news-details

انهار حكم العصابة، فهل تستبدل بعصابات؟| برهوم جرايسي

•    من يعتقد أن العصابة التي يقودها نتنياهو، ستحقق له ولو بعضًا من "أمانيه" -مصيره السقوط المدوي
•    نهج نتنياهو لا يختلف عن عصابات العربدة والخاوة، ومن يستعد لاستبداله، خرج من ذات وكر الزعرنات 

•    نريدها قائمة مشتركة، تُبقي على رأس أجندتها قضية شعبنا، لأنها هي الأساس، ومأساتنا التي نحيا بها، هي جزء أساسي من مأساة شعبنا كله. فلا تبحثوا عن كيفية تحسين ظروف الزنزانة، بل كيف يتم خلع جدرانها 


مشهد الهيئة العامة للكنيست، قبيل فجر اليوم الثلاثاء، رسم زاوية أخرى، في المشهد الإسرائيلي، مشهد تفتت حُكم العصابة، الذي قاده نتنياهو، وكي لا يفهم أحد القصد خطأ، فإن تحول الحُكم الإسرائيلي إلى حُكم عصابات، هو نتيجة طبيعية لكل حُكم قائم على فكر اقتلاع شعب وسلب حريته ووطنه؛ فمن يمارس الاحتلال لا ديمقراطية عنده. وأسلوب العربدة والاستبداد يتسع، ليطال ليس فقط الشعب المستهدف، بل ساحة العصابة الداخلية. وإسرائيل المتجهة نحو انتخابات مبكرة رابعة، ستولد برلمانًا أشدّ تفتتًا وتناحرًا، ويحمل عصابات أخرى. ويبقى سؤال المليون لدينا نحن الجماهير العربية: أي مصير سنحيكه لأنفسنا؟ إن صحّ التعبير
الليلة الأخيرة للكنيست الـ23، كانت ليلة الانهيارات، أكبرها في كتلة "كحول لفان"، إذ اتضح للجنرالين بيني غانتس وغابي أشكنازي، أن الأوامر العسكرية للقطيع الذي التم حولهما منذ مطلع 2019، يتفكك، لأن لا قاعدة جامعة، ولا أخلاقيات؛ فأي أخلاقيات ستكون عند من يقيس مجده، بمدى تدفق شلالات الدم الفلسطيني؟
وكذا الليكود، الذي بدأ يشهد حالة تمرّد على الأزعر بنيامين نتنياهو، الذي سيطر على الحزب هو وعائلته الصغيرة، فخلع العديد من الشخصيات المركزية، إما عن الساحة السياسية كليًا، أو إلى ساحة أخرى تنافسه. والتمرد المحدود الذي تكشّف لليكود عند التصويت على مشروع تأجيل حل الكنيست، إن كان علنيًا من نائبتين، أو من آخرين، إثر "وعكة" مفاجئة، هو بداية لما هو أوسع. 
والقائمة المشتركة، وإن كانت في موقع الند، فقد تكشّفت فيها حالة البؤس الجزئية أكثر، بإصرار نواب الحركة الإسلامية (الجنوبية) بالتمرد على إرادة الجماهير العربية، وعلى قرار الغالبية الساحقة في الكتلة، مقابل محاولة مد حبل خلاص لنتنياهو، بعدم المشاركة في التصويت، مقابل أوهام، بالحصول على فتات من مغارة علي بابا. إلا أن الحبل كان قصيرا، وأقل من طول رباط حذاء، لم يسعف نتنياهو من السقوط. 
الانتخابات التي ستجري في شهر آذار المقبل، ستكون انتخابات في مركزها مواجهة الحالة الصحية، وهذا قد يُلحق الضرر بالغالبية الساحقة من الأحزاب؛ ولربما باستثناء أحزاب الحريديم، وأحزاب اليمين الاستيطاني المتطرف، الذين لديهم دافعٌ أيديولوجي، وانتفاعي، ونمط التصويت لديهم يرتكز على قرار "الزعيم"، وغالبًا هو الزعيم الديني. 
وحسب المشهد القائم، فإننا متجهون إلى انتخابات سيكون المشهد فيها مختلفًا كثيرًا عن الجولات الانتخابية الثلاث. وسيكون الكثير من التشققات والانشقاقات، والتحالفات التي تظهر فجأة، والخطر قد يمتد للقائمة المشتركة، بعد ما حصل الليلة الفائتة.
ولكن التحالفات والقوائم التي بات لها مؤشرات أولية، لن تُخرج إسرائيل من أزمتها، بل ستغوص فيها أكثر. فأولاً، ستكون تركيبة الكنيست أكثر تشرذمًا وتشتتا. وفي حالة كهذه، فحتى وإن تم تشكيل حكومة ثابتة، ذات أغلبية ترتكز على اليمين الاستيطاني، إلا أنها ستكون تناحرية. وهذه ليست تكهنات، بل هذا استنتاج قائم على طبيعة الحالة السياسية الإسرائيلية، التي لم تشهد انتخابات في موعدها القانوني منذ 32 عامًا، وكل حكومة تشكلت فيها، كانت قائمة على قلاقل. وإذا عدنا إلى الخلف أكثر، فإن آخر حكومة ثابتة، كانت تلك التي شكلها حزب العمل (المعراخ)، في العام 1973.
وكما بدأنا، نقول إن هذا نتاج طبيعي لكل حُكم قائم على فكر الاقتلاع والاحتلال والعنصرية، حُكم الاستبداد، الذي يبدأ ويواصل ممارساته، ضد شعب بأكمله، ولاحقًا تبدأ عملية التطرف في أن تطال الساحة الداخلية للمستبدين. 
إسرائيل خاضعة في السنوات الـ11 الأخيرة، لحُكم الأزعر، المتفرّد في الحكم، الذي نجح، بدعم حيتان المال الذين تشابكت مصالحهم مع عصابات اليمين الاستيطاني الإرهابي، في أن يكون الزعيم الأوحد في حزبه، وفي المقابل، فإن كل الأحزاب التي تدور في فلك الحكم تفتت، باستثناء "الحريديم" الذين لهم طابع خاص. 
في حال سقط نتنياهو عن الحُكم في آذار المقبل،2021، فإن هذا لا يعني الخلاص من نهجه، لأن من سيجلس مكانه، مهما كان اسمه، سيكون قد خرج من ذات الوكر الذي حفره نتنياهو، وسيتّبع ذات الأسلوب: ضرب مؤسسات الجهاز الحاكم، والجهاز القضائي، سعيًا لتقليص دائرة الحكم.
أن تكافح ضد مؤسسة حاكمة منظمة، أسهل من أن تكافح ضد حكم عصابات، ولكن أضرار حكم العصابات لن تقتصر على الضحية الأساس، شعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده، بل سيطال الجمهور الإسرائيلي أيضًا، وبأشكال مختلفة؛ فرغم كل التحفظات على فوضى المظاهرات الأسبوعية الجارية منذ ستة أشهر، إلا أن بعض قادتها طالتهم اعتداءات الزعرنة، ومنها ما هدد ويهدد حياتهم، وبدعم من جهاز البوليس الإسرائيلي.  

وسؤال المليون: يبقى مصير القائمة المشتركة.

أنصح بعدم الإسراع في غسل الأيدي منها، فهي ما تزال إرادة الجماهير العربية. واستطلاعات الرأي التي تشير إلى أن القائمة ستخسر ثلاثة أو أربعة مقاعد، وتبقى مع 11 إلى 12 مقعدًا، تقول شيئًا آخر: ما زال للقائمة المشتركة نواة صلبة، نواة الأغلبية، تكون مرتَكَزًا لتعزيزها، والحفاظ على قوة القائمة في الانتخابات المقبلة.
ولكن يخطئ من يراهن على الفطرة الوطنية لدى الجماهير العربية، أو من يعتقد أن الأوهام ممكن أن تغرر بها، فحينما صوتت جماهيرنا بأغلبية 88%، على الأقل، للقائمة المشتركة، عرفت هذه الجماهير أنها لن تصوت لقائمة ستشارك في الحكم، بل لجسم معارض، مفروض أن يكون مكافحًا، لا متخاذلاً ولا متواطئًا، جسم برلماني يسعى لتحقيق شيء، ولكن ليس على حساب كرامة شعب بأكمله.
إن نهج منصور عباس الليلة الماضية، فضح أكثر ما يجري من وراء الكواليس. ولا مكان للتخوين، إلا أن منصور عباس ينجر مغمض العينين، خلف سراب مكارم "آل صهيون"، زعران صهيون، وأولهم الأزعر المنفلت الأول، الذي لا يعرف أحدًا، سوى نفسه ثم عائلته الصغيرة، وكما كتب عنه ذات يوم ناحوم بارنيع، "بخيل ذات شراهة غير مسبوقة"، لكسب المال ومناعم حيتان المال التي تُعلفه. 
من الخطأ إطلاق التهديدات وطرح الشروط، لضمان استمرار القائمة المشتركة، ولكن هناك حقيقة واحدة، وهي أن هذه القائمة لا يمكنها أن تستمر من خلال تكنيس العفن لتحت السجادة، بل هي تحتاج لأسس واضحة، قائمة على أن وجودنا في الكنيست، هو وجود كفاحي متحدٍ، مواجه صدامي للمؤسسة الحاكمة، نسعى لتحقيق شيء من أنياب الوحش، ولكن ليس بالتذلل له، ولا بنثر الأوهام.
نريدها قائمة مشتركة، تبقي على رأس أجندتها قضية شعبنا، لأنها هي الأساس، ومأساتنا التي نحيا بها، هي جزء أساسي من مأساة شعبنا كله، ("فمأساتي التي أحيا نصيبي من مآسيكم"- توفيق زياد). فلا تبحثوا عن كيفية تحسين ظروف الزنزانة، بل كيف يتم خلع جدرانها.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب