news-details

المشهد الانتخابي في الداخل: سيرك تراجيدي !

لم أجد وصفًا أكثر دقة للمشهد الانتخابي في الداخل غير السيرك، عرض مكتظ بصور متناقضة، مزج بين التذاكي والفهلوة والقفز بين المواقف، كولاج من التفريط والخفة السياسية والمخترة وغض النظر عن الاحتلال والاستعمار وسحق العدالة باسم الحداقة.

هذه بعض الصور انهيها باستنتاج أتمنى ان أكون مخطئة فيه.

 

صورة رقم ١:

على شاطئ بات يام، امرأة عربية تندفع لالتقاط صورة مع نتنياهو الذي كان يزور المكان في إطار جولته الانتخابية التي استهدفت الترويج لعودة الحياة الى مجاريها. نتنياهو يلوح بنجاح حملة التطعيم الواسعة التي قادها شخصيا ويحتفل بهزم كورونا على الأقل مرحليا. نتنياهو قال عدنا للحياة، والمشهد الصاخب على الشاطئ كان دليله.

لا اعرف من اي قرية او مدينة جاءت هذه السيدة، لا يهم، المهم الصورة مع نتنياهو: هو يبتسم هي تبتسم: الربح مزدوج وإن كان غير متكافئ بالطبع، هي ستتباهى بالصورة مع رئيس حكومة، وهو سيضيف صورة لألبومه الجديد المخصص هذه المرة حصريا للعرب.

غداة ذلك سيقتحم نتنياهو مع جيشه قرية سوسيا الأثرية ويزور المستوطنة التي أقيمت بالقرب منها بعد ان تم تهجير 400 فلسطيني من سكان القرية واستحلال مكانهم. وهناك يعلن التالي: "سنستمر في الاستثمار بالاستيطان، نريد ان يصل جزء من استثمارات الامارات الى هنا".

على كل نتنياهو أوضح في مقابلة استراتيجيته "نحن في لحظة استراتيجية نقضي "מחסלים" على الصراع مع الفلسطينيين في الخارج، ونغير العلاقات بين العرب والإسرائيليين في الداخل"

صحتين قهوتك عامرة قال له مضيف عربي في عالم موازي!

 

صورة رقم 2:

مرشح الليكود العربي الذي وضع في المكان 39، يرد على منتقديه، ويختصر لنا محاولات التحليل "انا بدي اكون زعيم".

وهنا انتهى برنامجه الانتخابي.

 

صورة رقم 3

قررت الحركة الإسلامية الجنوبية التي تخوض الانتخابات تحت اسم القائمة العربية الموحدة ان يكون لها نهج جديد في السياسة. هذا النهج مبني على البراغماتية والفائدة، وليس "الشعارات".

في الصف الاول للعلوم السياسية يعني هذا نزع الاخلاق عن السياسة، وحساب اي خطوة وفق ما تجنيه من ربح وخسارة ضمن ذلك، ضمن هذا المنطق لا يهم مثلا اذا حوصرت غزة او سحقت الضفة، او تم تحويل الضفة الى معازل ومعسكرات تجميع، طالما أن الميزانيات للعرب في الداخل زادت، وطالما تم تحصيل مزيد من الوظائف.

هذا هو جوهر السلام الاقتصادي الذي روج له نتنياهو، وليس سرا بالمناسبة ان نتنياهو ضخ ميزانيات للعرب من جهة، وحرض عليهم وحاول التخلص من مئات الالاف منهم لو تم تحقيق صفقة القرن من جهة أخرى.

المضحك المبكي ان الموحدة التي تنزع الاخلاق عن السياسة، وتتحدث بلغة المنفعة، تجتاح المجتمع العربي عبر بوابة الاخلاق والشرف، من خلال الادعاء انها انشقت عن المشتركة بسبب موضوع المثليين، وهو محور مهاجمتها لهم. المهم كيف يستوي رفع الاخلاق عن السياسة، والذي يعني فعليا ابقاء الفلسطينيين عراة امام الاحتلال، مع فرض خطاب الاخلاق على النقاش السياسي والتمترس به!

 

صورة رقم 4:

رئيس بلدية الناصرة اكبر مدينة عربية في الداخل، يعطي مقابلة مطولة لجريدة يسرائيل هيوم التي تعتبر بوق نتنياهو الإعلامي، يصرح خلالها انه يدعم بيبي وان بيبي وحده من سيصنع السلام، ويطيل مديحه له ولقدراته، ويفسر" إنّا اليوم بحاجة إلى الاستفادة من بيبي/استغلاله. إذا روّح ع البيت بهاي الانتخابات، وا أسفاه ع دولة إسرائيل. احنا بحاجة إنو نستفيد/ نستغل بيبي الآن، عشان يكمّل يشتغل لإلنا كلنا." (للمزيد انظر ستاتوسات عازر دكور التي شيرتها)

نستغله... لما لا؟ نستغل نتنياهو وهو يستغل الامارات والمستوطنات تعلو وتصعد وتتمدد والمعازل تضيق وتصغر وتختنق!

 

صورة رقم 5

مرشح رقم 4 في حزب ليبرمان مصري يهودي يتكلم العربية بطلاقة، يجول ويصول في القرى العربية يسجل الفيديوهات بالعربية، يطالب العرب ويحرضهم على عدم التصويت للموحدة لان هذا يعني دعمهم لحكومة يمين متطرفة ستعتمد على بن غفير وسموتريتش !

الموحدة تركت الباب مشرع لنتنياهو ونتنياهو فتح الباب على مصراعيه لبن جفير... ويسرائيل بيتينو تحذر العرب من مغبة القادم!

 

صورة رقم 6:

هجوم من احزاب صهيونية يمين ويسار على أصوات العرب، كل حزب يزين قائمته بمرشح عربي، الاحزاب "اليسارية والوسط مثل العمل وميرتس ويش عتيد (وأيضا حزب تيليم بزعامة موشيه يعلون قبل أن ينسحب) تعمل على تمييز انفسها بوضع مرشحات نساء عربيات، هكذا صارت المرأة العربية في هذه الانتخابات بمثابة علامة تجارية brand, مثل برادا ومايكل كورس، تضعها الاحزاب الصهيونية وتمشي بثقة وباحساس انها جذابة وليبرالية، وداعمة للابارتهايد لكن بضمير نظيف.

 

صورة رقم 7:

مناصر سعودي بلبسه الخليجي الكامل، الشماغ والجلابية، يسجل فيديو ترويجي للتصويت لسموتريتش- حزب كهانا، الفيديو بالعبرية يرافقه موسيقى راقصة وكلمات تمجد الصهيونية الدينية وارض اسرائيل وسموتريتش.

هذا الشخص يهرج من قلب السعودية النابض.

 

صورة رقم 8:

المشتركة تعي حجم الخطر لذلك تقدم لنا فيديوهات دعاية انتخابية تثير الدهشة، لعبة كرة قدم. في الفيديو يهاجم فريق المشتركة نتنياهو ويسدد چول

هل يعقل ان نكون وسط هذا السيرك والانهيار، وان لا تخرج المشتركة بشعار سياسي؟ ان تشعر الناس انها متلهفة وان لديها طرح!!!!

المشكلة اننا اليوم ووسط حالة الانهيار،لا نملك خيارات واسعة، يعني سأصوت للمشتركة رغم كل ما لدي من نقد، ولدي الكثير.

 

وأخيرا وللتفكير:

التهريج والتسريك (من سيرك) ليس مشهدا عبثيا، علينا ان نقرأه بمعانيه العميقة وجدلية العلاقة ما بين تطبيع مواطنة التابع والاحتضان الإسرائيلي لها.

من جهة نحن نشهد من جهة انهيار الخطاب السياسي الفلسطيني في الداخل، انهيار الخطوط الحمراء وتحول التعاون والتحالف مع اليمين بأبشع تجلياته، الى أمر مبرر ومباح، نشهد نزع الأخلاق عن السياسة والانسحاب من الخطاب القومي والحديث عن الاحتلال و الابرتهايد، نشهد مسيرة تطبيع المواطنة التابعة والمحللة لنظام مبني على الفوقية العرقية اليهودية وخصخصة القضية الفلسطينية ومعالجتها بالمفرق، نشهد الترويج لمواطنة تجارية مبنية على معادلة الهزيمة القومية مقابل دفع المال، مواطنة خاوة مغلفة بلغة نظيفة اسمها "انجازات اقتصادية واجتماعية" ونحن نشهد اشعال النقاش حول القضايا الاجتماعية والقيمية وتحويلها لمحور الصراع الداخلي لتمرير كل ذلك.

ومن جهة أخرى، نحن نشهد اقتراب متصاعد من قبل الاحزاب الصهيونية يمينا ويسارا باتجاه العرب والعمل على استدماجهم في قوائمها، هناك قناعة متزايدة حتى في اوساط كان خبزها كفاف يومها التحريض على العرب بضرورة الاستعانة بالصوت العربي لتجاوز الازمة المستعصية، (هذه الازمة بالمناسبة تتجاوز أسبابها الخلاف حول بنيامين نتنياهو وتتعلق بتغيرات في عمق المجتمع الإسرائيلي وبنيته الاستعمارية وكتبت عن ذلك سابقا). باختصار بات واضح ان الخروج من الازمة يعني عدم انزال اي خيار عن الطاولة وهذا قد يفتح مساحات لاستدماج العرب في اللعبة السياسية بشكل اكبر ومتسارع قد يفاجئ كثيرين، شرطه ان يلتزم العربي ببنية الدولة كدولة يهودية تقوم على الفوقية اليهودية في الداخل وعلى إدارة منظومة ابارتهايد استعمارية وقمع في الأراضي المحتلة، طالما قبل العربي بذلك أي قبل بأن يكون بلا هوية فمن الطبيعي ان يتم تعيين وزير عربي في حكومة لليكود، وبالمناسبة حتى امور خلافية جدا كقانون القومية يمكن ان تعدل او تجمل في تشكيلات معينة لتمرير هذا التلاقي حيث يضاف مثلا بند يهودية وديموقراطية او لا ادري ماذا، كل هذا وارد، مرة ثانية طالما ظلت اسرائيل دولة الفوقية اليهودية من جهة والاستعمار الاحلالي من الجهة الاخرى !!!

ما اخشاه وما يرعبني في هذا السيناريو هو ثمنه وبكلمات اخرى ان يتحول استدماج العرب في هذه المنظومة الى اداة تبييض للاستعمار، بكلمات أخرى ان يتم مقايضة الداخل بالقضية الفلسطينية، يستدمج الداخل في منظومة الدولة اليهودية، ويسجن باقي الفلسطينيين في معازلهم.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب