news-details

الوطنية والمواطنة (4) رؤية لتجديد المشروع السياسي للفلسطينيين في إسرائيل| أيمن عودة

الوطنية والمواطنة (4)

رؤية لتجديد المشروع السياسي للفلسطينيين في إسرائيل

أيمن عودة

 

*توسيع الشراكة العربية اليهودية*

 

"التحالف بيننا ليس زواجًا سهلًا! نحن منظمتان مختلفتان مع أهداف بعيدة المدى ليست بالضرورة متقاربة.. تحالُفنا مع حزبكم قائم أيضًا على المشاعر الدافئة التي خُلقت خلال النضال المشترك ضد الأبرتهايد."

(نيلسون مانديلا بحديثة إلى الحزب الشيوعي الجنوب إفريقي)

 

 

اكتسحت ظاهرة العولمة العالم ولكن لم تجعله أقرب إلى بعضه، كما بدا مع انطلاقتها منذ ثلاثة عقود، وإنما باعدت بين شرائحه اقتصاديًا، سياسيًا وثقافيًا. خلقت مركزًا وأطرافًا، المركز يرى الأطراف ويستغلّها بينما هو مغيَّب عنها، وسأشرح انعكاس ذلك في حالتنا.

تميزّ المواطنون العرب منذ النكبة بالعيش على هامش المجتمع الإسرائيلي، فالمكاتب الحكومية والشركات الكبرى والصناعات المادية وصناعة الرأي في المدن الكبرى اليهودية، وكذلك "المحامي الكبير" وكافة العناوين البارزة للمهن الحرّة، كلها في المدينة الكبيرة، اليهودية. أما وسائل الإعلام فهي بالأساس التلفزيون الإسرائيلي الذي يخصص وقتًا للناطقين بالعربية و"صوت إسرائيل" في الراديو. ولم يفلت من ذلك إعلاميًا إلا الاهتمام بالعالم العربي عن طريق "صوت العرب" في الستينيات، أو ما تيسّر التفاعل معه من قنوات عربية سورية، أردنية ومصرية حسب درجة ميْل الهوائيّ (الانتينا) ومحليًا عبر التفاعل مع أدبيات الحزب الشيوعي التي كانت على الأغلب، وإن ليس حصرًا، فضاءً للأعضاء والمتفاعلين سياسيًا وثقافيًا، ومنذ الثمانينات ظهرت الصحف المستقلة رسميًا.

هذه الأنماط تغيّرت جذريًا في ظلّ العولمة منذ التسعينيات، فاقتصاديًا نمت بدايات طبقة وسطى في قرى أصبحت تُسمى رسميًا بالمدن، تضخّمت شريحة الأطباء والمحامين والمهندسين، أقيمت كليات للتعليم العالي في مختلف المناطق العربية، المعاهد التأهيلية وصناديق المرضى، شركات الملابس العالمية من "زارا" و"مانغو" الإسبانيتين إلى "ماركس أند سبينسر" الإنجليزية إلى "تي إن تي" الإسرائيلية متواجدة في بلداتنا، وأقيمت تجمّعات تجارية ضخمة. وعلى مستوى الإعلام جلبت العولمة أصنافًا جديدة من الإعلام: عبر الفضائيات تشاهد العالم العربي، ومواقع الانترنت تخصّ المواطنين العرب ووسائل التواصل الاجتماعي التي تجعل الإنسان يتواصل مع محيط اهتماماته وهو جالس في بيته.

لا شكّ أن الكثير من هذه التطورات تحمل أبعادًا إيجابية لا مجال لحصرها، ولكنّها أيضًا أبعدت المواطنين العرب عن السياق الإسرائيلي العام بالتعامل الشرائيّ المباشر، بالتفاعل الإعلامي، وبالتماس المباشر عمومًا، ولكنّ صناعة القرار السياسي والاقتصادي في القدس وتل أبيب لم تبتعد عن المواطنين العرب، أصبحت تَرى ولا تُرى كما عبّر أحد حكّام إسرائيل عن أجهزته الرسمية بالتعامل مع المواطنين العرب. 

العولمة زادت من حدّة ظاهرة المركز والأطراف دوليًا وكذلك بين العاصمة وسائر البلدات داخل الدولة الواحدة، فالأطراف – الدول الفقيرة والمهمّشة وكذلك المجموعات المهمشة داخل الدولة الواحدة – تدير شؤونها بصفة مستهلكين بالأساس بمعزل عن "المركز" تخيلا! بينما المركز ينهب خيراتها ووعي شبابها فعليًا.

تعرف هذه الظاهرة عالميًا بـ (Glocalization) (ممكن ترجمتها إلى "العولمحلية" وهي منحوتة من كلمتيْ: العولمة والمحلية)  فـ"الأطراف" تعيش لوحدها، افتراضيا، تتوهّم أنها تعيش لوحدها، بينما "المركز" موغل باستغلالها ونهبها اقتصاديا وسياسيًا وثقافيًا، هي لا تشاهده في وسائل الإعلام والحياة المعاشة بينما هو ينهش ثناياها في الواقع.

قيل للفيلسوف يشعياهو ليبوفيتش: "إن الطقس بارد في الخارج، لنغلق النافذة"، فتساءل بلاغيًا: وهل إغلاق النافذة سيلغي برودة الطقس؟! أو كالذي فقد قطعة نقدية في إحدى المناطق المظلمة، وراح يبحث عنها في المنطقة المضاءة، المنطقة الأسهل، فهل يجدها؟

في حالتنا المركز هو الذي سنّ قانون القومية، قانون "كمينتس" لهدم البيوت، وقبلها قانون الحاضر الغائب وأنظمة الطوارئ، يصيغ القرارات الاقتصادية التي تعزّز إفقار الناس، المركز يرى الأطراف جيدًا، وواجب الأطراف أن تراه وتواجهه سياسيًا، اقتصاديًا وثقافيًا، أن تلعب بصفة فاعل لا أن يُتلاعب بها بصفة خامل.

 

ولأتحدث عن مثال تفاعَلنا معه بالأشهر الأخيرة: تسارعت في نهاية العام المنصرم 2021 السجالات حول ميزانية الدولة. يشار إلى أن التصويت على ميزانية الدولة يشمل تصويتًا على إطار الميزانية العام وتوزيعته الداخلية، أي سلّم الأولويات الذي أقرته الحكومة والخطوط العريضة التي تنوي الاستثمار بها. وليس هناك تصويت دوري في البرلمان يؤثّر في الحياة اليومية للمواطنين، عربًا ويهود، أكثر من ميزانية الدولة. في هذه الميزانية تواصل الحكومة الخطة الخاصة بالمواطنين العرب المعروفة بـ922، بخطة إضافية عُرّفت بـ550 مقدارها نحو 30 مليار شاقل وهو المبلغ الأعلى المخصص للمواطنين العرب، بغضّ النظر عن السؤال المستحقّ عن مدى تطبيقها. وبالمقابل، فإن تحليل بنود الميزانية العامة يشير إلى أنها ستضرب الشرائح الضعيفة بشدّة ليس فقط لبُنيتها النيوليبرالية وتخصيص مبالغ إضافية لوزارة "الأمن" فيها، وإنما، أيضًا، لأنها تتضمّن ارتفاعًا بسعر الكهرباء، الأمر الذي لا يعني رفع سعر الكهرباء للبيوت وحسب، وإنما لكلّ مؤسسات الإنتاج والمصانع التي بدورها سترفع أسعار منتوجات السوق لتعوّض دفعها المرتفع للكهرباء. وتتضمّن الميزانية كذلك ارتفاعًا في سعر الوقود، ورفع سنّ التقاعد للنساء، خصخصة أموال صناديق التقاعد للمواطنين، ارتفاع أسعار المنتوجات الأساسية، وغيرها.[1]

هنا يقع المواطن العربي في معادلة من شقّيْن: يفترض أنه سيستفيد من الخطة الاقتصادية 550 وأنه سيتضرّر من الميزانية العامة. فهل، تاليًا، سيصبح وضعه الاقتصادي أفضل أم أسوأ؟

ممكن إسقاط جزءٍ من الإجابة على السؤال أعلاه من خلال قراءة لحالة اليهود الشرقيين، فرغم أنهم يهود ورغم أن منتخبيهم، حركة شاس على سبيل المثال، موجودون في الائتلافات الحكومية معظم الدورات الانتخابية منذ 37 عامًا، ورغم أنهم يستطيعون دعم حكومات يمينية في حروبها، ويدعمون قوانين عنصرية مثل قانون القومية وقانون المواطنة (المعروف شعبيًا بـ"لمّ الشمل") وقوانين هدم البيوت العربية مثل قانون "كامينتس"، ورغم تبوّؤهم وزارات اجتماعية بشكل دائم، إلا أنّ جمهور مصوّتيهم ما زال يقبع في العناقيد الاجتماعية 1-4 وهي تضم نسبة الفقر الأعلى بين اليهود، وقريبة جدًا من نسبة الفقر عند العرب.

السؤال الاقتصادي- الطبقي أعلاه ينطبق على السؤال الديمقراطي، فالسنوات الأخيرة تشهد قفزة لافتة في المكانة السياسية للمواطنين العرب. فعدا عن مرحلة التسعينيات حيث بدايات اتفاقيات أوسلو وكذلك التصويت المباشر لرئاسة الحكومة الذي رفع في حينه الوزن السياسي للمواطنين العرب، نشهد تقدّمَ المكانة السياسية للمواطنين العرب في السنوات الأخيرة منذ تأسيس القائمة المشتركة حتى حصولها على خمسة عشر مقعدًا قبل انشقاق القائمة الموحدة ودخولها الائتلاف الحكومي. فالقائمة المشتركة ساهمت في تعزيز المكانة السياسية للمواطنين العرب، بل منعت اليمين وزعيمه بنيامين نتنياهو من تشكيل حكومة أكثر من مرة. كذلك، تشهد السنوات الأخيرة قفزة لافتة في نسبة تعليم المواطنين العرب وكذلك اتساع الطبقة الوسطى العربية وبروز شريحة أصحاب أعمال تحقّق أرباحًا كبيرة.[2] ولكن بالمقابل وبالتزامن نشهد تحريضًا غير مسبوق البتة ضد المواطنين العرب، وكان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مايسترو هذا التحريض، وفي هذه المرحلة سنُت عدة قوانين عنصرية وغير مسبوقة أخطرها "قانون أساس القومية" الذي يعلن رسميًا بأن الدولة للشعب اليهودي حصريًا، والشعب اليهودي يستحق وحده حقوقًا قومية في الدولة، وبفعل هذا القانون أُلغيت لأول مرة المكانة الرسمية للغة العربية في الدولة. وهنا تُطرح المعادلة ذاتها أعلاه: ما بين رفع المكانة السياسية وبين النجاحات الفردية للمواطنين العرب من جهة، وبين التحريض الجماعي عليهم وسنّ القوانين العنصرية من الجهة المقابلة، هل سيكون وضع المواطنين العرب أفضل؟

ادعائي هو أن تغيّر المعطيات في مجالات محددة بالنسبة للمواطنين العرب بشكل إيجابيّ، لا يضمن تغيير كلّ الصورة بشكل إيجابي طالما لم يتم وضع وممارسة خطوات سياسية فاعلة تجني ثمار التغييرات الإيجابية العينيّة وتعمّم فائدتها وأثرها على مجمل الصورة.

المثال المقارِن التالي يلقي الضوء على الفكرة: قبل أربع سنوات، كتب بروفيسور زئيف شتيرنهل مقالًا عن صعود النازية في إسرائيل[3]، جاء فيه: قانون القومية الذي يظهر كأن من صاغه هو أسوأ القوميين في أوروبا، هو البداية فقط... لا تنبت أمامنا مجرّد فاشية إسرائيلية، وإنما عنصرية قريبة للنازية في بداياتها الأولى. وككل أيديولوجية، نظرية العرق النازية أيضًا مرّت بمراحل، بدأت بإلغاء حقوق الإنسان والمواطن اليهودي. ربما لولا الحرب العالمية الثانية لكانت "المشكلة اليهودية" قد انتهت بالتهجير "الإراديّ" من مناطق الرايخ.. ممكن جدًا أن يكون هكذا مصير الفلسطينيين".

في أعقاب هذا المقال زرت بروفيسور زئيف شتيرنهل في بيته ليلة 13 شباط 2018. ومن مجمل حديثنا أشرت إلى النجاحات الفائقة للمواطنين العرب خاصة في الجامعات والمستشفيات وبداية القفزة بمجال الهايتك. البروفيسور شتيرنهل لم يجبني مباشرة، بل طلب مني أن أتبعه إلى مكتبته، انتزع كتابًا يعرف موقعه جيدًا، وقرأ المقدمة التي تتحدّث عن نسبة اليهود في برلين عاصمة ألمانيا سنة 1930 حيث كانت 0,5%، ولكنّ نسبة الأطباء اليهود وصلت 30% وتضمن الكتاب عدد اليهود في رئاسة المستشفيات، البنوك والجامعات، فهل شفع ذلك لهم؟!

ما قاله شتيرنهل مهم وخطير في آن: إن التطور المهني والاقتصادي لأقلية قومية دون مناخ ديمقراطي هو بالذات ما من شأنه أن يعزز التحريض عليهم وحتى أن ينقلب عليهم. فهل علينا الاكتفاء بالنجاحات الفردية أو حتى الاكتفاء بالتمكين الجمعيّ في مجالات منفصلة، أم يجب أن نكون أيضًا جزءًا من المعركة لتوسيع المساحة الديمقراطية في إسرائيل؟ وهل يُمكن توسيع المساحة الديمقراطية دون الانتصار على الاحتلال، العنصرية والتمييز ضد المواطنين العرب والفوارق الاقتصادية؟ إذًا فهل هي مسألة تجزئية أم شاملة؟

في هذه الأيام، طيلة سنة 2021 ونتيجة لوضعية برلمانية استثنائية، نجحت القائمة المشتركة بمنع تجديد قانون لمّ الشمل طيلة العام 2021، هذا القانون الذي يمنع زوجيْن فلسطينييْن من طرفيْ الخط الأخطر من الحصول على جنسية إسرائيلية. صودق على هذا القانون في المحكمة العليا بأغلبية ستة قُضاة مقابل خمسة قُضاة. فهل مصلحة المواطنين العرب تقتضي توسيع المساحة الديمقراطية في المحكمة العليا، المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني أم أنه شأنٌ يهوديّ صرف؟

جوابي واضح: يوجد للمواطنين العرب، ككل أقلية قومية في العالم، موقف قيميّ ومصلحيّ بتوسيع المساحة الديمقراطية، دون أن يكون ذلك عوضًا عن السعي الاستراتيجي لتشكيل البديل الديمقراطي الجذري لكل المنظومة العنصرية قوميًا والرأسمالية اقتصاديًا، بل أن يكون ذلك الموقف جزءًا أساسيًا من العملية النضالية التراكمية لتحقيق الهدف الاستراتيجي.

الأمر نفسه في مسألة إنهاء الاحتلال، فالاحتلال يُهزَم وينتهي بمقاومة الشعب الواقع تحت الاحتلال، وكذلك بارتفاع وازدياد وتعاظُم الأصوات الرافضة داخل الدولة التي تمارس الاحتلال، سواء كانت أصواتًا ثابتة قيميًا أو كانت دينامية متأثرة بالخسائر السياسية أو المادية أو الدبلوماسية التي تسببها المقاومة. وفي حالتنا نحن، وجود المواطنين العرب، أهل الوطن، داخل الدولة التي تمارس الاحتلال، يؤكد أهمية وضع وزنهم الكبير الذي يقترب من 20%[4] من المواطنين من أجل تحرر شعبهم من الاحتلال، واستقطاب كل قوى السلام معهم للمساهمة كي يكونوا بصفة فاعل أساسي وليس تابعًا أو ملحقًا في معركة إنهاء هذا الاحتلال، الذي يجثم مباشرة على صدر أهلهم الفلسطينيين في المناطق المحتلة منذ العام 1967، ولكنّه أيضًا مصيريّ لمجمل علاقة المواطنين العرب الفلسطينيين مع الدولة، ناهيك عن المعادلة الجذرية أنه لا يمكن لإسرائيل ذاتها أن تكون دولة ديمقراطية أو دولة مساواة أو دولة عدالة اجتماعية ما دام هناك احتلال.

***

إنّ للحزب الشيوعي بالأساس ومن ثمّ الجبهة نجاحات تاريخية مجيدة، وأبرزها: المساهمة النوعية بتثبيت بقاء المواطنين العرب الفلسطينيين في وطنهم، التثقيف على النضال والهامَة المرفوعة، مأثرة الحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيزها، صناعة الأيام الكفاحية وأبرزها يوم الأرض، البُنى الأساسيّة لتنظيم المواطنين العرب، مقاومة التوجهات التجزيئية. وكلها مجتمعة هي إنجازات عزّ مثيلها في الساحة السياسية العربية، بل لا نغالي لو قلنا إنها نموذج يُحتذى لنضال أقليات قومية أخرى في العالم.

مع ذلك فهنالك جانب لم يحظَ بالنجاح، أو لنقل النجاح العميق أو الواسع، وهو إقناع شرائح واسعة من الجمهور اليهودي بصحّة خطّ الحزب الشيوعي والجبهة وتجنيده للنضال من أجل القضايا المشتركة من خلال تنظيم واسع مشترك. هذه الحقيقة لا تنفي وجود نجاحات منهجية وعينية، فإصرار الحزب الشيوعي والجبهة على هذه الشراكة رغم كل الظروف هو أمر يستحق التقدير على الصلابة المبدئية، وقد حققت هذه الشراكة إنجازات في الوعي الشعبي، وكذلك إنجازات تنظيمية عينية مثل تنظيم "كامبوس" في الجامعات منذ أواسط سبعينيات حتى أواسط ثمانينيات القرن الماضي ودوره المركزي حيث كان ندًا حقًا في الحياة السياسية داخل الجامعات. ونستطيع أن نشير إلى الفعاليات الشعبية والمنهجية لحركة "تعايش" المنطلقة سنة 2000 ضد الاحتلال وسياساته المتمثلة حينذاك في الجدار والحصار والإغلاق، ومساندة الشعب الفلسطيني، وكذلك شراكات ونشاطات عينية متقطّعة طيلة عشرات السنين. إخلاصًا لهذه القناعات وسعيا لتمتينها وتوسيع أثرها، يجب القول إنه مع ذلك بقي النجاح الجماهيري المنهجي محدودًا، محدودًا جدًا.

هذه النقطة بالذات هي أرضيّة لنشوء أزمة: فعندما ترفع طيلة عشرات السنين شعارًا مركزيًا، أو الشعار الأول والأكثر مركزية، وهو الشراكة العربية اليهودية، ولكن لا تمارسه بنوع من التكافؤ على المستوى القاعديّ والميداني، فسوف تنشأ أمامك أزمة، إما فكرية أو عملية. أدّعي بهذه الأطروحة أن الفكر صحيح، ولكنّ إذا واصلنا المُضي بذات الاستراتيجية والآليات فسنحصل بالضرورة على ذات النتائج المتواضعة، وستزداد الفجوة بين النظرية الطموحة وبين التطبيق المتواضع، وبالأساس سيتضرّر النضال وجني نتائجه، ومن هنا أُطلق للتفكير والنقاش، والتطبيق لاحقًا، هذا المشروع الطموح لتوسيع الشراكة العربية اليهودية.

ببساطة ووضوح وحدّة فإنّ الأُفق الحَصريّ لتحقيق أهدافنا هو توسيع الشراكة العربية اليهودية. وبكلمات مبدئية واضحة فمن يريد، صدقًا، تحقيق السلام والمساواة الحقيقيين، وكذلك الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، لا يمكنه ذلك دون توسيع الشراكة العربية اليهودية!

________

لقد شكلت الانتخابات المحليّة والقُطريّة فرصة للقاء الفروع المحلية للحزب والجبهة بالإضافة إلى تنظيم حلقات بيتية واجتماعات شعبية وإدارة حوار مع الناس، وأثناء حوارات عدّة أجريتها مع رفاق وأصدقاء حول توسيع الشراكة العربية اليهودية كانت تُطرح جُملة من الأسئلة أوجزها بالتالي:

  1. ما هي جاهزية شرائح يهودية للانضمام إلى هذا المشروع؟
  2. ما هو البرنامج السياسي والاجتماعي المُقترح لهذه الشراكة؟
  3. ماذا بشأن من يتفق معنا حول الخطوط العريضة ولكنه يعتبر نفسه صهيونيًا؟
  4. كيف سينعكس هذا المشروع على الجبهة، تنظيمًا وخطابًا؟
  5. كيف سيؤثّر هذا التوجّه على تأييد المواطنين العرب للجبهة؟
  6. ما هو الوعاء التنظيمي لهذا المشروع؟ وهل هو شعبي فقط أم شعبي وبرلماني؟

 

ولنردّ بإجابات على هذه الأسئلة بوضوح:

  1. ما هي جاهزية شرائح يهودية للانضمام إلى هذا المشروع؟

شهدت السنتان الأخيرتان تطورات هامّة جدًا لدى أوساط اليهود اليساريين. برزت بشكلها الحاد بتصويت نحو 15 ألف يهوديّ للقائمة المشتركة بمركباتها الأربعة في سنة 2020. وبعد الانتخابات مباشرة قُدنا مظاهرة ضد صفقة القرن والاحتلال شارك بها آلاف عديدة.

لو تناولنا الحالة الراهنة كنموذج فإن دخول ميرتس الائتلاف الحكومي وحكومة نفتالي بينت يجعل الجبهة العنوان الوحيد للمعارضة الشعبية العربية اليهودية الديمقراطية ضد هذه الحكومة، ويفتح آفاقًا إضافية للعمل بين أوساط اليهود. وكلّما امتدّ الزمن بهذه الحكومة اليمينية وتمّ الابتعاد عن معادلة "الأهمّ إسقاط نتنياهو" تنشأ مساحات أوسع للحوار مع اليهود الديمقراطيين المعارضين للحكومة ونهجها.

هنالك عشرات آلاف اليهود في أوساط مؤسسات المجتمع المدني، وأخصّ بالذكر نحو ثلاثين ألف انسان من عائلات أرسلت أبناءها إلى المدارس ثنائية اللغة (نحو يد بيد) وهم يتعلمون عن الحياة المشتركة والاعتراف بالرواية الفلسطينية، يمارسون عمليًا الحياة المشتركة بناءً على مساحات من العدالة والنديّة. وهناك جمعية "نقف معًا" التي وصل عدد أعضائها المنتسبين إلى ثلاثة آلاف يهودي، وهناك عشرات المؤسسات اليهودية العربية المشتركة القُطرية أو المِنطقية في الجليل والمركز والنقب، أذكر منها أجيك، مهباخ تغيير، نفيه شالوم- واحة السلام، يوزموت أبراهام- مبادرات صندوق أبراهام، سيكوي- أُفق، مبادرات اقتصادية، جاليري أم الفحم والكابري، مسرح يافا وعكا، مدرشة آدم، مركز مرحفيم، جفعات حبيبة، كلية بيت بيرل، كلية أورانيم، أدباء يهود وعرب من أجل السلام، مطاح، تسوفن، حوار بين الأديان، وعشرات المجموعات المحلية، وحين عددت الفاعلين اليهود بهذه الأوساط اقترتبت إلى مئة ألف ناشط، وإن كانوا باختلاف حول العديد من القضايا التفصيلية إلا أنهم جميعًا يؤيدون السلام على أساس إنهاء الاحتلال من كل مناطق الـ67 والمساواة الجوهرية وصدّ الفاشية المتصاعدة.

***

 في كتابه "خيانة المثقفين" يكتب إدوارد سعيد عن سعادته بتلقّيه دعوة للقاء جان بول سارتر في بيت ميشيل فوكو، ثم عن خيبة أمله المؤلمة حين سمع سارتر يشيد بالرئيس المصري في حينه أنور السادات، مما جعل إدوارد سعيد يعود للولايات المتحدة مخذولًا.

هل تصرّفَ سعيد بالشكل الصحيح أم كان عليه أن يسعى لإقناع إنسان، كسارتر، لديه مكانة تأثير أخلاقية مثل موقفه ضد احتلال بلده للجزائر وضد احتلال فيتنام ومع الحركات الطلابية؟ علينا عدم الاكتفاء بأن يصل إلينا فقط المقتنعون بشكل مطلق بمواقفنا، وإنما علينا نحن دور هام وهو عدم الاكتفاء بخيبة الأمل الفادحة كما حصل مع سعيد ويحصل معنا؛ خاصة أننا نتحدث مع مجموعات، وإن كانت تُخطئ، فإن لديها قاعدة أخلاقية تستند إليها. علينا أن نساهم بإقناع هذه الشرائح معتمدين قوة طرحنا ومنطقه، وما لا يقلّ أهمية هو أننا نمثّل أقلية قومية ويهود ديمقراطيين لا يمكن تغيير السياسة الرسمية بدونها، أي نأتي بقوة حاسمة لا تغيير دونها.

بالإضافة إلى الموقف القيَمي والحاجة الماسة لطرح بديل يرتكز على الشراكة العربية اليهودية كقاعدة نضالية من أجل تغيير الواقع السياسي والاجتماعي في البلاد، فهنالك قاعدة من الأبحاث والدراسات التي أجريت في العام الأخير، تشير إلى وجود أرضية خصبة لبناء إطار سياسي مشترك، عربي- يهودي، يناضل ويسعى إلى انهاء الاحتلال وتحقيق المساواة بين العرب واليهود. وجود مثل هذه الدراسات يعزز من صحة موقفنا وقراءتنا للواقع السياسي والمؤشرات الكثيرة التي حصلنا عليها من خلال اللقاء المباشر مع العرب واليهود خلال المحطات الانتخابية وما بعدها. 

  1. ما هو البرنامج السياسي والاجتماعي المُقترح لهذه الشراكة؟

أقترح صيغة من معادلتين:

  1. الاتفاق على برنامج الحد الأدنى حول السلام، المساواة، الديمقراطية، العدالة والتقدم الاجتماعيين.
  2. حوار منهجي يهدف إلى تقريب وجهات النظر حتى الإقناع بسائر القضايا.

الاتفاق يجب أن يكون على إنهاء احتلال العام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية، والمساواة الفردية والجمعية، الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

ويجب أن نتفق أيضًا على ما نختلف عليه! وذلك للأسباب التالية:

  1. لأن توضيح الاختلافات يساهم بتوضيح حدود الاتفاق، ويساهم بمعرفة ما إذا كانت نقاط الاختلاف جوهرية بحيث تتناقض مع برنامج الحدّ الأدنى.
  2. لأن الوضوح في الاختلاف يبني الثقة المتبادلة، ومسألة الثقة هامّة جدًا في مواجهة آليات وديناميكية التشكيك التي أسستها المؤسسة الرسمية وما زالت تغذّيها.
  3. لأننا مصرّون على المجاهرة بكل برنامجنا، وذلك لأننا واثقون من عدالة طرحنا ومنطقه، ولأننا نريد إقناع المختلِف معنا بطرحنا الاستراتيجي وليس فقط بهذه النقاط الأربع. ومسار هذا التوجه هو في آلية الطاولة المستديرة التي هي جزء عضوي من المشروع.

مع هذه المجموعات نحن متفقون على إقامة دولة فلسطينية بحدود الـ67 وأهمية تصحيح الغُبن التاريخي، والأمر الملحّ بصدّ الفاشية، وغيرها. ولكنّ قد نختلف مع أوساط تقول إنها صهيونية بمفهوم عاطفي موروث ولكنها تؤمن بالسلام على أساس إنهاء الاحتلال، وتتساءل حول مضامين ومعنى المساواة القومية، وقد تتساءل حول مفهوم وأبعاد حقّ تقرير المصير لليهود، وكلّها سجالات يجب خوضها بثقة معتمدين على خطاب المصلحة الحقيقية للشعبين والقوة الأخلاقية للبديل العادل الذي طرحناه ولا زلنا نطرحه.

 

نضال مشترك وحوار دائم

 

لهذا اقترح إلى جانب النضال المشترك حول المتفق عليه وهي القضايا الأهم والأكثر إلحاحًا في السنوات القريبة، أن نعقد طاولة مستديرة دائمة لمثقفين عضويين، يهود وعربًا، يناقشون المسائل الاستراتيجية المختلف عليها.

من تجربتي المكثفة خلال السنوات الأخيرة في الحوار مع مجموعات يهودية (لنسميها يسارية) فمعظمهم يفهم المساواة القومية أنها مبنى دستوري ثنائي القومية أشبه بكندا أو بلجيكا، بحيث يشمل وجود برلمانيْن واحد للعرب وآخر لليهود أو عام، وحكم ذاتي للعرب. ولكن بتوضيح بنود المساواة القومية من أوّلها وهو: الاعتراف بنا كأقلية قومية واعتبار اللغة العربية رسمية فعلًا، والحق بالتأثير الجوهري على مضامين التعليم، إقامة مؤسساتنا القومية المستقلة ودعمها كالمتحف والمكتبة الوطنية، إلى الاعتراف بالغُبن التاريخي من حكم عسكري ومصادرة أراضٍ ومجزرة كفر قاسم ويوم الأرض وأكتوبر 2000 وحتى مسألة الاعتراف بالنكبة وقضايا المهجّرين، بالإضافة إلى حقيقة أن دولة إسرائيل أقامت نحو ألف تجمّع سكّاني جديد لليهود فقط، مقابل صفر للمواطنين العرب، وضرورة تصحيح هذا الغبن التاريخي، وفي الأطروحات حول طابع الدولة وجوهرها - تجد هنا إمكانيات كبيرة جدًا للاتفاق حول أجزاء واسعة جدًا من الحقوق الجوهرية، إن لم يكن كلها. منذ ردح من الزمن وأنا أنتبه إلى أن اليمين، كل يمين، مغرم بالرموز، بينما واجب اليسار أن يركّز على المضامين ويتقدّم، دون إهمال الرموز، ولكنّ بالطبع أن لا يتوقّف عندها.

الطاولة المستديرة والتي هي جزء عضويّ من المشروع تهدف بالأساس للتقريب في المواقف، وحتى معرفة إدارة الاختلاف في القضايا غير المتفق عليها، ولكنّها أيضًا تُنتج معرفة وثيقة بآراء الأعضاء وتبني ثقة متبادلة، خاصّة بعد معرفة مقوّمات المواقف ومنطلقاتها، حتى لو لم يتمّ الاتفاق التام.

  1. ماذا مع من يتفق حول الخطوط العريضة ويعتبر نفسه صهيونيًا؟

 

99% من اليهود غير الحريديم يعتبون أنفسهم صهاينة، والحريديم هم واقعيًا صهاينة بكل ما يتعلّق بالشعب الفلسطيني والمواطنين العرب وهجرة اليهود للبلاد وقضايا أخرى كثيرة، وفي العقود الأخيرة أصبحوا أقرب سياسيًا لليمين الإسرائيلي.

لا يُمكن أن تكون استراتيجيتنا، من أجل إنهاء الاحتلال والانتصار على الفاشية، هي التحالف فقط مع اليهود المعادين للصهيونية. حسب هذه التجربة الطويلة منذ عقود، فكلّ سنة ينضمّ للجبهة نحو عشرة يهود، إن لم يكن أقلّ! أي سينضمّ ألف يهودي بعد مئة سنة، هذه الاستراتيجية الحالية والمتّبعة واقعيًا منذ عشرات السنين، لا يمكن أن تكون عملية ومؤثرة. بل يجب أن نعترف بوضوح بأننا، لأسباب موضوعية بالأساس، لم ننجح بتوسيع هذا الشراكة. وهذا الواقع يبني فجوة هائلة بين فكرة الشراكة العربية اليهودية وبين تنفيذها، وهذا يجعل الناس يشعرون بأننا نتحدث عن هذه الشراكة بغير واقعية، أو كإسقاط واجب أيديولوجي وليس كمشروع حقيقي متفاعل قابل للتطبيق.

لفتت انتباهي خطابات فيدل كاسترو الحماسية الأولى، وفي أحدها حين وصل ذروة حماسه دعا الجماهير إلى بناء الاشتراكية. ولكنه لاحظ خيبة أملهم بعد تحمّس. فسأل عن السبب؟ وهنا أجابته عجوز مصابة بوخز ضمير بأن هذا يعارض الدين، ووافقها الحضور بهزّ الرأس. بسرعة بديهة قال كاسترو: لنتفق على العمل ثماني ساعات فقط. فصفّق الحضور بتردد. وقال: والتعليم المجاني والمستشفيات المجانية وحقّ المواطن بالسكن المجّاني، وبدأ الجمهور يصفق بحرارة متزايدة... وبعدها قال: لنضع الاشتراكية جانبًا ولنُنفّذ هذا البرنامج!

أذكر استطلاع الرأي الذي أجرته الجبهة قبيل انتخابات العام 2009 حيث شمل المواقف الدينية والعَلمانية. وتفاجأنا في المقرّ الانتخابي أن نسبة من يعتبر نفسه عَلمانيًا هي 7% فقط. كان المعطى غير منطقيّ. كنت في حينه سكرتيرًا قُطريًا للجبهة، فأضفت في الاستطلاع التالي أسئلة تفصيلية نحو: هل تسمع موسيقى تشمل أم كلثوم وفيروز وأغاني اليوم؟ هل تشارك في أعراس مختلطة لرجال ونساء؟ وأسئلة حول حقوق المرأة ومكانتها في العمل والتعليم؟ وأسئلة حول الحريات الشخصية. فاتضح أن أكثر من 60% من المجتمع عَلماني. ولكن كلمة عَلمانية نفسها فُهمت كإلحاد أو حُصر مفهومها ضمن فئة مثقفة.

بهذين المثاليْن أردت التأكيد أن المصطلحات قد لا تُصيب الهدف لأنها حُمّلت دلالات محددة في وعي الجمهور، بينما الممارسات الفعلية التي هي مضمون المصطلحات تبقى الأهم، وهي الهدف أصلا.

ما أطرحه يلائم جوهر التوجه التاريخي للحزب الشيوعي، ففي المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الإسرائيلي في العام 1976 والذي دعا فيه إلى تأسيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، جاء: "جبهة السلام في إسرائيل يجب أن تكون جبهة واسعة لشخصيات وتنظيمات يهودية وعربية، ذوي أيديولوجيات مختلفة- شيوعيين وصهاينة ومتدينين وآخرين- مستعدين للتعاون معًا في النضال ضد السياسة السائدة للاحتلال والضم، التنكّر للحقوق القومية للشعب العربي الفلسطيني ومن أجل السلام العادل والثابت".

وتعبيرًا عن أولويات تلك المرحلة جاء في المؤتمر: "في ظروف إسرائيل فإن الفرز المفصليّ ليس بين الشيوعيين والصهاينة، بل هو فرز طبقي سياسي، بين الكادحين وأصحاب الرساميل، بين قوى السلام وقوى الحرب والضمّ، بين قوى ديمقراطية وقوى تقود إلى الفاشية، هناك صهاينة يتخذون مواقف سليمة في قضية سياسية أو اجتماعية عينية. ومن هنا الإمكانية والحاجة إلى العمل على وحدة الصفّ بغضّ النظر عن الفروقات الأيديولوجية..[5]". هذا الموقف تأكد مجددًا وحرفيًا وبتحليل عميق في المؤتمر الـ25 للحزب الشيوعي المُنعقد سنة 2006 الذي اقتبس مجددًا كل ما قتبسته أعلاه من المؤتمر الثامن عشر[6].

وما يستحق التأمّل أن المؤتمر الـ18 للحزب الشيوعي (كانون أوّل 1976) جاء تتويجًا لمرحلة صعود وطني وأبرز ما فيها يوم الأرض الذي سبق المؤتمر بنصف سنة. وجاء الموقف من الشراكة مع صهاينة يؤمنون بالحدّ الأدنى من البرنامج السياسي، بعد سنة واحدة من اعتبار الأمم المتحدة للصهيونية شكلا من أشكال العنصرية. ومع ذلك رأى الحزب الشيوعي بقيادته التاريخية، وبثقته بنفسه وحصانته الفكرية-السياسية وروحه المواجِهة وغير المنقادة، أن الأولويات الوطنية تقتضي تجنيد كل القوى لإنهاء الاحتلال وصدّ القوى التي تقود إلى الفاشية وغيرها.

 

ومن المهمّ أن نتأمّل في شركائنا الحاليين والسابقين في لجنة المتابعة والقائمة المشتركة، فنحن نختلف مع بعض المنتمين لهذين التنظيمين أو أحدهما بمواقف الحلّ الدائم، والقضايا الاجتماعية والإقليمية وغيرها، بينهم حركات إسلامية تعارض دخول الكنيست وأخرى شريكة بائتلاف يميني حاكم، ممّا يوْجب طرح السؤال بحدّة: لماذا نحن مستعدّون للتحالف مع ذلك التيار العربي البعيد جدًا أيديولوجيًا عنا، أما عندما نتحدث عن شراكة مع اليهود فنبتغي الاتفاق الدقيق حول كلّ القضايا؟ لماذا هذا الانفتاح مع العرب وبالمقابل الطهرانية مع اليهود، خاصة أن الاقتراح هو إقامة جسم ديمقراطي شعبي غير برلماني؟

الجواب واضح وهو أننا نحن العرب كلّنا ضحايا الأيديولوجية الرسمية، وهو جواب سليم وطنيًا وطبقيًا لأنه يجسّد وحدة المضطهدين، ولكن هذا الجواب لوحده غير كافٍ لتفسير عدم تحالفنا مع يهود نتّفق معهم حول برنامج الحلّ الأدنى للسلام والمساواة، خاصة أنه دون هذه الشراكة لا يمكن، بالمطلق، تحقيق السلام والمساواة وسائر الأهداف.

اقترح لهذا الإطار الاتفاق على انهاء الاحتلال والإقناع حول الغُبن الذي لحق باللاجئين وضرورة إيجاد حلّ عادل، والحقوق المدنية والقومية للمواطنين العرب، وكذلك الخطوط العريضة للديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وفي الوقت ذاته وضع كل القضايا الخلافية، ومنها أوصاف البعض لنفسهم بالصهيونية، ضمن قضايا الحوار الدائم في الطاولة المستديرة التي تكون جزءًا عضويًا من المشروع.

توجد أيضًا مساحات للتقدّم بين من يريد يهودية الدولة بمفهوم معنوي ينحصر بتجسيد الحقّ بتقرير المصير للشعب اليهودي دون أن يناقض ذلك جوهريًا المساواة القومية والمدنية، وذلك بخلاف الفكر الذي يدعو إلى الفوقية الاثنية مثلما في "قانون القومية". كل هذه الأسئلة خاضعة للنقاش المباشر المتكافئ الذي نهدف من خلاله إلى تعزيز قناعاتنا، ولكننا لسنا محاورين بيزنطيين، وإنما مناضلون شعبيون من أجل المتفق عليه، ومحاورون عضويون لفولذة أعمق ما يمكن من المفاهيم.

أردت أن أوضح بحدة أن فكرة التحالف الديمقراطي أو الجبهة العربية اليهودية تهدف إلى الاتفاق حول الأمور الجوهرية الملحّة للسنوات القادمة كمناهضة الاحتلال والفاشية وغيرهما، وفي الوقت ذاته أن لا نعفي شركاءنا من الأسئلة الجوهرية والاستراتيجية مثل الصهيونية ويهودية الدولة وحقوقنا القومية الكاملة كمجموعة قومية وجزء من شعب وأهل هذا الوطن.

التحالف يتم طبعًا ضمن رؤية وشروط، وفي صُلبها أن يخدم التحالف هدفه الرئيسي، وهو تحالف طوعيّ بالانضمام او الخروج منه وإليه، وأن تكون لكل الأطراف حرية الفكر والنقد أيضًا تجاه الحلفاء. ويبقى الأساس أنه لا مجال إطلاقًا للقيام بتنازلات قيمية ترتكز على العدالة والحقوق.

 

  1. كيف سينعكس هذا المشروع على الجبهة تنظيميًا وخطابًا؟

لدى المواطنين العرب لجنة المتابعة، والحزب والجبهة منسجمان بوجودهما ضمنها، كذلك عندما كانت القائمة المشتركة شاملةً فالحزب والجبهة أرادا لها الاستمرار رغم وجود اختلافات أيديولوجية ونزعات تنافسية كثيرة. فالأُطر الوحدوية العريضة التي تخدم الأهداف كانت دائمًا عنوانا للحزب والجبهة. وإذا كانت المتابعة هي شراكة الحدّ الأدنى على أساس قومي، فهذه الجبهة العريضة (أو المعسكر الديمقراطي) هي شراكة الحدّ الأدنى على أساس ديمقراطي.

الحالة الأفضل هي إقامة تحالف ديمقراطي واسع، تكون الجبهة في صُلبه، وذلك لإتاحة المجال أن يكون واسعًا قادرًا على تجميع أكبر عدد من الأعضاء وفق برنامج حدّ أدنى. هذا الاقتراح أفضل من توسيع الجبهة ذاتها، لأن الجبهة، عبر السنين، اتخذت هوية وطابعًا وانتماء خاصّين بها.

وهنا أطرح سؤالًا هامًا هو: ما تأثير هذا المشروع على خطاب الجبهة؟

هو ذات السؤال المطروح عند بناء التحالفات، كما هو مطروح ضمن التحالف في لجنة المتابعة والقائمة المشتركة.

القاعدة هي أنه توجد هيمنة أخلاقية للموقف العادل والمنطقي على سواه. وما يحول دون ذلك هو المصلحة، أو التعصّب أو هيمنة القوة أو التنافس أو التنمّر، أما في حالة بناء إطار جامع يجمع بين أصحاب قيَم ومصلحة مشتركة، فيخلق القابلية الأوّلية لإصغاء الشركاء وهنا تتشكّل هيمنة لصالح الطرح المنطقي العادل وتتعمّق باستمرار.

لقد أثبتت تجارب النضال العالمية أن الإقناع من خلال النضال والتجربة المشتركيْن أقوى من مجرّد التنظير بين خصوم متباعدين، مهما كان التنظير محقًا. كما أن التأثير السياسي من خلال النضال المشترك يتفاعل ويتعمّق أسرع بكثير من طرح المواقف في الأكاديميا أو الندوات على أهميتها، وبالتأكيد أكثر من مراحل النزاع والتنافس. ذلك لأن فيه قيمًا، تضحية ومصلحة مشتركتين ممّا يعزّز الثقة. ووجدت تعبيرًا لذلك في خطاب نلسون مانديلا إلى مؤتمر الحزب الشيوعي الجنوب إفريقي، وقد نشرته مجلة الدرب (نيسان 1996) حيث قال: "التحالف بيننا ليس زواجًا سهلًا! نحن منظمتان مختلفتان مع أهداف بعيدة المدى ليست بالضرورة متقاربة.. تحالُفنا مع حزبكم قائم أيضًا على المشاعر الدافئة التي خُلقت خلال النضال المشترك ضد الأبرتهايد.. عديدون ينتقدون علاقتنا، ولكنهم يبوؤون بخيبات أمل متكررة لأن هذه العلاقات صُقلت في النضال!". وقد أكثرَ مانديلا من الحديث عن تأثّره بمواقف الحزب طيلة مرحلة النضال المشترك، وقال إن الوطنية الإفريقية والشيوعية تنازعتاه فأصبحت مواقفه مزيجًا منهما[7]. وفي موقع آخر من سيرته الذاتية قرأت عن تجربة مانديلا بالشراكة مع الشيوعيين أنه قال: "أتعتقد أنني غبيّ لدرجة أنّني أستطيع إدارة منظمة دون أن أتأثّر بالناس الذين تعاملنا معهم."[8]

ونحن هنا في وطننا نعيش تجربة حيّة لأطوَل وأمتن تحالف في مسيرة الجماهير العربية، وهي الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، فعندما نرصد نقاش ومواقف القادة الجبهويين والحزبيين الشيوعيين في المؤسسات القُطرية نعي مدى التقارب بعد سنين من النضال والتفاعل المشترك، حتى أنه إذا خطب شيوعيّ أو جبهويّ غير حزبي أمام الجماهير يكاد الناس لا يعرفون الفرق بينهما. وذلك لأن أرسخ مراحل التقارب والتأثير على المواقف تتمّ عبر النضال المشترك، وليس بمعزل عنه.

التجربة أعلاه عشتها وتفاعلت معها بطبيعة مواقعي المختلفة في الجبهة الديمقراطية، وهناك تجربة أخرى رصدتها من خلال عملي مدّة عامين (2004 – 2006) في جمعية سيكوي. هذه الجمعية أُقيمت بمبادرة يهودية ومشاركة عربية سنة 1991، وكانت تبحث عن تكافؤ في الفرص ضمن الهيمنة الإثنية ولا تتحدّاها. وكمثال أورد الرسالة التي عمّمها مديرا الجمعية العربي واليهودي، تبدأ الرسالة بـ.. "كلنا في إسرائيل وفي المهجر نعي مسؤولية.." وتنتهي بـ"نحن نعلم أن موجة الهجرة (اليهود السوفييت) هي أولوية إسرائيل الأساسية، ولكن علينا ألا ندع هذه الأولوية تتحوّل إلى حجّة لتجاهل قضية جدية أُخرى..". واضح أن المنطلق يبحث عن شروط تحسين ظروف المواطنين العرب ضمن الرؤية الصهيونية. عند تأسيس سيكوي كانت جمعية لوبي ومرافعة لدى موظفي الدولة، ولكن منذ نهاية التسعينيات بدأت الجمعية تتخذ موقفًا مواجِهًا للسياسات الرسمية، وبدأت تنسّق الخطوات مع الهيئات التمثيلية للمواطنين العرب، ولاحقًا فتحت سيكوي مكتبًا في حيفا أسوة بمكتبها في القدس، ولاحقًا غيّرت أسمها من "سيكوي" إلى "سيكوي - أُفق" وغيّرت عنوانها الثانوي من "من أجل التعايش" إلى "الحقوق المدنية" في نهاية التسعينيات، وإلى "المساواة والشراكة" في السنوات الأخيرة، وجاء في تقريرها بمناسبة ثلاثين سنة لتأسيسها: "تعترف سيكوي أن تحقيق المساواة التامة لا يمكن أن يبقى رهين المواطنة والحقوق الفردية وحسب، وإنما توجد أبعاد جماعية وقومية تخصّ المساواة".

كل من يقرأ الجملة الأخيرة يلمس أنها لم تتحدّث عن "المساواة القومية والمدنية" بشكل صريح ومطلق، ولكنّ كل من يتابع السياق يرصد التطوّر التراكميّ الجذريّ برؤيتها وخطابها، ويدرك إلى أين يتّجه الرسم البيانيّ، ومعرفتي الوثيقة بمديريْ الجمعية وطاقمها تؤكّد لي هذا الأمر.

ومن المهم الالتفات الى فرضيّة أنه كلما انغمس من يعتبرون أنفسهم "يسارًا صهيونيًّا" أكثر في نضالات واضحة العناوين والمسمّيات، فإن هذا يحمل إمكانيات تحريرهم من قوالبهم العقائدية، المتوارثة بمعظمها.

السياسة والتأثير ليسا بالركون في المناطق المريحة. بل خوض المعارك الفكرية والسياسية والميدانية والتأثير فيها. هذه هي السياسة التي تسعى لتغيير الواقع ولا تكتفي بتحليله.

يحضرني خطاب القائد والشاعر توفيق زيّاد في الأول من أيّار ضد الذين يرفضون مشاركة الرجال والنساء معًا في المظاهرات، فقال بلغته الشعبية القارصة ما معناه: "اللي فش عنده ثقة بنسائه فليمنعهنّ من المشاركة!" وأكتب بذات الحدّة: هل لدينا ثقة بثبات انتمائنا القومي؟ وهل لدينا ثقة بعدالة قضيتنا وطرحنا؟ من لا ثقة له بثبات انتمائه القومي ومواقفه العادلة، فيمكن تفهّم بقاءه في مواقعه المريحة يعزّز ويرمم انتماءه وثقته بأفكاره وعدالة قضيته، وأن يتفاعل فقط مع من يتّفق معه بالكامل من اليهود المناهضين للصهيونية، أما الواثق الراسخ بانتمائه القومي العربي والوطني الفلسطيني وبمواقفه العادلة فعلى استعداد لخوض غمار النضال من جهة والإقناع من جهة أخرى مع أوسع دوائر مختلفين بقضايا عدة، خاصة أن ما يجمعنا بهم هو النضال من أجل السلام العادل والمساواة العميقة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وهو برنامج الحدّ الأدنى كما بنته الأحزاب الأيدلوجية والتحرّرية في النصف الثاني من القرن العشرين، وإلى حدّ كبير كما أراده الحزب الشيوعي من بناء الجبهة في العام 1976 ببُعد يتجاوز حتى ما أطرحه، بأن تكون قائمة للكنيست.

 

  1. كيف سيؤثّر هذا الخطاب على المواطنين العرب؟

 

الغالبية الساحقة من المواطنين العرب تريد انتزاع المواطنة الكاملة دون أي تنازل أبدًا عن انتمائها القومي بكل استحقاقاته. في ظروف سيئة كعام 2020 الذي تميّز بالكورونا وارتفاع هائل وغير مسبوق بعدد الجرائم، وكذلك دومينو التطبيع مع أنظمة دول عربية، نشأ وعي زائف لدى شرائح تبحث عن حلول فهلوية سريعة حتى بالتحالف مع اليمين! هذه طفرة مشوّهة ومؤقتة وليست نهجًا حقيقيًا لائقًا بأهل وطن وأصحاب قضية ومواطنين، في الوقت الذي بقي فيه غالبية المواطنين بشكل راسخ يبحثون عن معادلة كريمة بين القومي والمدني، بين الكرامة والحقوق.

الغالبية الساحقة من المواطنين العرب تتعامل مع الشراكة العربية اليهودية ببُعدين: إمّا التأييد، وإما التساؤل: وهل توجد جاهزية؟ هل هناك يهود مستعدّون؟

الشريحة الثانية المتسائلة تؤيّد الشراكة مبدئيًا ولكنها تتشكّك في مسألة نضوج الفكرة أو إمكانيتها. لكن بالذات نجاحنا بتحقيق الفكرة سيجعلهم أكثر جاهزية للانضمام.

وتاليًا فهذا المشروع سيزيد بالتأكيد من قوتنا في الشارع العربي، وكلما نجحنا بتجنيد يهود أكثر كلّما نجحنا بضمّ عرب أكثر، حيث إن غالبية المواطنين العرب لا ترفض مبدئيًا الشراكة مع يهود ديمقراطيين، ولكنها تتشكّك في إمكانية نجاح مثل هذه الشراكة. في حالة نجاح مثل هذه الشراكة تنشأ ديناميكية لانضمام أوساط كثيرة وجديدة لمثل هذا الإطار، وعندما نملك مشروعًا وطنيًا مع رؤية واضحة يتقدم باستمرار مع أُفق، فهذا مشروع تنضمّ إليه شرائح واسعة من المواطنين العرب. ومن هؤلاء ما يُعرف بالفئات المدينية المتوسطة، ولكن أيضًا شرائح من القرى التي عرّفناها تاريخيَا بالبيضاء (بلدات لم يكن فيها فروع للحزب). ربما من الصعب انضواؤهم داخل الجبهة الحالية لما تحمله من ترسبات تاريخية وديناميكية تطورت عبر السنين، ولكنّ إطارًا عربيًا يهوديًا شعبيًا واسعًا قادرٌ على أن يشكّل عنوانًا لهذه الشرائح.

 

  1. ما هو الوعاء التنظيمي لهذا المشروع، وهل هو تنظيم شعبي أم شعبي وبرلماني؟

عندما اقترحَت القيادة التاريخية إقامة جبهة تجمع شيوعيين، صهاينة، متدينين.. هدفت لهذا إلى خوض انتخابات الكنيست معًا، ولكنّ ما اقترحه هنا هو إقامة جسم شعبي غير برلماني وذلك للنضال معًا ولتقريب المواقف والتيقّن من نجاح التحالف شعبيًا. وفقط في حالة أتمّت الشراكة  شروطًا نحو: انضمام عدد كبير من الناس، وإثبات الذات عبر نضالات مختلفة، وفولذة المواقف عبر النضال المشترك والحوارات بالطاولة المستديرة فأصبحت مواقفنا بالقضايا الأساسية قريبة جدًا، فعندها يمكن التفكير بتطوير هذا الإطار إلى مواقع تمثيلية منها البرلمان. ولكن هذا التطوّر مرهون بالشروط أعلاه كي نضمن له النجاح والبقاء والتأثير.



نُقطة أرخميديس.. الزمنية

 

بحسب المُعطيات الواردة أعلاه فإن الأرضية جاهزة، لا سيّما كوننا المعارضة الوحيدة لحكومة بينت من اليسار، ومع قناعات متراكمة لدى شرائح يسارية في السنوات الأخيرة أنه لا يمكن إحداث أي تغيير تقدّمي دون المواطنين العرب والشراكة النديّة معهم، وتشكيل مجموعات عربية يهودية على طول البلاد.

قال أرخميديس: "أعطني موقعًا خارج الكرة الأرضية ومنه أستطيع رفع الكرة الأرضية". اقترح موقعًا زمنيًا وليس مكانيًا. وهو أن تخصّص هيئات الجبهة فترة زمنيّة محددة للتجربة. فإن صدق التقويم، المبني على أُسس فكرية وواقعية، أن الفكرة في طور النضوج لمشروع كبير كهذا، نمضي به قُدمًا، وإن وجدنا معوقات موضوعية تحول دون تنفيذ المشروع الكبير، نكون قد خضنا غمار تجربة مستحقّة مبدئيًا ولها مقوّمات واقعية وتؤسّس لمراحل قادمة، لا بدّ أنها حتى لو انكفأت فستجمع حولنا أصدقاء جُددًا، من اليهود والعرب.

 

 

 


[1] للمزيد من التفاصيل حول ارتفاع الأسعار في أعقاب إقرار الميزانية، عادي مازرتس، "طلقة البداية: ارتفاع الأسعار في شبكات الأغذية"، ذي ماركر، 05.01.2022:

https://www.themarker.com/consumer/.premium.HIGHLIGHT-1.10514577

[2] بموجب المعطيات الأخيرة لمجلس التعليم العالي (تشرين أول 2021) فإن الطلاب العرب الذي يدرسون للقب الأول في مؤسسات التعليم العالي في إسرائيل يشكلون نحو 18% من إجمالي الطلاب في إسرائيل. هذه المعطيات لا تشمل الأعداد الكبيرة من الطلاب العرب الذي يدرسون في الجامعات في الضفة الغربية وفي دول العالم.

[3] هآرتس، 18 كانون الثاني 2018

[4] يشكّل المواطنون العرب 18.5% من المواطنين في العام 2022، ونحن نرفض الاحصائيات الرسمية التي تشمل سكان القدس والجولان المحتلتين.

[5] المؤتمر الـ18 للحزب الشيوعي الإسرائيلي. ص 117.

[6] المؤتمر الـ25 للحزب الشيوعي الإسرائيلي. ص 91-92.

[7] أنطوني سامبسون، مانديلا السيرة الموثّقة ص 95.

[8] أنطوني سامبسون، مانديلا السيرة الموثّقة ص 232.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب