news-details

جمال عبد الناصر الانسان المتواضع |عبد الخالق أسدي

جمال عبد الناصر صاحب الشخصية الجذابة والقدرة الخطابية المشهورة وقد بلغ عدد خطبه بين السنوات 1953 إلى 1970 وفاته 1359 خطابًا، وهو من أشهر الخطباء عربيًا وعالميًا ومن أبرز القادة العرب الذين عرفهم القرن العشرين.

صوتان لعملاقين كبيرين عانقا سماء العالم العربي من المحيط إلى الخليج كانت تُشلّ الحركة في شوارع المدن والريف حين يلتم الناس حول المذياع او التلفاز لسماعهما، هما الرئيس جمال عبد الناصر وخطاباته، أو الاستماع إلى صوت سيدة الغناء العربي أم كلثوم في حفلاتها الشهرية. 51 عامًا على رحيله وهو ابن 52 عامًا، ولا زال المثال الأكثر وضوحًا والأكثر استدعاء للزعيم القومي العربي الذي كان له حضور دائم ورفعت صوره في كل الثورات والتغييرات التي طرأت في مصر والعالم العربي. سيظل اسمه أنشودة الأجيال العربية "يا جمال يا حبيب الملايين... يا جمال يا مثال الوطنية أجمل أعيادنا المصرية برياستك للجمهورية ردوا عليّ".

عبد الناصر الانسان المتواضع الذي لم يستمتع بمجده وعظمته ولم يعرف لذة الحياة ولم يكن ينام إلا الساعات القليلة لمدة 18 عامًا، ولم يكن يلتقي أولاده في عائلته الصغيرة بالمعنى المتعارف عليه بين الناس. كان عبد الناصر عفيفًا نظيفًا شريفًا، وكانت متطلباته الدنيوية محدودة للغاية، لم يرث ولم يورث أولاده، كان يرفض الثروة ويرى أن التملك لا يتماشى مع وضعه ولا مع مسؤوليته فالتملك برأيه لا حدود له، فإذا تملك الانسان يشعر دائمًا برغبة في الزيادة.

كان إفطاره عبارة عن قطعة من الجبن الأبيض وشريحة من البطاطا والخيار والجرجير، وبعض الأحيان يفطر بيضة مقلية واحدة. أما الغداء فعبارة عن قطعة من اللحم وملعقتي أرز وطبق من الخضراوات الموجودة في الأسواق، والعشاء يتناوله وهو يشاهد فيلما سينمائيا في منزله وهو لا يخرج كثيرًا عن الإفطار. وكان نادرًا ما يتقبل الهدايا، ويشهد الساسة والاثرياء العرب انه قد ردت إليهم الهدايا بأسلوب رقيق، كان أحيانا يقبل ربطة عنقٍ من صديق يعتز به أو "ولاعة سجاير" وكان كثيرًا ما يعطيها لأحد من معاونيه أو زملائه. كان يهدى اليه سيجار من كوبا في عيد ميلاده، وكان من نصيب الأستاذ محمد حسنين هيكل. لم يمتلك في حياته سوى 12 بدلة وستة أحذية ومجموعة من "الكرفتات" المقلمة وسيارته الاوستن القديمة ظل محتفظًا بها.

كثيرًا ما كان يخرج لوحده ويقود سيارة نصر 1100 بنفسه متجهًا خارج المنطقة وبدون حراسة. وكانت له جولات منفردة اغلبها في أيام الأعياد. ومن خلال تجواله لوحده لاحظ ما يلي: بعض الحدائق مغلقة، كان من الواجب أن تفتح جميع الحدائق في مثل هذا اليوم، المساكن الشعبية تحتاج إلى دهان وإصلاح شبكات الصرف الصحي، وسائل النقل العامة غير كافية، وبعض الطرق في الاحياء الشعبية ليست مرصوفة بطريقة سليمة، ووسائل النقل العامة غير كافية، الشرطة في بعض المناطق تحتك بالجماهير بطريقة لا تليق بهم وخاصة في الباعة المتجولين. وعندما اكتشفه الناس التفوا حوله وهتفوا له واستمع إلى شكواهم. تكررت هذه الجولات الحرة في الأعياد وتكررت في شم النسيم سنة بعد سنة. وتجدر الإشارة انه كان هناك مكتب للرئيس جمال للشؤون الداخلية بجوار مكتب الشكاوى وكانت تدون التقارير وتعرض على الرئيس وكان يشرف هو بنفسه على حلها.

كان يقول لوالده واخوته حول الزواج والمصاهرة: "أنا معنديش مانع تناسبوا أي شخص بس بشرط ميكونش اقطاعي ولا عليه الحراسة ولا اسم من الأسماء الرنانة افهموها كويس". وعندما تزوجت أخت جمال الوحيدة عام 1968 قال الزعيم لن أستطيع حضور حفل الزواج وعندما سألوه، قال "مقدرش أحضر الفرح وفي كل بيت في مصر فيه شهيد" وتم الفرح في نطاق ضيق ومحدود. كان عبد الناصر يكن احتراما شديدا لوالده ولا يرد له طلبا بشرط أن لا يتجاوز الحق والعدل وألا يطالب باستثناء، وكان من الصدف أن عارض والده عندما أحيل للمعاش، اذ عرض عليه مليونير مصري معروف ان يعينه عضوا في احد مجالس إدارة الشركة فرفض جمال ابنه وتحدث مع والده عن العرض وقال له "انت لست خبيرًا في النقل والمواصلات هم عايزين يشتروني من خلالك".

وفي مجال آخر كان والد الريّس يستعمل المواصلات العامة في جميع تنقلاته وقد حاول أكثر من مرة أن يشتري سيارة بواسطة جمال، وكان رد الرئيس "لما يتصلح حالنا وحال البلد نبقى نتكلم في الموضوع". وفي سنة 1958 اشترى له الرئيس جمال سيارة نصر 1300 وبالتقسيط ودفع جمال بنفسه الأقساط. هذا غيض من فيض لبعض التصرفات المتواضعة لسيادة الرئيس الانسان الانسان جمال عبد الناصر، تعرفوا عليها وعليه انه الزعيم العظيم الذي لن يجود الزمن بأمثاله.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب