news-details

السياسة والأخلاق | د. حسام عازم

العلاقة بين السياسة والأخلاق كانت معادلة صعبة في جوهرها، وفي نظرة الناس المختلفة لها، منذ أصبح الانسان جزءًا من مجتمع حضاري. فما هي حقيقة هذه العلاقة؟
إذا كانت السياسة في تعريفها البسيط هي طرق أو أسس قيادة المجتمعات المختلفة وأساليب تدبير شؤونها وتقديم خدمات لها ومنفعتها، فالأخلاق هي مجموعة القيم والمثل الموجهة للسلوك البشري نحو ما يعتقد أيضاً أنه خير وتجنب ما ينظر إليه على أنه شر، وكلاهما، السياسة والأخلاق، تستهدفان تمليك الناس رؤية مسبقة تجعل لحياتهم هدفاً ومعنى، وبالتالي تلتقيان من أجل مصلحة الانسان والمجتمع.
وبنظرة تاريخية سريعة على العلاقة بين الاخلاق والسياسية فلا بد أن نذكر ما أكده أفلاطون حينما مزج نظريته السياسية في الأخلاق، مقررا إن أساس الحكم أربع فضائل هي الحكمة، وهي الجانب الفلسفي والشجاعة وهي الجانب الطبيعي والعفة، وهي الجانب النفسي والعدالة وهي الجانب السياسي، ومن لا تتوفر فيه هذه الفضائل فليبتعد عن حكم الناس. وسار أرسطو على نهجه باعتباره السياسة تمثل الجانب الاجتماعي للأخلاق.
وهذا أيضا ما أكدته المسيرة النبوية حيث استطاع النبي محمد (صلعم) أن يجمع حوله الناس بحسن الخلق: "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك". وكانت أعماله وأقواله المفازة التي التقت عندها السياسة بالأخلاق، إذ كان يأمر المسلمين- عامتهم وخاصتهم- بحسن الخلق "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا" حتى وصفه ربه تعالى "وإنّك لعلى خلق عظيم".
ومن نظرة عكسية بين الاخلاق والسياسة نراها بنظرة المفكر الايطالي ماكيافيللي الذي ادّعى انه يجب الفصل بين الاخلاق والسياسية وان على الحاكم: 
"أن يستغل من الصفات ما يشاء غير ناظر إلى أي قيمة دينية أو أخلاقية، فهناك من الفضائل ما يؤدي إلى سقوط حكمه وهناك من اللا فضائل ما يؤدي إلى ازدهار حكمه وشعاره الذهبي في ذلك "الغاية تبرر الوسيلة والضرورة لا تعترف بالقانون".
فهل حقاً اليوم توجد هذه العلاقة المتجانسة بين السياسة والأخلاق حسب افكار الفلاسفة اليونانيين، والسيرة النبوية، ام العلاقة السائدة قريبة لنظرة ماكيافيللي؟
واضح لمعظمنا ان العالم يعيش في مكانة أخرى. إن اليوم يئن تحت وطأة الأنانية وغلبة المادية والرغبة في السيطرة، ويعيش بالفعل أزمة أخلاق سيّرت الحياة إلى لعبة، القلة القليلة فيها فائزة والأغلبية السّاحقة من الناس خاسرون تعساء. والحقيقة المنبلجة من ذلك هي أن تغيب حريات البشر واستباحة حقوقهم في الحياة الكريمة.
فهل تغيرت السياسة ام تغيرت الاخلاق ام تغير الانسان؟
ان فصل السياسة عن الاخلاق كان أحد أسباب تدهور حياة معظم سكان الكرة الأرضية، الفقر، الحروب، الدمار، تلوث البيئة، العنف، الكراهية، كلها طفحت عندما افتقدنا أخلاقنا بالتعامل مع الاخر بشكل شخصي، ومع المجموعة ومع المختلف عنا، وكم هي صحيحة مقولة المفكر الجزائري مالك بن نبي: "إذا كان العلم دون ضمير خراب الروح، فإن السياسة بلا أخلاق خراب الأمة".
إن الذين يعتقدون أن السياسة في أجواء الحرية المطلقة، تحت شعار الديمقراطية وأخص الديمقراطية في النظام الرأسمالي الجشع، لا أخلاق لها ولا قيم، يعتقدون خطأً أنهم أصحاب حقوق بلا واجبات، ولا يتركون للآخرين في غياب السياسة الأخلاقية الموجبة للمسؤولية سوى الواجبات المجردة من الحقوق، متجاهلين أن الطريق إلى الخير لا تمر بوسائل من الشر مهما كانت المبررات، ومهما كانت فضيلة الغايات. والسياسة بلا أخلاق كالشجرة بلا ثمر أو قد تكون ذات ثمرات سياسية، لكنها لن تكون إلا قاتلة لجمال الحياة والحرية والحق، لأن لغة السياسة الانتهازية اللا أخلاقية المثيرة للأطماع لا تحمل في أغوارها من الحلول العلمية والعملية، ما يمكّن الشعوب من تحقيق طموحاتها المشروعة؛ لأنها دعوة للهدم وليست دعوة للبناء؛ دعوة للفوضى وليست دعوة للنظام وسيادة القانون؛ دعوة للخوف والقلق وليست دعوة للأمن والاستقرار؛ دعوة للصراعات والحروب الدامية، وليست دعوة للوحدة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام الاجتماعي.

الاخلاق والسياسة الإسرائيلية 

إذا نظرنا، بنظرة عميقة، للعلاقة بين الاخلاق والسياسة في بلدنا، نرى ان السياسة العامة لكل الاحزاب الصهيونية ومن يدعمها، والذين يؤمنون بالعُلوية اليهودية، ويعرفون اسرائيل دولة يهودية ديمقراطية. فهم ذو فكر عنصري وفيه طابع التفرقة بين الناس فهم بعيدون كل البعد عن الاخلاق الانسانية بشكل عام وعن الاخلاق في السياسة.
السؤال الذي يطرح، هل يمكننا نحن الشيوعيون والجبهويون ان نحافظ على اخلاقنا في السياسية، حيث كل عملنا ونشاطنا في جو ملوث بالعنصرية والتفرقة العرقية والتطرف الديني وأحيانا القومي؟
عندي قناعة كاملة بأن واجبنا الانساني والاخلاقي الحفاظ على اخلاقنا وثقافتنا وننقلها للأجيال القادمة مهما كانت الظروف في غاية التعقيد. 
لان ثقافتنا هي ثقافة إنسانية يبرز فيها حب الإنسان والمكان، حب الحياة والطبيعة، حب الحرية وكرامة الفرد وقدرة هذه الثقافة على رؤية إنسانية للآخر وفهمها الواعي للصراع، ثقافة تحارب الاضطهاد والتمييز والعنصرية وتعادي الحرب وتقاوم الاحتلال وتكافح ضد الفقر والجهل والتخلف والطائفية.
برغم صعوبة الواقع، لكني مؤمن أن الخير والأخلاق هي أصل الانسان وانه يوجد من السياسيون رجال ونساء الكثيرون سبيلهم الاخلاق وهدفهم مصلحة الناس، كل الناس.
وان عندنا من الانسانية ما تكفي لتغير العالم للأفضل.

*عضو اللجنة المركزية للحزب وسكرتير جبهة الطيبة

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب