news-details

الجندي رقم واحد

يعود الجندي الاول لقلب المعركة هذه الايام متحمسًا، يحمل كالعادة أسًا وجدانيًا عميقًا زائفًا، قد حملته جوارحه منذ نِعَم الطفولة في كيبوتس مشميرت هشارون، والذي بين بيوته  تَنعّم بشغفه وحبه للرصاص والمسدسات واطلاق النار. إن لم تخني الذاكرة هذا ما كتبه عام 1998 كل من بن كسبيت وايلان كفير بكتابهم المشترك كان له عنوان افتخاري "ايهود براك جندي رقم واحد"، يسردون به سيرة حياته المدهشة والمثيرة كما يرون هم، لهذا الذي يعود للحلبة السياسية أو بالادق للحلبة الانتخابية في هذه الاوقات، فقد عددوا بطولاته التاريخية الشمشونية في عنتيبي وبيروت وغيرها. ولأنني مؤمن ان من شب على شيء على الاغلب سيشيب عليه، لم يسترعني ما كتب عن حياته في قيادة الدولة السياسية، لأن مثل هذه الشخصية والتي تحمل سوف ولن تتخطى حدود التعصب القومي الديني والاثني.

باراك يعود الى حلبة الصراع، بعد أن غُيب عن الساحة السياسية، ذاك ليتمكن من العبور بسلام فترة انتقالية في حياته، من فترة حياة "الاشتراكية الدمقراطية"، الى الحياة الارستقراطية، من فترة اقتناء ساعات يد بمبلغ حتى مائتي شاقل الى مرحلة اقتناء ساعات يد لا يقل سعرها عن العشرين ألف دولار. من مرحلة السكن في مساكن حكومية لمرحلة اليخوت أي العبور من حياة الفقر للجميع المتساوين الى حياة الغنى لأفراد متمكنين. الانتفاضة التي أدى الى اندلاعها بسبب غطرسته المتمثلة بمقولان "لا يوجد شريك" كانت الكفيل الامثل لإلهاء المواطنين الاسرائيليين وضمان عدم مقاومتهم لبرنامج الخصخصة الاستراتيجي، فليس صدفة أن قامت مظاهرات كبرى سُميت بمظاهرات الخيم، بعدما ان انتهت الانتفاضة.

في الانتخابات المباشرة لرئاسة الحكومة عام 1999  اعلن باراك حينها، أنه لو كان فلسطينيًا لكان قد أصبح هو ايضًا فدائيا. هذا الاعلان الذي ظلّل البعض كان يحمل بالاحرى تحذيرا للمواطنين الاسرائيليين  اليهود من  أن الوضع سيء للغاية لأن الفلسطينيون مصممون اشد التصميم على الاستمرار بالقتال. لقد كان هذا الاعلان سيفا ذو حدين ومع كل هذا لم يتورع ساستنا أن يدعموه للوصول لرئاسة الحكم، مقتنعين انه سيجلب السلام العادل والشامل. لكن شبت الحرب بعد ما يقارب تسعة اشهر فقط من توليه رئاسة الحكومة.

لا يرجع الجندي الا لميادين القتال وعودة مثل هذه لا تحمل الا السيوف ذات الحد الواحد. انه يعود فقط ليكمل مسيرة النخبة العسكرية الحاكمة بإدارة الصراع وليس لحل الصراع وإحلال السلام، وبين هذا وذاك جل ما يعملونه انهم يديرون الصراع ليبقى الصراع صراعًا وأما إنهاؤه فليس من برامج مثل هذا الجندي. وهو سيلعب كي يستمر الصراع ويتأجل كل حل، وخاصة ان الخليج العربي قد خلق ايران عدوة له وعدوة للأمة العربية، لتبقى أبشع ما تبقى لنا من تاريخ القرون الوسطى من أنظمة ملكية مطلقة في مركز القرار العربي الرسمي ليتحايل  على مجريات وحتميات التاريخ، ومنها التلاعب الخبيث  بأكثر قضية عدلا وهي قضية شعبنا الفلسطيني، لتفسح الطريق أمام نكبه مرة تلو المرة، فيدق الابواب الصراع على تنفيذ صفقة ترامب الخطيرة. هذه الصفقة ستجر المنطقة لدورة أخرى من البطش والعنف والمعارك، والذي لأجلها وفقط لأجلها عاد حسب رأيي الجندي رقم واحد للساحة السياسية مستغلا الوضع الانتخابي ليكمل عمل نتنياهو وليجهزّا الجولة التالية من ادارة الصراع.

وأقل ما يمكن فعله أن نتصالح مع ذاتنا وأن نجعل من حق الشعب الفلسطيني باستقلاله وبتقرير مصيره في دولته المستقلة وعاصمتها القدس وعودة كل اللاجئين الفلسطينيين لديارهم، بوصلة كل نشاطنا وحياتنا، والقائمة المشتركة هي اقل شيء نقدمه بمجرى هذا التاريخ.            

(أم الفحم)

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب