news-details

الأسطورة وانبعاث البطل| رشدي الماضي

تذهب الدّراسات الأدبيّة إلى التّأكيد بأنّ في كل "مبدع" "اسطورة" مُعيّنة، وقُدرة على نقلها إلينا بهدف خلق نوع من التّوازن بين مبدأ الذّات ومبدأ الواقع، وهذا ما يُمَكّن العمل الإبداعي من اكتساب عنصر الوجود المُسْتقل

   وقد دلَّت الأبحاث التي تناولت بالتَّحليل هذا الجنس من الكتابة، أَنّ المبدع يوظّف قُدراتِه عادةً، لنفي مغزى الأسطورة الغيبي أو الأَصلي، آلِيَّةً، تُمَكّنُهُ من ابتكار المغازي الرَّمزيّة الجديدة، الّتي تستبطن أحاسيسَهُ الدّاخلية، وترتبط في نفس الآن بقضيَّتهِ التي يتمحور حولها الجدل

   ولكون المبدع حاملَ رسالة يسعى من خلالها العثور على الحقيقة، وإماطة اللّثام عن الحقائق المقلوبة، بكلِّ ما تُخْفيهِ من خِواء الواقع والانكسارات الحضاريّة، يلجأ يوعي راءٍ إلى أساطير البعث وآلهة الخصب التي تزخر بالأحداث الدّراميّة المُتَّصلة بنشأة الكون ومصير الإنسان

   لذلك يقودُهُ، بطبيعة الحال، مثل هذا التّوجّه إلى محورة أعماله حول الأبطال الأسطوريين، وهم، كما نعلم، أبطال خارقون يرتادون المجاهيل ويركبون المخاطر، بغية غايات انسانيّة تطمح إلى نفي التّردي الحضاري، بهدف الانتقال إلى واقع أرحب يُخْصب الحياة ويمدّها بالماء الدّائم

   تبرز على سطح هذا المشهد الميثولوجي ثيمة الانبعاث، التي يرى فيها الباحثون بانّها تصوّر استاطيقي، يُجَسِّد رؤيا الذَّات الحداثيّة التي تبرهن ما في الواقع من ضحالة، وذلك، عن طريق ما تطرحه من بدائل على مستوى الفرد والمجتمع، هذا، كما وتبرز شخصيّة البطل الانبعاثي، مخلّصا من هذا "المواث" الحضاري الذي يُهَيْمنُ على الواقع

   ومن الطبيعي في هذا المجال، أن يستثمر المبدع أساطير الموت والانبعاث، لتلبّي حاجةً جذريّة من صميم تجربتهِ الخلّاقة، لتكون التّعبير النّابض عن مواقفِهِ الحضاريّة والفكريّة

   أذاً… لم يَعُد غريبا، حين نرى المبدع، وهو في مَسْعاه لبناءِ بطله الانبعاثي، نراهُ، يستغلّ آلهة الخصب لتحقيق هدفَهُ

   كَتَقَمُّصِهِ، على سبيل المثال لا الحصر، شخصية "تموز" الّتي تُجَسِّدُ روح الثَّبات وهي تموت وتحيا في دورة مستمرّة، تعينها في ذلك روح الخصوبة التي يتوقّف عليها انعاش الإبن القتيل واستعادته مُجدّدا من العالم الأسفل

   وهكذا، أصبح " تموّز" في الأدب، البطل الانبعاثي والدّليل الملموس على انبعاث الأرض والحياة...

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب