news-details

الموسم عَزَمان قَبِل (3)

بعد قْشاش الأرض من الجدّوع، سنديان وملّ وبطم وقندول وبلاّن، ومن اشواك القرصعنِّة والدردار والخرفيش والشنديب والقوصان، كله يُجعل اكواما عِرق القرامي الحية الخضراء حتى لا تُطلق في المستقبل، ويكون الوَحْواح بأوراقه الزهرية الرقيقة قد نبَت حومات، يقول الفلاح: طِلْع الوحواح هَيّي بْذارَك يا فلاح، يُحضر بذار القمح الهيتي وكفّ الرحمن، تُرش عليه الجُنْزارة ضد السوس والفار والخُلد، تبذر الارض قِطاعات قطاعات، مع الحرص ألا يكون البذار عبيا ولا دلّيلا، لكن عصافير الحُمّر والقُمّح تغفّ جماعات وتلقط الحب، وكذلك الحجل والحمام البري.

في موسم الشتاء تُعيّر البُرك وتمتلئ، برك النصيبة وشُفنين والزابود ونوخ وحامِد وبُعَلي الدين، والنبعات، الفكر يتقافز كالعصفور المرح في الصُّبحيات، على التين والبطم والعليق، ويحط فكري على نبعة الطاروق ونبعة كرِم عيد والنصيبة، حفرها سيدي إحمد طافش وأبو حمد فارس العصفورة بالدبّورة والشاقوف والقطّاعة.

يدرسون الزيتون في المعصرة، يكبسون القفَف بواسطة الخشبة، يديرها رجال اقوياء منهم فارس الصالح وصالح حرب ونجيب بو منصور هذه الخشبة او البَد فلتت مرة ايام زمان وهرست راس زلمة، وظلت أمهاتنا إذا عنّدنا على غرض، على قِرش او تعريفة يقُلن: بَدّك بَدّ يُهرس راسك يوم الحَدّ، والولد عنيد، بَدّي تعريفة اشتري قرمِش او بُلبل او فُرنانة. ولغاية اليوم في طرعان وغيرها يقولون عن المعاصْري الذي يشتغل في معصرة الزيت – البدّاد، وتبين ان المعصرة تسمى بالعبرية – بيت باد.

يكيّلون الزيت بالرطل من توتيا او نحاس: وعن الثمانِه يلله الأمانِه، النساء يُقفّين الزيت باليد، اما العكَر فهو لتعكير المساطب، والجِفت يخلط بالقَصل والماء، يُرفش بالأرجل ويقرّص اقراصا للنار، للموقدة او الداخون.

سطوح الخشب تدلِف، على كل سطح مدحلة ومعوص، يرشون الفِرْس – التراب الابيض – مع التبن ويدحلون السطوح، والمدحلة تُسرسك، لكن الدلف لا ينقطع، تُلقّى الصحون تحت الدلف، ولكل دلفة صوت، بعضها يرن، وبعضها يطرش طرشا خشنا. عساف ابن خالي محمد طافش عصّه حجر الببّور الذي تعاون الناس على دحرجته من ترشيحا الى البلد، مات عساف وألفت عليه الرحمات، فِلِت الحجر وعصّه في السنسلِه.

في الشتاء موسم الفطاريش، فطاريش كِلخ ونَعص وهِنبل وبوز العجلة:

فَطروش بوز العجلِه

                         إطلع وانْبِز تحت جْري

وتنبت اوائل السليقة، دردار، قرصعنه، حمّيض، وكرّاث باب السدير وخلة سلمان وخلة حْسين، وجوَر النصارى وكرم دار مخول، وبين سمّاخ القمح بيوت عكّوب وصاحب الارض يصرخ في الزابود والجوانية:

  • إطلعوا هيك يا قليلات الحَيا، رفّشتوا الزرع.

في كوانين وشباط يبدأ موسم الثلج: اوّل ثلجه سَمّ، ثاني ثلجِه دم، ثالث ثلجه كول ولا تِهتَم، نأكل الثلج مع دبس عنب – بَقسما - ، الاولاد وحتى الكبار يتضاربون في الثلج، والرجال يقحفون الثلج عن السطوح لئلا ينكسر خشب السقف ويهيل من ثقل الثلجه، عند المصفِّه باب دار بُعِزات كامل قزامل يظل الثلج المقحوف المكوّم لأكثر من شهرين زمان ولا يذوب، لكنه عِكر مخلوط بالتراب.

المصفّه فوق مغارة الغربية، ساحة ضيقة، هناك تينِه طْواليّه وشتوية، ايام الصحو يأتي اللحامِه ويذبحون الذبايح، يعلّقونها بالكلاّبات على فروع التين وينادي الناطور: يلّله على لحم المِعزى علمصفِّه، واحيانا لحم البقر، ولحم الجاموس من الحولة، لحم الشنبور، عجل الجاموس، يشتري الناس اللحم بالرطل والنصّ رطل والثلاث واق، من الباط والفخذ والقَص وشاربِ القص والشذاه، القصبة والتعظيمة والزايدِة، الكرش مع الكراعين والرّاس، ويحكون لنا حكاية العجوز المِهتِرشه: عن زلمة البيت، اشترى كرش وراح على الحراث، وزوجته عالت الكرش على النار وراحت تكنّس المسطبة – كل ما قشّت قشّه تنتِش نتشِه حتى اكلت الكرش والراس والكراعين ونامت في الفراش، روّح الزلمة وقال حطي تنوكل، وين الكرش: قالت الحرمة العجوز المهترشه: إجا الراس وقال: أنا الراس، أنا القوّاس بدّي بارودة ورْصاص ودرب السوق مْنين، طلع من الدست وفَل، إجو المصارين وقالوا: إحنا المصارين، إحنا بْنيّات اسْمعين، بَدنا جْراب طحين ودرب السوق مْنين، طلعوا من الدست وفلّوا، ظلّت الكرشه قالت: أنا الكرشه وأنا العجوز المهترشِه، بَدي لحاف وفرشه ودرب السوق منين، قالت الحرمه نمت على الفرشه وتغطيت في اللحاف احسن ما توخذهن.

واحد طلّق سبع نسوان: ولا واحدة عرفت تنظّف الكرشه الزغيره، ونسميها مْطلِّقة السبعة، والمقصود عن إم التلافيف. لحم البقر والجاموس لأقراص المنسوفِه الواسعة، اوسع من القريصة او الترشحانيّه مع قلاوة بصل.

رخوة العدس ورخوة الحمص والفول والرقيقة، رقيقة الحليل والمغرَبية، والكُبب والزقاليط من اكلات الشتوية، في شهر شباط بتوقع المعزى في المعاد – معاد جلَب المعزى، الولادة، ويكون موسم الشمندور – اللّبا – في البلد الكثير من المعزى، ومتى ما طلع الموسم يكون الخير على الجميع، والدرب على الصيَر شْرير، صِيَر الوادي والشاغور والدرجة في الجرمق، وقباوة الزبود، وسرطبا، صيرة ذيب وصيرة حماده والرفاريف، ومغارة قافع وشقيف بُزُكرة، والقلالي ومغارة شهاب، ومغارة الديدبه، كلها مأوى للمعزى، ويأتي مشتيّه من عُرْنة من سوريا ومنهم الشيخ أمين كبّول، حليب ولبن خير الله.

لكن البخيل الذي ضافه ضيف في هذا الموسم يقول: أهلا وسهلا تْشِثير – كثير، لكن بياض ما بو، والبياض عن الحليب واللبن، دار العنّان البدو حطوا في الزابود، اسْمعين وصْويلح، في بيوت شَعر، يتنقلون من الزابود الى مغارة الجوق تحت صفد وعكبرة. عنزات الشيخ محمد معدي جوز سِتي ريا من يركا، كانوا في ارض البلد،  شراكِه، وأمي تقول ان عنزاتنا الملْحا والعَطرا أصلُن من معزى الشيخ محمد معدي الذي تشارَك مع دار طافش خوال أمي.

في البلد ثلاثة نواطير، بُعَلي قاسم، وبُقاسم سنَد، وبُفارس علي بُعسَلِه، يعزمون على العشا إذا جاء ضيوف، والضيف كان يظل أياما في البلد، ويتعازمَه الناس على الغديات والعشيات. أما الاولاد فيمسكون ابريق الميّ والمنشفة ويصبون على الأيدي للغُسل بعد الوقعَة،

يغسل الواحد يديه وكريمته – دقنه ولحيته - :

  • آجرك الله!! في فرحتَك ان شاء الله.
  • سامحك الله.

واحد غشيم كان يصب على أيدي شيخ، في اليد الواحدة ابريق المي، وفي الثانية منشفة، وظل الصابون على كريمة الشيخ، فما كان من هذا الغشيم، إلا ان اشار برجله الى لحية الشيخ:

  • بعد هون شوية صابون!!

الناطور ينادي على البرتقان، وعلى البيت نْجان على المصفه، بيت نجان عجمي من وادي سلاّمة، وعلى زمان قَبِل كان أهل بلدنا يطحنون القمح في مطاحِن سلامه، وسُكّرة ميرون، ووادي المطاحن نواحي صفد.

كانت شلعة معزى سارحة في باط الديدبِه، بقدرة الله، إجت زاعقة، رعد وبرق، حرقت اكثر من خمسين راس معزى، مع ريحة كبريت، فزعت الناس وذبحوا المعزى وفرّقوها على الناس، للتعويض عليهم.

سخن العَمّال حْجاب وذبحوه، وراح الناس يشترون اللحم ويقولون: الله يعوض عليكو، لكن عمي كنج قال لهم:

  • سلامة روسكو من نواحي حجاب، واشترى رطل لحم.

في الشتاء والليل الطويل المجحِّر، تكون السهرات حوالي الموقدة، وقرامي السنديان والقراقيد اليابسة تهبرج في الموقدة، ويتطاير منها الشرار، حول النُّقُل، جوز ولوز، وقطين وزبيب، وبسيسِه ومعكرون، ودعابيب وطرابيش زلابِه، سيدي حسن يقصّد بصوته الحنون عن الزير وكليب وجساس. وعندما يقول:

كان كْليب في راس المعَلاّ

                             تعشّته الذياب الجايعينا

يبكي النساء على كليب، وعلى مقتل سعدى الزناتي والخفاجا عامر وبُزيد الهلالي، وعقل بن هولا ونصر بن هولا في تغريبة بني هلال.

يحكون حكايا قوت القلوب، وفريط رُمان، والرغيف المقحمش، ونُص مصيص، ومهير الزين، وحمدِة مقطّعة الديّات، والشاطر محمد والسِّت سرَزْموزْقَه، عن غولِة عين النوم، والرّسَد في مغر العيد، ومغارة عريض يوسف عبيد، ومغارة باط السدير ومغارة الوعاوْعة، عن شيخ لقبور، وحية الجوانيّة المؤلفة، وبركيل خلة القنطار مع شواهين.

الصبايا يلوين القش المصبوغ، طبق الصُفرة، المخبزة، المنسقة، قبعِة الثُّمنية والرّبعية، والرُّبع، تضع فيه الواحدة الكرّار وسلايك الخيطان، وأبر الخياطة وابرة لِمنجّد، والقمع والمقص، والرقاقيع، تضيع الابرة او القمع وتقول الواحدة: اخذها بْليس لمرَتُه، وتكون قد شكتها في عَصبتها السودا، وإحنا ندوّر على إبرة ستي. خالتي نايفة شاطره في عمل البْسيسِه من الطحين والدبس، والمعكرون، والغرَيبِه.

في الثلج، نسفى شوية رماد وجِفت، نرشهم ونربط الغربال بخيط طويل ونسنده فوق الرماد، تأتي العصافير، خصوصا الدواري، من جوعها تدب حالها على الكومة الوحيدة التي لونها غير لون الثلج، اما نحن فنشدّ الخيط، وينطبق الغربال على العصافير التي تروح تتزعفَل في المصيدة فنمسكها، نذبحها ونشويها. الدويري نِكِح لا يعلق على الدبق ولا على الفخّة، هي الطريقة المجربه لصيده ونحن نذري ورا الباب المغلوق نص غلقة، باب دار سلمان البصّار له سكرة خشب ومفتاح خشب كبير، الشوافنَه من لبنان يسمون هذه السكرة والمفتاح، غالَه – غالات.

في توالي الشتاء تنبت البقول، السليقة، تنْتول، مِشّه، لهيون، خبيزة، كف العروس، عِلت، جرَية العصفورة، قرقميش، صيفي، وكذلك السنيبخه لفطاير السليقة،

تتسلق الواحدة – شِرْش – صرّة علت او دردار وسنيبخة مع كل حوايجها، كرّاث وحميض، مع رشة غبير فلفل احمر.

كل موقع ومنبوتُه، الشومر من الشاغور – عين الأسد – والحميض من حواش المعزى المهجورة، والسنيبخة من خلة عين النوم والشاغور، والسدير، واليوم من زتون الرامة ومعليا.

بعدها ترتفع النقطة في الربيع ويأتي عيد عبود ظنون الشّتا يْعود، وفي آذار إطلع بقرك عالدار، تدب الحماوة حتى في شباط، شباط: لو شبط، لو لبط، ريحة الصيف فيه.

ونفسي ان اعرف اكثر عن عيد لِدْ!!

سعيد لمحمد الراعي كان يضع السخول المولودة في الوعر في جْياب يغموره، بجيوبه الواسعة، ابن حلال.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب