news-details

حديقة السفاري البشريّة!!

 

سياج الآلام الذي يحيط حياتنا، أصبح لا يُطاق، لم يعُد بمقدورنا عبوره لأن أسلاك الأنين شائكة جدًا.. الوعكات الصحيّة الفجائيّة باتت تحاصر أجسادنا، فنرتاع منها لتحتلّنا آلام نفسية فظيعة، حتّى تؤرّق عيشنا، بعضنا الآخر يتغاضى عن رؤية المواكب الجنائزيّة، التي نشاهدها يوميًا، عبر الإنترنت، والناجمة بدورها عن ارتفاع نسبة العنف إلى أقصى درجات الإجرام الوحشي.

غالبية المجتمع العربي عاجز عن الاحتجاج أو التظاهر ضد العنف بكافّة أشكاله، لأن أعصاب المواطن تخدّرَت، ولم تعُد تبالي بهذه الحوادث الرهيبة، فقد باتت شبه روتين مُقلق.

ما أستغربه في هذه القضية، أن بعض مواقع الإنترنت المحليّة الشهيرة، العالقة في الشبكة العنكبوتيّة، تُحوّل تلقائيًا أي حادثة قتل أو طعن إلى خبر عاجل! وكأنها نادرة الحدوث أو عديمة الوجود، أم تعتقد أنّنا نعيش في الدول الإسكندنافية؟ ربّما لا أدري!!...مع أنها تَحدُث يوميًّا، في كل لحظة وفي كل ثانية في مجتمعنا الذي تحوّل مع مرور الزّمن إلى حديقة سفاري بشريّة!!

مواقع التواصل الاجتماعي وخاصّة موقع الفيسبوك أصبح أفضل وسيلة إعلام تنقل لنا أي خبر، تتسابق الصفحات الإخبارية المنتشرة فيه، في كل زاوية، على نشر أي خبر فيه إثارة اجتماعية كأخبار الإجرام المتنوّعة، كي تكون سبّاقة في الترويج لهذا "السّبق الصّحفي الحصري". ممّا لا شك فيه أن موقع الفيسبوك قد تحوّل إلى حديقة سفاري إخبارية متوحشة لا ترحم، تشارك بنشرها الهواتف الذّكية، حتّى ينال أصحاب الصّفحات الإخباريّة على أعلى نسبة متابعة فيسبوكيّة، كما يعمل بعضهم على خلق التهويل الإخباري، لخلق مؤثّرات إعلاميّة كاذبة، على حساب الضحيّة التي تستغيث لتحقيق العدالة! نعم لقد باتت هذه الوسائل الرّقميّة تساهم في تأجيج العنف الكلامي والجسدي.

اليوم نسير في الأزقة متلفّتين خوفًا من قُطّاع الطرُق المتربّصين الذين يريدون نهب ما في جيوبنا عنوةً، وذلك نتيجة تردّي الأوضاع الاقتصاديّة، وارتفاع الأسعار. التقليصات الحادة في الخدمات، التي تفرضها الحكومة على الطّبقة المتوسّطة والمسحوقة، حفاظًا على نموها الاقتصادي، فتنسى أنهُما المتضرّرتان الرّئيسيّتان من هذه العقوبات المعيشيّة، تنسى الحكومة أنها تقضي على العيش الكريم للشّعب، تُساهم بشكل غير مباشر في نشر العنف الاجتماعي، الذي بات وباءً بل داءً بشريًّا لا علاج له!

نمُر بين الأحياء متوترين، لئلّا نصادف عراكًا شبابيًا على خلفية طائفيّة أو شخصية، بعض الشّبان تمردوا على القيَم... الوقاحة والفوقيّة هُما آلية تعاملهم مع أهاليهم، يستهترون بتدخّل الكبار، فهُم يعتبرون تدخّلهم إخمادًا لثورة غضبهم، الرّافضة تمامًا لأية تسوية بين أبناء هذا الجيل. لذا نجد الأنا يتصارع مع كبريائهم، خلفيّاتهم تتنافى مع تصرفاتهم المشينة، غريزة الشر تُحرّض أخلاقهم على الفسق، وكأنهم يعيشون في حلبة المصارعة، التي يطبّقها بعض الشّبّان الصغار على أرض الواقع، من خلال مشاهدتهم الأفلام المنتشرة على شبكة الإنترنت.

كم نحلُم في كثير من الأحيان أن نقود سيارة مصفّحة، لئلّا يصيبنا عيار ناري طائش، يخترق زجاج السيّارة، يطلقه علينا أحد سماسرة المخدّرات، فيغتالنا في لحظات، دون ذنب، والشرطة تبدو عاجزة تمامًا عن اتخاذ أي إجراءٍ وقائي ضد منظّمات الإجرام المنتشرة في مجتمعنا... عاجزة عن ملاحقة المجرمين، وكشف هويّتهم، لتقدّمهم إلى العدالة.. تتغاضى عن تهريب السّلاح، لأنها معنية بانتشار العُنف وبيع الأسلحة الممنوعة، في المجتمع العربي تحديدًا، كي نَظَل مُتصدّرين عناوين الصحف الإسرائيليّة، كأصحاب أعلى نسبة إجرام في إسرائيل!!

العنف لم يعُد محصورًا في منطقة معيّنة، بل أصبح منتشرًا في كل أنحاء المجتمع العربي، إنّه يُغطّي كل مساحته.. يغّطي كل مجالاته، فنجده مستشريًا بين أفراد الأسرة الواحدة، على خلفيات متعدّدة والأكثر شيوعًا على خلفية ما يسمّى بشرف العائلة، كذلك في المؤسسات العامّة، في الملاعب الرياضيّة، لقد طال العنف حتّى كبار السّن والمستضعفين. معظم هذه الحالات تصب في خانة العنف الاجتماعي النّاجم عن ارتفاع أدرنالين التوتّر في دم بعض الشبّان، بسبب عولمة مفاهيمهم الشبابيّة غير التقليديّة.

العنف بمفهومه الحديث لم تعُد بُنيته الانتقام، إنّما هو عبارة عن خلايا ترهيبيّة خاملة، موجودة في كل مكان، توقظها نماذج لشخصيات شاذّة اجتماعيًا، تعاني من عقدةٍ نفسية، أو ربّما نمت في بيئة مفكّكة أسريًا.. فهذه الشهامة الوحشيّة، تحرّكها غريزة التسلُّط بالقوّة على أي شيءٍ صعب المنال! مهنتها البلطجة.. تفكيرها سادي، لذا تضطر لاستخدام أي شكل من أشكال العنف، لكي تُثبت أحقيتها في كل شيء، عن طريق فرض سياستها العدوانيّة على الآخرين، مهما كلّفها الأمر.

بالفعل نحن نعيش في حديقة حيوانيّة بشريّة مفتوحة، وكما تُسمّى "حديقة السفاري"، نخاف أن نسير لوحدنا في الشّارع، صرنا بحاجة لحرس شخصي مسلّح يدافع عنّا، عندما يهاجمنا حيوان بشري شرس على غفلة! في حديقة السّفاري، نتوقَع مُسبقًا أن نصادف حيوانات بريّة، من فصيلة آكلي اللحوم، تسرح في أرجائها، لتنعم بشبه الحريّة. بينما في حديقة السفاري البشرية، نجد فصيلة بني البشر، تطوَّرت طبيعتها إلى ما بعد نظرية داروين للنشوء والتطوّر، تنعم بحريّة التنقّل، لكنها للأسف الشّديد أصبحت عدائية إلى حدٍ كبير، لا يمكن ردع مثل هذه النوعيّة من البشر، وأي عملية تأهيل لهم، غدت شبهَ مستحيلة في ظلِّ اللامبالاة والتجاهُل من قبَل الدوائر الرسمية المسؤولة.

 

 

 

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب