news-details

السياسة والتمثيل والتمثيل السياسي

 

مع اقتراب تشكيل القائمة المشتركة وازدياد الأصوات التي تدعو الى "تمثيل" عادل، وطرح البعض بوجوب ممثلين من خارج الأحزاب، وتشديد البعض على تمثيل النقب، وإصرار جزء آخر أن التمثيل السياسي لا يكون إلا من خلال وعبر الأحزاب السياسية، لا باس من إلقاء بعض الضوء على مفهوم التمثيل وتعدد معانيه وذالك كي لا يختلط الحابل بالنابل. أحيانا تساق الادعاءات التي تصلح لدعم مفهوم معين من التمثيل بعينه دون غيره، ولا باس من حصر النقاش كي نكون قادرين على فهم بعضنا بعضا.
 
اعتقد ان هناك ٣ مفاهيم للتمثيل : تمثيل الهوية، تمثيل الإرادة، وتمثيل للمصلحة أو الفكرة. المقصود بتمثيل الهوية هو تلك الحالة التي يكون فيها الشخص الممثل ( لنسميه "النائب" وان كان الموضوع لا يقتصر على نائب في البرلمان انما كل من ينوب) ينتمي الى نفس الشريحة التي ينتمي اليها الشخص الذي يجري تمثيله ( لنسميه المواطن). وعندما نقول الشريحة فذالك يعني مجموعة الانتماء الهوياتي مثل: الدين، المنطقة السكنية، القومية، الجندر، اللون. إذا كان هناك تماثل في الهوية بين النائب والمواطن نقول ان النائب يمثل المواطن. وعليه بجري الحديث انه في الهيئات الإدارية، الحكومة، مجالس العمال، المحكمة العليا، الجامعات الخ.. يجب ان يكون هناك تمثيل للنساء، للشرقيين، للمثليين، للإثيوبيين، للعرب، وقس عليه. هنا التمثيل يعني شيئا محددا ومتواضعا: على تركيبة الهيئة او الجسم ان تكون صورة مصغرة تعكس فسيفساء المجتمع برمته، كما تشكل وتمثل قطرة من مياه البحيرة تركيبة مياه البحيرة برمتها، فكما ان المجتمع يحوي عربا ويهودا وشرقيين والخ، فيجب ان تكون تركيبة الهيئة (المحكمة العليا مثلا) عاكسة لهذا التنوع والتعدد. الا ان هذا التمثيل لا علاقة له بالضرورة بعملية الاختيار والانتخاب، وقد يتم اختيار هذا الشخص ليمثل مجموعته دون مشاورة المجموعة أصلا وقد يأتي بتعيين من فوق، وقطرة الماء تمثل مياه البحيرة رغم ان البحيرة لم تختر قطرة الماء لتنوب عنها. هناك من يعتقد انه بحكم الانتماء المشترك الى نفس الهوية التي ينتمي اليها المواطن فان ذلك من شانه ان يزيد من إمكانية تمثيل النائب لمصالحه ولمواقفه حتى وان لم يشارك في انتخابه. (مثال على ذالك وجود القاضي جبران في المحكمة العليا). لكن هذا الأمر غير مفهوم ضمنا ولا يصح دائما والنتيجة قد تكون عكسية وقد تكون ايجابية. هذا هو ما اسميه "تمثيل الهوية".
 
إضافة الى تمثيل الهوية هناك "تمثيل الإرادة" ، والمقصود هنا هو تلك الحالات التي يكون فيها للمواطن دور أساسي في اختيار او تعيين من ينوب عنه. امتحان التمثيل هنا هو إجرائي: كيف حصل ان النائب الفلاني يمثل المواطن الفلاني. في هذا السياق فان من يمثل المواطن هو ذالك الشخص الذي انتدبه المواطن كي يمثله وينوب عنه، كما يختار المرء المحامي الذي يدافع عنه. جوهر التمثيل هو توكيل، وهو فعل إرادي يعبر عن الإرادة الحرة للمواطن.
هذان نموذجان مفهوميان لفكرة التمثيل وقد يلتقيان وقد يفترقان. يلتقيان عندما يكون النائب هو شخص تم انتخابه واختياره بشكل حر من قبل المواطن وفِي نفس الوقت فكلاهما (المواطن والنائب) يشتركان وينتميان الى نفس الهوية، قد تكون دينية او قومية او جندرية). فعندما تقول توفيق زياد يمثلني قد يكون المقصود انه يمثلني بكلا المعنيين: انا انتخبته وفِي نفس الوقت نحن فلسطينيان. لكن هذان النموذجان قد يفترقان: عوفر كسيف انتخبته ولهذا يمثل إرادتي لكنه لا يمثل هويتي، والقاضي السابق في المحكمة العليا جبران يمثل هويتي لكنه لا يمثل إرادتي ولَم يكن لي شان في تعيينه ولا رأي.
 
النموذج المفهومي الثالث يقصد به "تمثيل الموقف أو للمصلحة" . يمكن القول مثلا إن ادوارد سعيد كان يمثل الموقف الفلسطيني في الولايات المتحدة بمواقفه وكتاباته. إن أحدا لم ينتدب سعيد ليقوم بهذا الدور ولَم يتم تعيينه وليس من الممكن إقالته. في هذه الحالة يلتقي المفهوم الاول (الهوية) والمفهوم الثالث (للمصلحة او الفكرة). لكن من الممكن ان نتخيل وضعا اخر اذا أخدنا مثلا حالة نوعم شومسكي. في هذه الحالة الحديث هو فقط عن شخص يمثل الموقف والحق الفلسطيني لكننا لا نشاركه الهوية ولَم يتم انتخابه وعليه فهو يمثلنا ضمن المفهوم الثالث فقط . بالمقابل يمكن القول مثلا إن ماير فلنر مثل الفلسطينيين في الداخل لانه انتخب، وبممارسته مثل مصلحة المواطنين الفلسطينيين.
الا ان تمثيل الفكرة او المصلحة هو امر ليس معطى مسبق مثل التمثيل الهوياتي او تمثيل الإرادة. في الحالتين الأخيرتين يمكن القول ان فلانا يمثل علانا حتى قبل ان يمارس عملية التمثيل أصلا وقبل ان نراقب وان نقيّم عمله ونشاطه، لكن الوضع يختلف عندما يدور الحديث عن تمثيل المواقف او المصالح. في هذه الحالة فان التمثيل هو حكم نصدره بعد مراقبه عمل النائب ونشاطه، وليس من المستبعد ان نقول إن الممثل ( بالمعنى الاول او الثاني) لم يمثل لا بل وخان التمثيل (بالمعنى الثالث). جملة كهذه لا تحمل تناقضا منطقيا انما تعبر عن مستويات ومفاهيم مختلفة للتمثيل، والتعارض هو ظاهري فقط.
قد تكون الحالة النموذجية المثلى للتمثيل هي عندما تلتقي المفاهيم الثلاثة في شخص واحد او حزب واحد، لكنها قد لا تلتقي. لكل واحد من هذه المفاهيم أهميته الخاصة ودوره. وما يصح على الأفراد يصح على الأحزاب . ان تكون الأحزاب تشارك الشعب في تركيبتها القومية وانتمائها الى نفس الهوية، فان ذلك لا يضمن ان تمثل مصالحه (وان كان التمثيل الهوياتي يعزز إمكانية ذلك)، وكذلك فان كونها منتخبة لا يضمن انها تمثل مصالح من انتخبها (لكن إمكانية الانتخاب تعزز ذلك) ولدى كل منا أمثلة عديدة في ذهنه في هذا المجال. 
هذه التفصيلات قد تساعدنا في تحديد ما نبغي قوله عندما نتحدث مثلا عن ادوار مختلفة لشخصيات او لجمعيات مثل عدالة، جمعية حقوق المواطن، او ابو صياح الطوري. ولا باس ان نشير ما هو المقصود عندما نشير الى حقيقة ان النائب الفلاني، الجمعية او الفرد يمثلني ام لا، او عندما نطالب بتمثيل عادل في هيئاتنا وأحزابنا وفِي القائمة المشتركة أيضا!

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب