news-details

العامل الأسود في الوطن الأبيض

حين تزور الدول الاوربية تشعر أن قلبك العاري خرج من شوارع العنصرية راكضًا في ساعات التجوال وأزقة الانبهار، محتضنًا البنايات والآثار والوجوه وراحة البال، متأملًا أنفاس ولهاث البشر، الذين ينامون في أوطانهم دون أن تغرس في ظهورهم سكاكين الخلافات وغدر الأنظمة، وتتدلى من كل شرفة رائحة الاستقرار وازدحام الاحلام التي لا تتوقف عند أبواب الخوف من الغد، ومن الزمن القادم.

القلب العاري يهبط من تأمله الى مقولة  "كل الشعوب تسكن في أوطانها إلا نحن الوطن يسكن فينا" لذلك نشعر عندما نتمتع بالمناظر الطبيعية أو في رؤية المدن والقرى والبحار والانهار والحدائق والسهول والوديان بوميض المقارنة بيننا وبينهم؟  بين استقرارهم الجغرافي الهادئ وحياتهم المرسومة بدقة رسام أراد أن يُظهر قيمة الحياة وبيننا وبين حياتنا التي تحيا على صفيح ساخن،  وغالبًا ما ننحاز لحنجرة الوطن التي تغني في اعماقنا لحن الاعتزاز الصامت،  مسحوبة بمواويل المنافي.

لا وقت لفتح صفحات الآهات والأحزان خلال السفر والتنقل بين الدول الأوروبية، لأن الزيارة سريعة وحضور الهموم العربية بحاجة إلى فنادق العالم اجمع كي تنام في غرف الحزن وثقل المآسي.

لكن حين يركض خلفك أحد أبناء جلدتك كي تشتري منه أقلامًا أو العابًا بسيطة، أو ترى متسولًا عربيًا، أو نادلًا في مطعم شعبي يعامله صاحب المطعم بفوقية وعنجهية، أو سائقًا عربيًا يشكو من استغلال الأجنبي صاحب السيارة، أو شابًا عربيًا  يجمع النفايات في الحي يقول بابتسامة صفراء "نار النفايات هنا ولا جنة وطني الذي أنكرني، أنا الشاب الجامعي الذي لم أجد الوظيفة، بل وجدت بطالة قاتلة وعيونًا تحدق في ملامحي تطالبني بالعمل حتى تسد ثغرة الجوع والفقر".

أصر الشاب السوداني الذي يحمل فوق كتفيه السلاسل والألعاب، عدا عن الكرتونة الضخمة التي تجد فيها كل شيء - سوبر ماركت متحرك - أصر حين سألته عن وطنه السودان حيث نظر الى بعيد ونزف آهة  خرجت من جوفه حمراء قانية "أي وطن"؟ هربت من الحرب والدماء، قتل أبي وأخي وأمي أيضًا قتلت، واستطعت الهرب الى هنا، بعد أن وجدت نفسي سأكون الضحية الرابعة!

تركني هاربًا من دموعه التي رأيتها تحاول لملمة بقايا ذكرياته المرة. ثم رأيته من بعيد يلف بين الطاولات والكراسي عارضًا بضاعته على رواد المقهى الذين تعاملوا معه بجفاء، ثم خرج دون أن تنهار ملامحه، متابعًا تنقلاته بين المقاهي والأرصفة.

في الدول الأوروبية يتحدثون عن هجرة الشباب العرب الى دولهم، نتيجة الحروب والفقر والبطالة، ويتحدثون عن الأزمات الاقتصادية التي بدأت تطفو على السطح نتيجة هذه الهجرات التي تزيد من معدل البطالة، والأسوأ حين تضيع إنسانية المواطن العربي وتتحطم أحلامه على رصيف لقمة الخبز فقط.

 كم كنت أود أن يرى حكام الأنظمة العربية وجوه مواطنيهم على وقع المنافي وعضات الحسرة ومطاردة رغيف الخبز وتأرجح الخط البياني للحياة اليومية التي تروح وتجيء كمنشار ينشر سنوات اعمارهم القاحلة.

لقد ترك هؤلاء الشباب أوطانهم الغارقة في دهاليز العنف والفقر الى اوطان لها أجنحة الطيران، لكن هذه الأوطان أيضًا تخذلهم حين تتعامل معهم بأسلوب تبديل الأوطان باستقرار مزيف، من الخارج سمات  الهدوء ومن الداخل لوعة الغرباء.

كنت أتساءل أمام هذا الكم الهائل من الشباب العربي المتسلل من خارطة الدول  العربية الى خارطة الدول الغربية، لماذا لم نجد في أوطننا العربية عمالًا من الدول الأوروبية، يعملون في الأعمال الصعبة، الشاقة السوداء؟

 لماذا  نراهم في الدول العربية فقط في المناصب العلياء كرؤساء لشركات او مسؤولين في إدارة شؤون الدولة ؟ أو رجال استثمار أو أو؟

الكلمات أعلاه زفرة امرأة عربية وجدت نفسها أمام خيبة أمل من المحيط الى الخليج، خيبة أمل تعانق حقائب السفر التي سرعان ما  تفرغ، ويبقى السفر عند المواطن العربي المتعب هروبًا من الوطن الذي أصبح مصيدة تكبس على أنفاسه.

 

في الصورة: مهاجرون وسط البحر – هرب من بطش حكوماتهم أكثر مما هو ثقة بحكومات الغرب!

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب