اتفاقية التطوير المعروضة على بلدية طمرة، تطلب الوزارة موافقة البلدية على بناء حوالي 4000 وحدة سكنية خلال 3 سنوات أي حتى نهاية العام 2024 وهذا أمر غير منطقي، إلا إذا كان في نية الوزارة تسويق هذه الوحدات السكنية لخارج سكان مدينة طمرة وهذا ما لا توافق عليه البلدية.

 

لنأخذ مثالاً اتفاقية السقف في أم الفحم وحسب ما جاء وما نشر بالإعلام فأنّه يجري الحديث عن 15000 وحدة سكنية أي حوالي 5000 قسيمة بناء وكذلك تحدثت المعطيات عن أن حوالي الثلثين في الأحياء المقترحة عبارة عن أراضٍ خاصة والثلث يعتبر أراضي دولة.

ويسأل السؤال، حين يتحدثون عن 15000 وحدة سكنية خلال فترة زمنية محددة، ما يعني مضاعفة عدد سكان أم الفحم خلال فترة تم تحديدها بالاتفاقية وفق مخططاتهم؟ وأنا متأكد تمامًا من أن الزيادة التي يتحدثون عنها هي مضاعفة عن التكاثر الطبيعي لأهل ام الفحم خلال الفترة التي اتفق عليها بالاتفاق. والسؤال لمن ستسوق الوحدات السكنية في أم الفحم التي ستبنى على أراضي الدولة؟ وكيف ستضمن بلدية أم الفحم الآن وفي السنوات القادمة أن يكون تسويق الأراضي لأهل المدينة ولا يتم استقدام مجموعات سكنية تثقل على كاهل البلدية والبلد، وبدلًا من أن يكون التسويق معينًا يتحوّل لمُعيق.

 

 

ماذا تشمل كذلك اتفاقيات السقف او اتفاقيات التطوير؟

 

في بعض اتفاقيات التطوير أو اتفاقيات السقف تأخذ وزارة الإسكان الموافقة من البلدية على أن تقوم الوزارة بواسطة شركة من طرفها بعمليات التطوير وبذلك تحصل على مئات ملايين الشواقل جراء التسويق والتطوير وتحول جزءًا بسيطًا منها للسلطة المحلية.

هناك أمر آخر تتطرق إليه اتفاقيات السقف واتفاقيات التطوير في بلداتنا العربية وهو تقريبًا غير موجود في البلدات اليهودية وهو موضوع الأراضي بالملكية الخاصة، فمثلاً في طمرة في منطقة التطوير 1و2 فتمال 1101 نصف الأراضي تعد أراضي خاصة، وفي أم الفحم ثلثا الأراضي تعد أراضي خاصة حسبما جاء في النشر عن المناطق التي يشملها الاتفاق، ولذا وجب التدقيق في بنود الاتفاقية حول من سيجبي من أصحاب الاراضي الخاصة مقابل التطوير، وأنا شبه متأكد انه كما جاء في اتفاقية التطوير المقترحة على بلدية طمرة، فإن هناك بندًا يحدد بأنّ المسؤولية لجباية مقابل التطوير من أصحاب الأراضي الخاصة تقع على البلدية. 

وكذلك أعتقد أنّ هناك بندًا إضافيًا في الاتفاقية ينص على أنّه في حال البلدية لم تجب من أصحاب الأراضي الخاصة فيحق للدولة أن تقوم بخصم ما تستحق البلدية لديها إن كان حسب الاتفاق أو غيره مقابل ما لم تجبه على التطوير من أصحاب الأراضي الخاصة. والسؤال، كم ستجبي بلدية ام الفحم وبلدية طمرة في حال وقعت على اتفاقية سقف أو تطوير شامل من أصحاب الأراضي الخاصة وكم ستخصم الوزارة من الميزانية التي أعلنت أنّها خصصتها لتنفيذ الاتفاقية؟ وفي حالة أم الفحم يتحدثون عن 800 مليون شاقل.

 

طبعًا أنا أدّعي حسب فهمي للأمور بأن الحكومة لن تمول شاقلاً واحدًا من كيسها لتطوير ما التزمت به حسب الاتفاق، وبأن كل تكاليف التطوير والمباني العامة ستمول من تكاليف ومبالغ التطوير التي ستجبى من الذين سيشترون القسائم المسوقة وكذلك من أصحاب الأراضي الخاصة. يعني ذلك، أن الحكومة تسعى وستسعى لتوقيع اتفاقيات سقف واتفاقيات تطوير لتقوم بتمويل التزاماتها التي قدمتها بمجال الاسكان والمباني العامة في الخطة الاقتصادية المصطلح عليها 923 من الدخل المتوقع من تسويق القسائم وجباية تكاليف التطوير.

 

يجب التأكيد هنا على أمر غاية في الأهمية وهو أن اتفاقية السقف قابلة للتفاوض قبل توقيعها وليس شرطًا أن كل بنود اتفاقيات السقف هي سيئة والأمر يتعلّق بنوعية التفاوض حول الاتفاقية التي وقعت وماذا اتفق وعلى ماذا وقعت البلديات الموقعة، ولكن لا بد من التأكيد على ما جاء على لسان مدير عام وزارة الداخلية هناك العديد من الشروط في اتفاقيات السقف والتي ممكن أن تهدم السلطة المحلية.

 

يحاول بعض الشركاء في الائتلاف الحكومي من أحزاب معدودة على اليسار وكذلك الشركاء العرب في الحكومة تسويق توقيع اتفاقية السقف مع أم الفحم أو مستقبلاً مع غيرها وكأنه إنجاز، وهذا يأتي بناء على حسن نواياهم بتقديري ولكن أقترح عليهم التأني وأقول بشكل واضح: "ليس كل ما يلمع ذهبًا"، وانه على اللجنة القطرية للرؤساء والمؤسسات المختصة أخذ دور فعّال والتعمق أكثر وأكثر في موضوع اتفاقيات السقف لما يتحتم عليه من اسقاطات على بلداتنا العربية.

 

الكاتب: نائب رئيس بلدية طمرة.

صورة جوية لمدينة طمرة للمصوّر وليد زيداني. 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب