news-details

بايدن، اذهب لمقابلة هاجر كعابنة في رأس التين | عايدة توما-سليمان

حضرة الرئيس بايدن، أهلًا بك في "الديموقراطيّة الوحيدة في الشرق الأوسط". أنا على يقين من أنك ستعجب أشد الاعجاب بروائع الابتكارات التكنولوجيّة للجيش الإسرائيلي. 

ربما ستتحدث مع رئيس الحكومة يئير لبيد حول السّلام والاتفاق السياسي الوشيك بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ستناقشون، ربما، تعزيز محور الدول التي تخدم مصالح الولايات المتحدة تحت غطاء البحث عن حل للتهديد الإيراني. ستلتقي على ما يبدو، بالوفد الأمريكي في دورة ألعاب "المكابيا" وتشارك في قمة افتراضيّة حول أزمة الغذاء والأمن الغذائي العالمي، وربما ستعمل بجد لضم اسرائيل الى برنامج الإعفاء من التأشيرة للولايات المتحدة.

كل المذكور أعلاه ربما ستفعله خلال زيارتك، لكنك حتمًا لن تقابل هاجر ومصطفى كعابنة من رأس التين في الأراضي المحتلة. من المؤكد أيضًا أنك لم تسمع بهما ولن يخبروك عنهما . بحسب نشر الصحافيّة عميرا هس، اجتاح المستوطنون خيمتهم واولادهم قبل أسبوعين وهاجموهم بوحشية تحت حمايّة الجيش الاسرائيلي بل وبمساعدة منه. هاجر رقدت في المستشفى لمدة 10 أيّام بعد اصابتها بكسر في الجمجمة، نزيف دماغي وكسر في اليد اليسرى. أفراد عائلة كعابنة ليسوا الوحيدين َممن تعرضوا لاعتداءات، فخلال العام الحالي وحتى بدايّة شهر تموز تم الابلاغ عن 40 اعتداء لاسرائيليين يهود ضد الفلسطينيين في هذه المنطقة، من أصل 370 اعتداء مشابها وثقتها الأمم المتحدة في الشهور السبعة الأولى لهذا العام في الأراضي المحتلة.

لسوء الحظ، وتمامًا كمعظم المواطنين اليهود في إسرائيل، أنت تفضل، الرئيس بايدن، تحصين تحالف بين إسرائيل وأنظمة دول الخليج، والتطبيع الإسرائيلي مع دكتاتوريات الظلام مثل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بدلاً من العمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي المجرم. مثل رئيس الوزراء لبيد وسابقه في المنصب نفتالي بينيت، يبدو أنك أيضًا أسير الحلم الزائف المسمى "إدارة الصراع"، وقد تعتقد أنه يمكن الالتفاف حول القضية الفلسطينية واقامة تحالف إقليمي بين إسرائيل والدول العربية، في حين تداس حقوق الشعب الفلسطيني الذي يعيش في ظل نظام فصل عنصري.

لكن الحقيقة البسيطة، سيد بايدن، أن أفراد عائلة كعابنة، على غرار سائر الشعب الفلسطيني، لن يذهبوا إلى أي مكان. رغم محاولات التهجير من قبل المستوطنين، رغم العنف اليومي لجنود جيش الاحتلال ورغم جرائم إسرائيل - وكل ذلك تحت رعاية صمتكم الآثم ومليارات الدولارات التي تمنحها حكومتكم لإسرائيل كل عام. لا يمكن "إدارة" هذا الصراع من خلال السماح للرحلات الجوية الإسرائيلية فوق سماء السعودية، أو القرارات الفارغة مثل الموافقة الإسرائيلية على انشاء شبكة هواتف جديدة من الجيل الرابع للفلسطينيين، وبالتأكيد، كل هذا لن يغيّب المطلب الفلسطيني الأساسي بالتحرر والسيادة والعدالة والمساواة.

الرئيس بايدن، الاختلاف بينك وبين ترامب في ما يتعلق بحقوق الإنسان للمواطنين الفلسطينيين شكلي بحت. إن حكومتك، تمامًا مثل إدارة ترامب، تواصل إعطاء الضوء الأخضر لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية (غير القانونية بموجب القانون الدولي)، والحصار الإجرامي على غزة المستمر منذ 15 عامًا، وهدم المنازل الذي لا يتوقف والعنف الوحشي للمستوطنين اليهود في المناطق المحتلة. فبحسب حركة "السلام الآن"، في ظل "حكومة التغيير"، قامت اسرائيل ببناء آلاف الوحدات السكنية في المستوطنات، وأصدرت مناقصات لمئات أخرى –  بوتيرة أشد من فترة حكم بنيامين نتنياهو. وبحسب منظمة "بتسيلم"، فقد هدمت إسرائيل منذ قيام "حكومة التغيير" مئات المباني في الأراضي المحتلة، وقُتل أكثر من 100 فلسطيني خلال هذه الفترة على أيدي الشرطة الإسرائيلية، الجنود، المستوطنين والمدنيين.

اليوم، لا نجد سياسيا واحدا مركزيا على الحلبة السياسية الاسرائيلية يجرؤ حتى على الحديث عن عملية سياسية مع الفلسطينيين وانهاء الاحتلال. ولولا الصمت الأمريكي (والمساعدات الفعلية في بعض الأحيان)، لم تكن إسرائيل لتجرؤ على انتهاك القانون الدولي، ولا الاستمرار في اتباع المواطنة غير المتكافئة ونظام الفصل العنصري القائم على الفوقية اليهودية - نظام فصل عنصري مع نظام قانوني لليهود وآخر للفلسطينيين - بما في ذلك مواطني الدولة.

مثل أسلافك في البيت الأبيض، أنت أيضًا، سيدي الرئيس، لم يزعجك تعريف إسرائيل لنفسها على أنها الدولة الحصرية للشعب اليهودي - على جانبي الخط الأخضر. لقد التزمت الصمت بينما استمر الترويج للاثنوقراطية القومية وممارسة سياسات التمييز الممنهجة ضد السكان العرب في البلاد - من هدم المنازل وتهويد النقب، إلى قانون المواطنة العنصري، الذي ينص على أن هناك مساواة وأن هناك المزيد من المساواة في "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".

سيدي الرئيس، أثناء حديثك مع رئيس الوزراء لبيد عن التعاون التكنولوجي، ومع ولي العهد الأمير بن سلمان بشأن تحالف دفاعي إقليمي، تذكر هاجر ومصطفى كعابنة من رأس التين. فكروا بآلاف السكان في مسافر يطا الذين يواجهون الترحيل من منازلهم لأجل تجهيز مناطق تدريب لجيش الاحتلال الإسرائيلي (وحسب التجارب السابقة، لتهيئة المنطقة لبناء المزيد من المستوطنات). حاولوا أيضًا أن تتذكروا الصحفية الفلسطينية الشجاعة شيرين أبو عاقلة، التي قتلت برصاص قناص اسرائيلي في جنين وتم التعتيم عن حقيقة مقتلها كما تفعلون دائمًا.

سيادة الرئيس، نحن - أبناء وبنات الشعب الفلسطيني – لا نقبل بأن نبقى على الهامش، لحياتنا قيمة كما الآخرين. يستحق أطفالنا نفس الحقوق التي يستحقها أطفال اليهود في إسرائيل، تمامًا كما يستحقها أطفالكم في الولايات المتحدة. إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل في حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ليست مصلحة الشعب الفلسطيني وحده، بل مصلحة الجميع. لن يكون هناك سلام حقيقي، ولا ديمقراطية، بدون انهاء نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.لا طريق التفافي ولا "تحالف دفاعي" عسكري ولا اتفاقية تطبيع مع دول الخليج ستغير هذه الحقيقة الأساسية.

*المقالة نشرت في المرة الأولى بتاريخ 12.7.22 في صحيفة "هآرتس".

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب