news-details

تبعات خطة وزير القضاء | المحامي علي حيدر

 

لقد أعلن وزير القضاء الجديد، ياريف لفين،  وبعد مرور أسبوع على تشكيل الحكومة، وعشية انعقاد المحكمة العليا من أجل البت في الالتماسات المهمة التي قدمت ضد تعيين أرييه درعي وزيرا في الحكومة الجديدة (وبعد أن عارضت المستشارة القانونية للحكومة تعينه بعلة عدم المعقولية) - أعلن عن المرحلة الأولى من خطته، التي يعمل على بلورتها وتقديمها منذ سنوات طويلة ويسميها "إصلاح الجهاز القضائي"، والتي تهدف بحسب وجهة نظره إلى تعزيز الحوكمة وترميم الثقة بالجهاز القضائي ودمقرطة نظام الحكم وإعادة السيادة للشعب وعدم السماح لمجموعة صغيرة وغير منتخبة من القضاة بالحسم في القضايا المهمة دون صلاحية. كما انتقد ليفين، "الثورة الدستورية" و "الفعالية القضائية" اللتين أسس لهما رئيس المحكمة العليا السابق القاضي أهارون باراك، وكان قد أعلن عنهما في أثر تشريع قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته، وقانون أساس: حرية العمل، اللذين ُسنا قبل حوالي ثلاثة عقود. وقد برر ليفين هذه الخطوة بضرورة حفظ التوازن بين السلطات واستعادة كل من البرلمان والحكومة مكانتهما مقابل السلطة القضائية.

وقد أشار ليفين إلى التغييرات التالية التي ينوي تنفيذها قريبا:

١. تغيير مبنى لجان تعيين القضاة من خلال إضافة عضوين ممثلين للجمهور، يتم تعيينهما من قبل وزير القضاء.

٢. تسوية مسألة إلغاء القوانين من قبل المحكمة العليا من خلال منع المحكمة من إبطال قوانين إلا بتوفر أغلبية شبه كاملة من هيئة كبيرة من القضاة، وبواسطة تشريع "فقرة التغلب" التي تتيح للكنيست إعادة تشريع القوانين التي تبطلها المحكمة العليا بأغلبية ٦١ عضوا من أعضاء الكنيست.

٣. إلغاء حجة "عدم المعقولية"، الشيء الذي يقيد صلاحية المحكمة العليا  ويمنعها من إلغاء قرارات إدارية وابطال قوانين.

٤. على المستشارين القانونيين العاملين في الحكومة أن يقدموا المشورة فقط وليس أن يتخذوا القرارات، بمعنى أن يكونوا خاضعين لسلطة الوزير وليس مدافعين عن القانون ولا أن يكونوا خاضعين لتوجيهات المستشارة القانونية للحكومة.

من الجدير بالذكر، أن ليفين لم يذكر في هذه المرحلة، موضوع الفصل بين وظيفة المستشار القانوني للحكومة والمدعي العام بالرغم من أن هذا الموضوع من أكثر الأمور تداولا ومناقشة في السنوات الأخيرة، ومن الأمور التي يمكن أن تؤثر على سير الملفات الجنائية ضد رئيس الحكومة، ولكن كما يبدو فقد تم ارجاؤها للمرحلة الثانية.

لقد أثار الإعلان عن الخطة نقاشاً واسعا وصاخبا فهنالك من نعتها بالانقلاب أو بالثورة أو بتدمير النظام السياسي والقضائي أو اعلان حرب على الجهاز القضائي، وفي المقابل هنالك من انبرى للدفاع عنها واعتبرها خطوة ضرورية وملحة وكان من المفروض أن تنفذ منذ زمن طويل.  

لقد أشرنا أكثر من مرة الى أن النظام القضائي في إسرائيل يخدم الغايات الكبرى للدولة اليهودية، بينما في بكل ما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني بشكل عام والمجتمع الفلسطيني في الداخل، لم يحدث تغييرات جوهرية وبنيوية، بل على العكس.

فقد صادقت المحكمة العليا في السنوات الأخيرة على العديد من القوانين العنصرية مثل قانون أساس القومية وقانون التجمعات السكانية و قانون النكبة ومنع لم الشمل... ومنحت الشرعية القانونية للاحتلال وممارساته، على سبيل المثال لا الحصر:جدار الفصل العنصري وسياسات الاستيطان وهدم المنازل والاعتقالات ومصادرة الأراضي...إلخ ومع ذلك فإن الخطوات التي تنوي الحكومة تنفيذها تضعف الجهاز القضائي وفي المقابل تمنح قوة مفرطة لكل من الحكومة والكنيست. نتيجة لعدم وجود دستور في إسرائيل أو أكثر من مجلس منتخب، فالخطة تسعى إلى تركيز القوة في أيدي الحكومة التي تسيطر على البرلمان وعلى الجهاز القضائي وبالتالي تمس بالتوازن بين السلطات وبمكانة الأقليات وحقوق الإنسان ونظافة اليدين والحكم السليم واستقلالية القضاء وثقة الجمهور به وهوامش الديمقراطية وتسييس تعيين القضاة وتهديد الجهاز القضائي، وتمس بحقوق المجتمع الفلسطيني في الداخل الذي يجد في المحكمة العليا في كثير من الأحيان الملاذ الأخير لعرض مظلومياتة واستثمار التوجه إليها من أجل رفع الوعي المحلي والدولي بحقوق الشعب الفلسطيني التي يتم انتهاكها وخرقها بشمل منهجي ومتواصل.

خطة ليفين تجعل من القضاة مجرد موظفين وتقنيين وتقلص قدرتهم على التأويل والتفسير وتحد من قدرتهم على ممارسة دورهم المركزي وهو الحكم في القضايا وخصوصا في الخلافات بين الدولة والمواطنين وتفعيل الرقابة القضائية على المؤسسات الرسمية.

من الواضح أن هذه الخطة مدعومة من قبل رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي صَعَّد من انتقاده وعدائه للجهاز القضائي منذ قدمت لوائح الاتهام ضده بقضايا الفساد وخيانة الأمانة وتلقي الرشوة والخداع، وهي مدعومة من كافة مركبات الائتلاف الحكومي العنصرية. كما تسعى إلى تغيير النظام القضائي والسياسي في إسرائيل إلى الأسوأ، وهو الذي يتردى باتجاه الاستبداد والسيطرة والقوة والقمع وتقليص إمكانات الرقابة والتدخل.

من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هذه الخطوة لم تأت من فراغ بل هي نتاج عمل وتخطيط عميق استمر على مدار سنوات، ساهم في بلورتها وزراء قضاء سابقون وأكاديميون ومؤسسات مجتمع مدني يمينية ومحافظة مثل طاقم "كوهيلت" وموقع "ميداه" ووسائل إعلام يمينية.

من خلال هذه الخطة تسير الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو بنفس الطريق الذي انتهجه بعض الأنظمة الشعبوية المناهضة للديموقراطية والمتمسكة بحكم الأكثرية (ظلم الأكثرية) التي تعمل على قمع الحريات وقمع الأقليات، مثل هنغاريا أوربان وروسيا بوتين وبرازيل بولسينارو وأمريكا ترامب وبولندا اندمجي دودا وهند مودي... إلخ من أنظمة شعبوية.

من الضروري الإشارة، في هذا السياق الضيق والمحدود، إلى أن المخاطر المتوقعة من هذه الحكومة ليست مقصورة على إضعاف الجهاز القضائي بل إن مرجعيتها الأيدولوجية الإشكالية وهي اليمينية المتطرفة والعنصرية والمسيانية الاستيطانية والكاهانية الفاشية والأصولية الدينية، والدمج بين مجمل هذه التوجهات المدفوعة بالاستعلاء القومي اليهودي المزود بوسائل القوة، يجعل منها مصدرا للمخاطر وباعثا على التوترات المتواصلة والمستمرة.    

المطلوب من المؤسسات الحقوقية وخصوصا الفلسطينية منها الالتقاء والتفكير الجماعي حول كيفية التعاطي مع هذه الخطة وما هي إسقاطاتها وتبعاتها على الشعب الفلسطيني بشكل عام والمجتمع الفلسطيني في الداخل بشكل خاص، والتنسيق مع جمعيات حقوق الإنسان الإسرائيلية في المسائل والجوانب المشتركة واطلاع المؤسسات الدولية على المخاطر المتوقعة من هذه الحكومة ومن الخطة القانونية الراهنة.

//ص

نتنياهو وليفين يقودان انقلابًا تخريبيًا – تصوير: نوعم موشكوفيتس، قسم الإعلام، الكنيست

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب