news-details

الخصوصية السياسية والاجتماعية للذكرى الحالية لهبة أكتوبر 2000

 في الذكرى الحادية والعشرين لهبة أكتوبر 2000 ضمن الانتفاضة الثانية، طرحت "الاتحاد" السؤال التالي: "هل توجد خصوصيةٌ ما في الذكرى الحالية لهبة أكتوبر 2000, قياسا بسابقتها، سواء من حيث الظروف السياسية او التطورات التي تتفاعل او اكتملت؟ وكيف ترى جهوزية الجماهير العربية سياسيا ونضاليا في هذا السياق؟" فيما يلي الإجابتان الموسعتان التفصيليتان والقيّمتان لكلّ من الرفيقين محمد بركة وعصام مخول

 

محمد بركة: مشروع المؤسسة الإسرائيلية للتفكيك قد قطع شوطًا، بل حقق نجاحًا

طبعا توجد خصوصية في الذكرى الحالية لهبة القدس والأقصى عام 2000، وهذه الخصوصية تتمثل بأن مشروع المؤسسة الإسرائيلية قد قطع شوطًا، بل يمكن القول بأنه قد حقق نجاحًا، فيما يتعلق بمشروع التفكيك الذي قررت تفاصيله إسرائيل، الذي تمثل في تقرير وتوصيات لجنة لبيد، اللجنة الوزارية التي كانت "مكلفة رسميًا" بتنفيذ وتطبيق توصيات لجنة أور، هذه اللجنة التي كان غالبيتها من اليمين المتطرف وعلى رأسهم تومي لبيد وزير القضاء آنذاك، الذين رأوا مشهد الجماهير الفلسطينية في الداخل المتماثلة بالكامل مع شعبها الفلسطيني ومع القضية الفلسطينية عند اقتحام شارون للمسجد الأقصى في 28.9.2000، وفي اليوم التالي الهجوم على المصلين خلال صلاة الجمعة في المسجد الأقصى وسقوط شهداء، فرأت لجنة لبيد والمؤسسة الإسرائيلية أنه يجب تفكيك هذه الصلة بين الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل وشعبها، ولذلك بدأوا بنشر موضوع الخدمة المدنية وربط الحقوق بما يسمى بالواجبات.

ولكن هنالك ما كان مخفيًا، وهو تدفق سلاح الجريمة إلى المجتمع العربي، فقد تنظمت عصابات إجرام بالمعنى الكامل في المجتمع العربي، وكنا نعلم تمامًا أن هذا مشروع سلطوي، لكن إذا كان ثمة من أكد ذلك، فهم ضباط الشرطة في لقائهم قبل نحو شهر مع وزير الأمن الداخلي عمر بارليف عندما قالوا له إن رؤساء عصابات الإجرام يحظون بحصانة من الشباك لأنهم عملاء شباك، وجاءت افتتاحية هآرتس قبل أيام لتؤكد ما قلناه قبل نحو شهر عندما طرح موضوع إدخال الشباك من أجل تنجيع العمل على مكافحة الإجرام، وقد قلنا بشكل واضح أننا لا نريد أن يتدخل الشباك في هذا الموضوع، فهذا موضوع مدني وعلى الشرطة أن تقوم بواجبها وهي قادرة على ذلك. إضافة إلى ذلك، قبل أكثر من شهر التقيت مع رئيس الدولة السيد هرتسوغ وسألني يومها ماذا أقترح حول موضوع مكافحة الجريمة وما الذي يجب أن يفعله، وقلت له أمرين، الأول أن تحث الشرطة أن تقوم بواجبها كأي شرطة في أي مكان في العالم، تقاوم الإجرام وتحاسب المجرمين وعصابات الإجرام، والأمر الثاني أن تدع جهاز الشاباك يكف يده عنا، والواقع الآن بعد 21 عامًا من هبة القدس والأقصى يبدو أن المؤسسة قد قطعت شوطًا في مشروعها.

 

لقد خضنا نضالات كثيرة وإضرابات كثيرة خلال مواجهة الجريمة والعنف المستشري في مجتمعنا، وقمنا كلجنة متابعة بإصدار المشروع الاستراتيجي لمكافحة العنف والجريمة، وهنالك عمل دؤوب على مستوى هيئات التعليم ومختلف المؤسسات المسؤولة والسلطات المحلية في مجتمعنا، لكن في غياب رادع يبقى المجرم مجرمًا، ومن يستطيع أن يطلق النار اليوم يستطيع غدًا، ومن قتل اليوم يستطيع أن يقتل غدًا، في ظل هذه الحصانة التي تمتلكها عصابات الإجرام، هنالك مظاهرات وإقفال شوارع ووقفات، لكن نحن بصدد أن نركز على الذكرى ال21 من هبة القدس والأقصى وعلى الجريمة والعنف، بحكم كون هذه الظاهرة هي إفراز لسياسة السلطة الإسرائيلية لكسر هويتنا وكسر انتمائنا إلى شعبنا الفلسطيني.

أمر آخر حصل في الفترة الأخيرة هو دخول حزب وقائمة تمثل جزء من أصوات المجتمع العربي إلى الائتلاف الحكومي، وذلك جزء لا يتجزأ من مشروع التفكيك، لأن ما تقوله هذه القائمة -القائمة العربية الموحدة- إنه يمكن الاعتداء على غزة وقصفها ويمكن الدخول إلى جنين ورام الله وذلك لا يغير شيء في التزامهم داخل الحكومة، بما معناه إذا تم الحصول على بعض الفتات، وهذا أيضًا أمر مشكوك فيه، فالتقارير الأخيرة تشير إلى أن بعض الوزراء في الحكومة وخاصة وزيرة الداخلية لا تريد أن تقدم شيئًا للمجتمع العربي، لذلك هنالك مسعى للتنكر من قضية شعبنا وأولوياتنا الوطنية مقابل الفتات، وهذه ظاهرة خطيرة قد تخلق بلبلة على المدى القصير وربما المتوسط، لكن عاجلًا أم آجلًا، جوهر الحركة الصهيونية سيضعهم وشعبنا أمام الحقيقة، وسيضع جمهورنا أمام حقيقة هذا السلوك الذي يجب أن يقصى خارج العمل السياسي في المجتمع العربي، والذي لا يمكن أن يكون ضمن الاجتهادات السياسية المشروعة مطلقًا، لأن كل ائتلاف حكومي في إسرائيل مبني على أساس الثوابت الرئيسية للحركة الصهيونية، فالخلاف لكوننا جزء من الشعب الفلسطيني، ولا يمكننا بمحض إرادتنا أن ننكر السبب الرئيسي للعنصرية والتمييز وندعي أنه أمر غير مهم، وكل ما في الأمر أننا نريد بعض الميزانيات، هذه التطورات بالإضافة إلى تطورات اقتصادية ونشوء شريحة من أصحاب المصالح وحتى الأكاديميين الذين يريدون الاندماج في جهاز الدولة بشكل أو بآخر، وأن يكون هنالك "حلول وسط" من أجل أن تندمج في مؤسسات الدولة على حساب القضية السياسية والوطنية. لا نريد لا بدعوى الدخول في الحكومة ولا الحصول على وظيفة ولا بالتمثيل السياسي أو الاقتصادي أن نتنازل عن مكوناتنا الأساسية، هذا ليس شكلًا من "التزمت" أو التفكير القديم، فذلك متعلق بجذور انتمائنا وجذور الصراع، ولا يمكن أن ينسب إلى أشكال الخيانة أنها شيء من الحداثة. 

 

عصام مخول: استحدثت مؤسسة الحكم الصهيونية رأسي جسر لقهر المواطنين العرب الفلسطينيين

العقلية التي قادت الى ارتكاب مجزرة أكتوبر 2000، ما تزال  قائمة وراسخة في مؤسسة الحكم في إسرائيل، وما زال تعاملها العدائي مع الجماهير العربية مستفحلا ويزداد ضراوة، وإن كانت هذه المؤسسة قد طورت أشكالا جديدة من مخططات إخضاع الجماهير العربية تقوم على انكار حقها المشروع في ان تمارس مواطنتها كاملة في إسرائيل التي قامت في وطنها من جهة، وأن تمارس في الوقت نفسه حقوقها القومية وانتماءها الى شعبها الفلسطيني ودعم نضاله التحرري من موقعها في داخل إسرائيل من الجهة الأخرى..

إن التطور الأساسي الذي نستطيع ان نشير اليه في تعامل سلطات القمع والاضطهاد القومي في أكتوبر هذا العام ينعكس في ظاهرتين خطيرتين، تحاول كلتاهما أن تخضع الجماهير العربية في إسرائيل للإجماع الصهيوني تجاه القضية الفلسطينية من جهة، وأن تحيّد وزن هذه الجماهير ومعها القوى الأكثر تقدمية في المجتمع الإسرائيلي، وفي طليعتها الشيوعيون والجبهويون اليهود، من معركة التضامن مع النضال العادل للشعب الفلسطيني ومناصرة معركته التحررية وصد جرائم الاحتلال والضم والقهر والحصار والاستيطان في المناطق الفلسطينية المحتلة من الجهة الأخرى.

لقد استحدثت مؤسسة الحكم الصهيونية في إسرائيل رأسي جسر في غزوتها لإنجاز أهدافها الاستراتيجية في التعامل مع المواطنين العرب الفلسطينيين وقهرهم وقمع طموحاتهم الوطنية والديمقراطية وفك ارتباطهم وطنيا مع قضية شعبهم الفلسطيني التحررية. فإذا كانت هبّة الجماهير العربية وقطاعاتها الشبابية التي خرجت الى الشوارع والساحات في أيار المنصرم  للرد على الاستفزازات الاحتلالية في القدس العربية،  والتغول في جرائم الحرب، من الشيخ جراح الى درج باب العمود، ومن استباحة  باحات المسجد الأقصى الى ارتكاب جرائم الحرب على قطاع غزة قد أذهلت مؤسسة الحكم في إسرائيل، وأذهلت كل من توهم وراهن على أن الأجيال العربية الشبابية الناشئة قد نفضت أيديها من قضايا شعبها  الوطنية والديمقراطية الكفاحية، فإن المؤسسة الإسرائيلية الموبوءة بعقلية عنصرية فاشية، قد لجأت الى نوع جديد من العدوان على جماهيرنا العربية في أحيائها في المدن التاريخية التي يطلقون عليها اسم المدن المختلطة في هذه المرة، في أشبه ما يكون بأشكال "الحروب بالوكالة" التي لجأت اليها الامبريالية في حروبها من أجل تعميق مشاريع هيمنتها على المنطقة العربية منذ أكثر من عقد من الزمن.

وبدلا من أن تصطدم المؤسسة البوليسية والأمنية وحرس الحدود مباشرة مع المتظاهرين العرب، والحراكات الشبابية – التي تحتاج بدورها الى كثير من التشذيب والمزيد من تعميق الوعي السياسي وتسييس الخطاب وتثويره – وهي مهمة أساسية لنا ما نقدم فيها كشبيبة شيوعية وكحزب شيوعي وكوادر جبهوية وقوى متنورة، فإن عقلية الحروب بالوكالة – على ساحة الجماهير العربية، استدعت من المؤسسة العنصرية الحاكمة في إسرائيل أن تستقدم مئات الفاشيين المسلحين المنتظمين في منظمات استيطانية يمينية متطرفة في المناطق المحتلة  وجلبهم بشكل منظم الى الأحياء العربية في المدن التاريخية من اللد الى يافا ومن حيفا الى عكا للاعتداء الفاشي على المواطنين العرب في بيوتهم وفي احيائهم، ليأخذ الصراع شكلا مختلفا عن الصراع في أكتوبر 2000، وإخفاء طابعه كعدوان تقوم به الدولة على مواطنيها العرب، الى صدام أهلي بين "مدنيين" يهود ومدنيين عرب، بحيث يظهر دور أجهزة الامن بما فيها حرس الحدود والشاباك، والنيابة المجندة، وكأنها هي الحل، وهي المخرج من هذا الصدام، بينما نعتبرها المجرم الحقيقي. 

أما رأس الجسر الثاني الذي بنت المؤسسة الإسرائيلية غزوتها على أساسه في أيار 2021، على خلاف ما جرى منذ أكتوبر 2000، يتمثل في نجاح المؤسسة الحاكمة في إسرائيل في سلخ قطاع من داخل الجماهير العربية تمثله الحركة الإسلامية الجنوبية التي تشكل امتدادا لحركة الاخوان المسلمين في المنطقة، وقائمتها في الكنيست "القائمة الموحدة"، عن الموقف الوطني، وعن  ثوابت الوحدة الوطنية الكفاحية التي تجمع عليها جماهيرنا، والتي من خلالها دافعت عن القدس والاقصى في العام 2000 وفي سبيلها سقط الشهداء.

إن خيار الحركة الإسلامية الجنوبية الارتماء في أحضان حكومة بينيت اليمينية، بعد أن فشل رهانها على حضن نتنياهو، إنْ هو الا أداة في يد مؤسسة الاجماع القومي الصهيوني لتدجين الجماهير العربية في إسرائيل، تشجعها على التخطيط لابتزاز المواطنين العرب سياسيا، وتكبيل قدراتهم الكفاحية وإخضاعهم لثقافة الاستجداء التي تقودها قائمة منصور عباس و"السياسة الجديدة" التي وعدت بها، ونقلهم  من موقع القوة المناضلة من أجل حقوقها المدنية وحقوقها القومية الى موقع المساوم الذليل الذي يقايض الحقوق بالفتات ويستبدل النضال بالمقايضات والصفقات على نقيض طابع هبة أكتوبر.

لكن الجواب على هذا الاختراق يعيدنا الى القضية الأساس والمعادلات الجديدة التي فرضتها هبة أيار 2021 بأن كل من راهن على أن الأجيال الصاعدة من شبيبتنا وشبابنا العربي بعيدة كل البعد عن قضاياها الوطنية وعن هموم شعبها، وان الجيل الصاعد ليس في وارد هموم شعبه، ولا تعنيه جرائم الاحتلال وبطشه بالشعب الفلسطيني، فإن هؤلاء المراهنين قد خاب ظنهم عندما خرج الوف الشباب للتظاهر والتصدي للعدوان على القدس وغزة وللدفاع عن أحيائهم من هجمات الفاشيين وهذا هو الامتداد الحقيقي للروح الحقيقية التي رافقت هبة القدس والاقصى في أكتوبر 2000.

غلاف عدد "الاتحاد" في الثاني من أكتوبر 2000

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب