news-details

الرياضة في مواجهة ارهاب المستوطنين.. نحو حملة وطنية للدفاع عن النفس

سبق لكاتب هذا الموضوع ان طرح الفكرة منذ عدة سنوات وقبل أن تقع جريمتي قتل وحرق الشهداء ابو خضير و دوابشة، لكنها للأسف لم تجد أذانا صاغية.. واليوم ونحن نرى كيف تحول ارهاب شبيبة التلال وعصابات المستعمرين، إلى عمل ممنهج، أكثر تنظيما وخطرا واتساعا، أكرر بعث الرسالة للمعنيين، لعلها تجد من يهتم بها ويضعها في سياقها الصحيح ويضيف إليها الكثير من علمه وخبرته وقدراته.

وعندما اقول المعنيين، إنما اقصد جميع المستويات، من القاعدة للقمة، وبالعكس، وجميع المهتمين والقادرين، من أطر رسمية، وفصائل، ومنظمات، واندية وفرق رياضية. بل والجماعات والأفراد، من أصحاب المهارة واللياقة والتجربة أيضا. إذ ما عاد مقبولا ولا مأمونا ترك قطعان المستوطنين السائبة، ترتكب جرائمها وتعيث الفساد والأذى وتنشر الترويع تحت سمعنا وابصارنا، ودون ان نعيد إليها بضاعتها، وتدفع هي الثمن، غاليا وفادحا من لحمها ودمائها، ومن امنها وحياتها، التي صار لا بد أن نحيلها رعبا وجحيما.

.. وبداية فلنختلس نظرة لموقع وزارة الخارجية الإسرائيلية، حيث لا تخجل إسرائيل، ولا تجد حرجا، ولا تكترث مطلقا لأي انتقاد قد يوجه اليها بالتربية والتحريض على العنف والكراهية، وهي تتباهى وتعدد الرياضات الشعبية التي تلقى من الدولة ووزاراتها ومؤسساتها العسكرية والمدنية كل دعم ومساندة، خاصة " الملاكمة والمصارعة ورفع الأثقال والجودو والكاراتيه وشكل من فنون الدفاع عن النفس تم تطويره من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي ويطلق عليه "كراف ماغاع" (القتال وجهاً لوجه)" . هذا الكلام منقول حرفيا عن موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية، بينما صرنا، نحن الضحية، و يا للأسف، نلجم أنفسنا عن كثير مما ينبغي ويحق لنا فعله، خشية وصمنا بأية شبهة أو تهمة؟! فيا ليتنا نتعلم قليلا من هذه الدولة المسلحة حتى الأسنان، والتي لم تغنها كل عدتها العسكرية، ولا تفوقها الاستراتيجي والتكتيكي بالأسلحة التقليدية والنووية، عن تسليح المستوطنين وتدريب مواطنيها على الرياضات البدنية العنيفة والقتالية والتباهي بفن، كراف ماغاع، تحت حجة الدفاع عن النفس لغلاة المجرمين والمتطرفين.

كراف ماغاع تعني “القتال المباشر” أو “القتال بالاشتباك”. وهو فن قتالي يمزج بين الملاكمة والمصارعة وقتال الشوارع. اسسه “إيمي ليشتنفلد”، اليهودي من أصول مجرية للتصدي لاعتداءات الجماعات النازية على اليهود المحليين، إبان صعود النازية واندلاع الحرب العالمية الثانية. ثم هاجر، ليشتنفلد، إلى فلسطين وانخرط بالجيش الإسرائيلي. ونقل الفن القتالي معه، حيث جرى تبنيه وتطويره، وتحويله لرياضة شعبية، أو بالأحرى لفن قتالي ميداني موجه ضد الفلسطينيين.

.. لا شك اننا بحاجة لتعلم هذا الفن أكثر من المستوطنين المجرمين المدججين بالسلاح، ففي الصورة المعاصرة نحن الطرف المعرض للقتل والتنكيل والاضطهاد، وهم النازيون الجدد، نحن الضحية وهم الجلاد، وبنا يرتبط لا بهم الأصل الأخلاقي لمبدأ دفاع المدنيين العزل عن أنفسهم في وجه فرق وجماعات منظمة ومسلحة تمارس التطهير العرقي، تحت جناح كيان عنصري قائم على الطغيان والاحتلال والتوسع.

ولا يكفينا ان نتعلم هذا الفن وحده، بل ينبغي ان نحول جميع الرياضات القتالية الأساسية، كالكاراتيه والتايكوندو والجودو والملاكمة والمصارعة إلى رياضات شعبية واسعة الانتشار وسريعة التطور. إلى جانب فنون أخرى، اقل شيوعا وانتشارا، لكنها أكثر لزوما وأثرا وفاعلية. واقصد بذلك تلك الفنون القتالية التي تعتمد إلى جانب مرونة الجسم وحركته السريعة والقوية على استخدام العصي الطويلة والقصيرة وغيرها من الأدوات الخفيفة، وغالبا ما تُمزج مع الفنون القتالية الأساسية، مثل :

  • الأسكريما-كالي : فن قتالي فلبيني المنشأ، يعتمد على القتال بالعصي الطويلة والعصي المزدوجة والأيدي العارية.. اكتسب شهرة كبيرة بنجاعته العالية في الحرب الفلبينية الأمريكية عام 1899م وفي تصدي الشباب والفلاحين الفلبينيين للجيش الياباني الغازي المدجج بالسلاح في الحرب العالمية الثانية.
  • الكينجيتسو والكيندو: أسلوب قتال ياباني بالسيوف الخشبية أو الحقيقية، دفاعا وهجوما، بسرعة خاطفة وفاعلية شديدة.
  • الننشاكو: القتال بقطعتين خشبيتين قصيرتين موصولتين بسلسلة أو حبل، وهو فن قتالي منشأه جزيرة أوكيناوا اليابانية، تطور في عموم شرق أسيا وخاصة في الصين، وغالبا ما تستخدم " الننشاكو " مع الألعاب القتالية الأوكيوناوية ومع الكراتيه والتايكواندو و الاسكريما.
  • بوجوتسو: القتال باستخدام تقنية العصا، في الدفاع والهجوم، وتسديد ضربات سريعة ونافذة، وهو فن منتشر في عموم شرق أسيا، ياباني المنشأ، يعتمد على مهارات الارتكاز والدفع بقوة والتصويب والضرب على المناطق الخطرة بصلابة و دقة. وتستخدم فيه عصي متفاوتة الطول (90 – 130 – 180 سم)، وربما تعني البوجوتسو عموما الدفاع عن النفس.

 

.. بالتأكيد لست الأقدر على الشرح والوصف للفنون الأكثر لزوما وجدوى في التصدي لقطعان المستوطنين، واتمنى على أهل المعرفة والاختصاص التوسع في هذه الضروب واغنائها بالتوصيات والمعلومات، و الانتظام في حملة جادة ومهنية، لحث الجهات المسؤولة كافة في المجلس الأعلى للشباب والرياضة، والاتحادات والنوادي الرياضية والمنظمات الأهلية والشعبية، وفي الحلقات القيادية للفصائل والقوى والأحزاب، لوضع المسألة نصب عيونهم، دراسةً ومراجعةً، وعملاً وتنفيذاً، في موعد لا يحتمل التأجيل، باعتبار الدفاع عن النفس، والدفاع عن الأرواح والممتلكات، حقاً طبيعياً، واجراء طارئاً وفورياً، وضرورة قصوى وقضية مصيرية.

وقطعا لأي نكوص أو التفاف، أو تعلل بالظروف والامكانيات، أو تجاذب واختلاف، فإن الاهتمام بهذه الفنون والرياضات، لا يتطلب الكثير من الميزانيات والنفقات، ولا الكثير من الوسائط والامكانيات، وما نملكه بإمكانياتنا المتواضعة والبسيطة أكثر من كافٍ كبداية لشق الطريق والمضي فيه بقوة. فالكوادر والأبطال في الفنون القتالية الأساسية موجودون في صفوف شعبنا، في أغلب المناطق والمحافظات. والمساحات اللازمة للتدريب متاحة في الهواء الطلق. وملاعب الأندية وساحات الجامعات والكليات والمدارس. وفي الصالات والقاعات، التي يمكن تهيئتها بيسر وسهولة. وفي عنابر المصانع وكراجات السيارات، وكل مكان نود تسخيره إذا ما توفرت الإرادة الحقيقية.

وأول ما قد نبدأ به هو : حصر واحصاء المدربين والأبطال في مختلف الفنون الأساسية، بحسب أعمارهم، ومستوياتهم، وفنونهم، وتوزعهم الجغرافي ومناطق عملهم وسكنهم. وحصر الأندية أيضا، وتحديد المناطق والمواقع والطرق الأكثر عرضة لاعتداءات المستوطنين، بالتدرج من الأخطر الى الأقل خطورة، والانتباه الى مدى قربها أو بعدها عن المستوطنات، والكيفية التي يمكن للمستوطنين الوصول والرجوع، اليها ومنها، بعربات وسيارات أو سيرا على الأقدام ، والتشبيك بين المناطق المتقاربة لتسريع عمليات النجدة والإغاثة، وتوفير الآليات ووسائط النقل والاتصال والأدوات المناسبة، واحصاء الفئات العمرية من الشبان والشابات، والفتية والفتيات، في كل حي ومنطقة، القادرين على تلقي التمارين والتدريبات، وترشيح المواقع والمساحات المناسبة للتدريب في كل منطقة وناحية، والتنسيق بين مختلف الاتحادات والنوادي المحلية لوضع الخطط وبرامج العمل المشتركة وتقدير الاحتياجات، بالتعاون مع الجهات الرسمية والحكومية المسؤولة . والنظر في ادخال هذه الفنون والرياضات الى برامج المدارس والجامعات، أو في إطار أنشطتها.

 وسيكون ضرورياً ومهما جداً رفع قدرات أبطالنا ومدربينا، والاستعانة بخبرات الدول الشقيقة والصديقة، العريقة في هذا المجال، وايفاد بعثات ودورات تدريبية، واستضافة خبراء ومدربين والاستماع الى توجيهاتهم، خاصة في فنون القتال بالعصي والأسلحة البيضاء، التي يتطلب اكتسابها، أو دمجها بالفنون الأساسية، مهارات خاصة أكثر تعقيداً.

وبالطبع، لن نحصل على نتائج سريعة وفورية، وستبدأ النتائج بالظهور بعد عدة أشهر، وسنكون بعد سنة من انطلاق الحملة، إذا ما قدر لها أن تنطلق، في مكان أخر مما نحن عليه اليوم، وكلما امتد الزمن وتراكم العمل، حصدنا نتائج أفضل. ولن يكون هذا الحل كاملا ولا نهائيا، لأن الاحتلال لازال مهيمناً وقائما، ولا يبدو أنه سينجلي في فترة قريبة.. كما أن هذا الحل لن يعمل بمعزل عن أشكال النضال والكفاح والمقاومة الشعبية العديدة. ولن يعفينا من جمع أوراقنا وتقديمها للمحكمة الدولية وللمحكمة الجنائية الدولية، وجميع الهيئات والمحافل. ولا من ممارسة ضغوط حقيقية تبدأ بوقف التنسيق الأمني كلياً أو جزئيا مالم توقف دولة الاحتلال هذه الهجمات وتحاسب مرتكبيها، مروراً بعدم العودة لأية مفاوضات أو لقاءات مالم تتوقف هجمات المستوطنات نهائيا، وانتهاءً بالبحث عن خيارات أكثر ايلاماً للعدو، ان لم تُجد وتنفع معه الوسائل المذكورة.

.. لم تعد تكفينا الادانات والشجب لجرائم المستوطنين، ولا يمكن لها أن تحمينا، وإذا كان العالم لم يستجب لنداءاتنا المتكررة بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، فالأولى والأجدى، ان ندافع نحن عن أنفسنا. وان تصعد هذه المسألة لتكون الأولوية على جدول أعمالنا، وأن تتقدم على مساعينا الدؤوبة لمؤتمر دولي لن يخرج بالنهاية بأي حل، لأن دماء ابنائنا التي تسيل يوميا على أيادي المستوطنين المجرمين، وحياة أولادنا المهدورة والمعرضة للخطر في كل لحظة، أغلى واهم من كل النفاق العالمي والبروتوكولات الكاذبة ومبادئ القانون الدولي التي لا تحمي الضعفاء، ولا تصلح الا للخطابات وأحاديث المجالس والمناظرات التلفزيونية والأكاديمية.

والحديث هنا لا يدور عن انتفاضة ثالثة أو عن المقاومة الشعبية، وان كان يمس أحد مقوماتها، وإنما عن الدفاع عن النفس، الذي هو ضرورة وحاجة يومية ملحة لعموم الشعب الفلسطيني، وخاصة أولئك القاطنين في المناطق المعرضة باستمرار لهجمات واعتداءات المستوطنين. فهو إذن ليس موضوعا سياسيا وتعبويا تجمع عليه أو تختلف حوله القوى والفصائل السياسية، وتتجادل حول مدته وظروفه وتوقيته، ولا موضوعا يمكن تأجيله أو تبييته، أو الاستعاضة عنه ببديل اخر، بل هو موضوعٌ مصيري وحياتي نحتاجه في جميع الأوقات، ودائماً وكل لحظة.

الدفاع عن النفس هو أساس الحفاظ على وجودنا وهو المميز الاساسي ليكون صمودنا صمودا وليس خنوعا، وبقائنا تحديا وليس خضوعا. ولذا فلا ذريعة لاحد في اهماله، أو النأي عنه، بل واجب الجميع العمل عليه بأقصى سرعة وبكامل الإمكانيات والقدرات لدرء الخطر والاذى المباشر عنا، ولرد الإرهاب المنظم إلى صدور المستوطنين ونحورهم.

ونحن نفهم ضرورة الا ننجر إلى مربع العنف، والا ندخل في صراع دموي ومسلح لسنا جاهزين له، ولا ننتظر أو نطالب الأجهزة الأمنية بالتصدي للمستوطنين المسلحين والدوريات الإسرائيلية في صراع غير محسوب وغير متكافئ، ولكننا لا نفهم ان يبقى الإنسان الفلسطيني عُرضة لنيران المستوطنين وتنكيلهم و اذاهم دون أن نجد حلاً ناجعاً وعاجلاً، ودون ان نستخدم حقنا في الدفاع عن أنفسنا بكل الوسائل الممكنة،

ولن يكون لنا أي عذر، لا المؤسسات ولا الفصائل ولا المنظمات المدنية و لا الاتحادات والنوادي الرياضية، إن لم نبذل قصارى جهودنا في نشر الرياضات القتالية وفنون الدفاع عن النفس في أوساط شبابنا وبناتنا، ليتمكن هؤلاء على الاقل من الدفاع عن أنفسهم عند اللزوم، ولتنبثق عنهم تشكيلات مدربة ومنظمة، في كل مدينة وقرية وناحية، تتصدى لعتاة المستوطنين وتلقنهم ما يستحقونه، بأشد وأقوى مما نفعل الان، كي يولوا الادبار إلى غير رجعة. فإذا كان تدريب الناس وتسليحهم للدفاع عن أنفسهم غير متاح وغير ممكن، وتعترضه عوائق ومخاطر ومحاذير كثيرة، وتقيده تفاهمات واتفاقيات عديدة، فالدخول من باب الرياضة ومن باب جعل الرياضات القتالية ورياضات بناء الأجسام والقوى، رياضات شعبية، واسعة الانتشار، ومتطورة، بديل فعال ومتاح وممكن، شرط ربطها بالتربية الروحية والأخلاقية، وتوظيفها التوظيف الصحيح والسليم.

ولمَّا كانت دولة الاحتلال والتمييز العنصري تفرض التجنيد الاجباري، ولا تكتفي بوجود جيش منظم جرار، واحتياطي يشمل كل القادرين على حمل السلاح، وتزج الى جانبهم بقطعان مستوطنيها المسلحة، فليكن شبابنا ورجالنا هم الاحتياط والذخيرة لحماية المواطن والوطن، ليس بالبنادق والأسلحة النارية، ولكن على الأقل وكحد أدنى بصحة أبدانهم وصلابة بنيانهم واتقانهم الفنون القتالية الشعبية.

إنها رسالة موجهه للجميع لتدشين حملة وطنية واسعة للدفاع عن النفس، إن لم تكن فرض عين، ففرض كفاية، الجميع مدعو لها، والجميع مناطةٌ به، على قدر جهده واستطاعته، والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.

 

صورة:

اللاعب الفلسطيني وفا الكرد حقق برونزية بطولة العالم للتايكواندو تحت سن 16 عاماً، عام 2017 في كندا

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب