تحت شعار "الاحتلال والانقسام والفساد السياسي حلقة مغلقة يغذي كلٌّ منها الآخر" أطلق ائتلاف أمان تقريره السنوي الخامس عشر حول واقع النزاهة ومكافحة الفساد للعام 2022.
من الواضح أنه في ظل انشغال العالم في الحرب على مستقبل النظام الدولي، وما ينجم عن هذا الصراع من أزمات اقتصادية غير مسبوقة، و في ظل انشغال الدول العربية في حروبها الأهلية والبينية، فإن حكومات الاحتلال المتعاقبة تسابق الزمن في حربها المفتوحة على الشعب الفلسطيني في محاولة منها لإلحاق الهزيمة الساحقة بمشروعنا الوطني وتصفية قضية شعبنا وحقوقه المشروعة.
وفي الوقت نفسه، فقد فشلت السلطة الوطنية منذ نشأتها في بلورة رؤية للحكم، تربط بين مهمات استكمال التحرر الوطني وفي مقدمتها الخلاص التام من الاحتلال، مع متطلبات البناء الديمقراطي لمنظومة الحكم الانتقالية التي كان يجب أن تمهد الطريق لدولة الاستقلال، وقد كان واضحاً منذ البداية أن الفشل في أي من هذين المسارين سيطيح بكليهما. فجوهر هذا الربط يقوم على ركيزة بناء نظام ديمقراطي فعّال وقادر على تعزيز قدرة الناس على الصمود، والاستمرار في استنهاض طاقتهم في معركة انهاء الاحتلال، وإن بأدوات وأشكال جديدة من المقاومة. هذا الفشل الذريع، وبالاضافة لطبيعة النظام السياسي العنصري في اسرائيل الذي يرفض تماماً أي إقرار بحقوق شعبنا الوطنية، كان واحداً من أسباب بداية تفكك المشروع الوطني وفشل إمكانية انجاز الحقوق الوطنية عبر مسار التسوية، و ما أفضى إليه ذلك من انفضاض فئات اجتماعية عريضة عن منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت الضحية الأبرز لهذا الفشل، بما تمثله من ركيزة جامعة لقيادة التحرر الوطني. فاهتزاز العلاقة بين المنظمة والسلطة الناشئة لصالح سلطة دون فلسفة واضحة للحكم، بل واستمرت في سياسة استرضاء العدو، هو التعبير الواضح لهذا الفشل الناجم أساساً عن غياب تلك الرؤية التي تحكم العلاقة بين الوطني والديمقراطي وتصيغ العلاقة بينهما في اطار تكاملي.
وقد جاء الانقسام، وارتفاع وتيرة الصراع على السلطة في ظل انهيار مشروع التسوية وغياب أي مراجعة لمسار هذه التسوية، واصرار طرفي الانقسام على ادارة الظهر للارادة الشعبية بوضع شروط مفتعلة، ليعطل ليس فقط النظام السياسي ومنظومة الحكم، بل و مجمل الحياة السياسية في البلاد، ويكاد يطيح بالحركة الوطنية برمتها إن لم يكن قد أطاح بها بعد!
الربط الذي قدمه تقرير أمان السنوي للعام 2022، يظهر تماماً ترابط العناصر المضادة للنضال الوطني ممثلة بالاحتلال والانقسام وكيف ولّد ذلك طغيان حالة الفساد السياسي، وما ينجم عنها من أشكال الفساد الأخرى التي باتت فعلياً تقوض قدرة الناس على الصمود، وهي الأولوية العليا والمهمة الأبرز الماثلة أمامنا بهدف تمكينه من الاستمرار في مقاومة مخططات التهويد والاقتلاع التي تسابق بها حكومات الاحتلال الزمن لتصفية القضية الفلسطينية.
هناك إجماع شعبي أن اسرائيل هي المستفيد الوحيد من استمرار حالة الانقسام، ومع ذلك لم يتمكن هذا الاجماع من احداث أي اختراق في هذه الحلقة الجهنمية التي تغذي بعضها البعض، وتستعيد القضية الوطنية من براثن هذا الانقسام و ما يولده من فساد يكاد يطبق على أنفاس الناس في شتى جوانب حياتها.
لقد أصاب تقرير أمان، وإن جاء ذلك متأخراً لسنوات، بأن إمكانية تغيير هذا الواقع وبفعل ترابط حلقاته الجهنمية بات أكثر تعقيداً، ويبدو أن مسار هذا التغيير الذي سبق وأن جرى التنبه له والعمل على احداث اصلاح تدريجي ممأسس لتجاوزه من خلال ما عُرف بخطة العامين لانهاء الاحتلال وبناء مؤسسات الدولة في عهد حكومة رئيس الوزراء الأسبق سلام فياض، والذي عاد وقدم في تموز العام 2014 ما يشبه خارطة طريق تستجيب لمتطلبات هذا الربط و ممكنات التغيير، من خلال حكومة انتقالية تأخذ على عاتقها تعزيز صمود الناس واستعادة المسار الديمقراطي بالتحضير الجدي للانتخابات، وتوحيد آليات صنع القرار الوطني من خلال استعادة الطابع الائتلافي التعددي لمؤسسات الوطنية الجامعة ممثلة بمنظمة التحرير كجبهة وطنية تضم الجميع وتقود مهمات التحرر الوطني، كما جرت محاولات عديدة لبلورة حراكات اجتماعية لذات الغرض، إلا أن قوة المصالح الفئوية والذاتية الأنانية الضيقة، والتخندق على ضفتي الانقسام كانت أقوى من هذه الرؤى والاجتهادات والمحاولات ونجحت في الاطاحة بها. ويبدو أنه لن يكون بالامكان النجاح في تحقيق ذلك سوى بالعودة للناس واستنهاض طاقتها من خلال تشكيل جبهة شعبية عريضة ينخرط في اطارها كل الوطنيين الغيورين على المصالح الوطنية العليا لتحقيق هذا الهدف الذي يعني بوضوح تشكيل حركة وطنية جديدة على اساس الاقرار بالتعددية السياسية والفكرية في اطار منظمة التحرير ومواجهة كل أشكال الاقصاء والهيمنة والتفرد بالمصير الوطني والموارد المتاحة، والالتزام المطلق بالمصالح الوطنية العليا وفي مقدمتها الخلاص من الاحتلال، والمصالح المباشرة للقطاعات الشعبية العريضة. وبما يعنيه أيضاً بأن اسقاط الانقسام ومحاربة الفساد باتا مكونين جوهريين في مسيرة النضال الوطني ضد الاحتلال ومخططاته، ومن أجل صون الهوية الجامعة وانجاز حقوق شعبنا في العودة وتقرير المصير والاستقلال الوطني الناجز.
إضافة تعقيب